جنوب لبنان- يحافظ سوق الاثنين الشعبي في النبطية على بقائه رغم العدوان الإسرائيلي على القرى والبلدات الحدودية في الجنوب اللبناني. ويشكل المكان التاريخي مظهرا من صمود أبناء الجنوب، ويؤمن متطلباتهم اليومية ويُعد فرصة لتحقيق دخل يعينهم على مواجهة التحديات الاقتصادية.
وهو من بين أقدم الأسواق في الجنوب اللبناني، حيث يعود تاريخه لأكثر من 4 قرون. ويقع وسط مدينة النبطية على بعد حوالي 60 كيلومترا من الحدود الفلسطينية، ويشكل مقصدا لأبناء الجنوب وسكان مختلف المناطق اللبنانية.
تحدّ وصمود
مع بداية العدوان على الجنوب، استمر السوق في التحدي والصمود، في مقابل سوق الخان (الثلاثاء) في حاصبيا الذي شُلت حركته بشكل كامل، وسوق (الخميس) في بنت جبيل، الذي أُغلق مؤقتا جراء القصف الإسرائيلي.
الجزيرة نت جالت في سوق النبطية الشعبي ورصدت وضعه في ظل التصعيد العسكري الجاري، حيث تُسمع بوضوح أصداء القذائف والقصف والغارات، بينما لم تغب عن سماء المنطقة مُسيّرات التجسس والمراقبة الإسرائيلية وفي بعض الأحيان الطائرات الحربية.
يُقام السوق كل يوم اثنين ويتميز بتنوع البسطات التي تتكون إما من خيمة مرتفعة على 4 أعمدة حديدية متصلة، تُعرض فيها البضائع على ألواح خشبية أو طاولات، أو تُراكم البضائع مباشرة على الأرض.
وتتنوع المعروضات بين أدوات منزلية، وألبسة وأحذية مختلفة، وأصناف عديدة من الخضراوات والفواكه، وتشكيلات متنوعة تضم البزورات والكعك والبهارات والأعشاب، والحبوب والبقوليات، إضافة إلى مستحضرات التجميل.
حركة ضعيفة
يذكر “بشر بشر”، وهو بائع قهوة متجول منذ 40 عاما، تعرض السوق قبل عام 2000 للقصف الإسرائيلي، واستُشهد فيه بعض الأشخاص، وتم إغلاقه خلال تلك الفترة، ثم عاد من جديد.
ويضيف أن السوق عانى من ركود في حركته بسبب تفشي فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية، وفي الوقت الحالي، ورغم الأحداث الجارية على الحدود اللبنانية التي أثرت على حركة البيع، فإنه لا يزال مستمرا وصامدا.
ويمتد السوق الذي تشرف عليه بلدية النبطية، على طول الطرقات الداخلية للمدينة في الهواء الطلق. وتتموضع فيه قرابة 150 بسطة، في حين تم تخصيص شارع لسوق البالة (المستعمل)، وتُقدَّم القطع المستعملة بأسعار منخفضة تبدأ من 250 ألف ليرة.
يجلس حيدر علاوي (89 عاما) على رصيف السوق، يفترش الأرض بالخضراوات التي يبيعها، ويقول للجزيرة نت إنه منذ بدء الأحداث في جبهة الجنوب، يأتي كل يوم اثنين إلى السوق، لكن الحركة ضعيفة جدا وانخفضت بنسبة 50%، والمبيعات قليلة جدا.
على الجهة المقابلة، تجلس فاطمة سليمان (70 عاما) وتلفت إلى أنها قضت كل عمرها في سوق النبطية، تبيع الأعشاب والبقوليات في السوق منذ كانت صغيرة، وربت أولادها من عائد هذا العمل. وتضيف أن حركة البيع كانت في السابق أفضل بكثير، ولكن اليوم، ومع الحرب على الحدود اللبنانية، تراجعت، وأحيانا لا يقصدها سوى متسوق واحد أو اثنين.
ذاكرة مدينة
ويختصر السوق حياة أبناء النبطية بكامل فصولها نظرا لارتباطه بذاكرة المدينة، فهو يشكل بوابة مفتوحة على التاريخ وعلى تغير الأجيال. ولكن الفارق بين الأمس واليوم، أن صورته باتت تمثل نموذجا مصغرا عن وطن يقاوم الاحتضار اقتصاديا.
ويتذكر حسين بلحص، وهو بائع للحبوب والبهارات، كيف تغيرت حالة السوق على مدى الـ25 عاما الماضية. ويقول للجزيرة نت، إنه كان مقصدا لكل شخص يبحث عن أسعار جيدة، ولكن منذ 6 أشهر وحتى الآن، يشهد تراجعا ملحوظا، مؤكدا استمرارية السوق كتاريخ وإرث لا يموتان.
بعد خطوات قليلة، يتموضع إبراهيم العثمان، وهو بائع عطور يعمل في السوق منذ 9 سنوات. ويقول إن السوق تغير كثيرا، حيث كان مزدحما لدرجة أنهم لم يكونوا يستطيعون حتى الوقوف في الشارع بسبب كثرة أعداد المواطنين. ولكن مع بداية الحرب، خافت الناس، خاصة مع سماع صوت القصف طوال النهار.
أما عماد عبد الله، فقد بدأ العمل ببيع الأقمشة والألبسة في سوق النبطية منذ عام 1990، ويوضح للجزيرة نت، أن حروبا عدة مرت عليهم، ولكنهم يتكيفون ويتأقلمون دائما، ويظلون صامدين في أرضهم. ويؤكد “هذا بلدنا، ومهما حدث، فإننا باقون ولا بديل عن هذا الوطن”.