قال الكاتب توماس فريدمان إنه زار مؤخرا قاعدة التنف الأميركية في سوريا حيث قضى فيها يومين الأسبوع الماضي، وعاش تجربة مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة ووكلاء إيران في المنطقة أبرزهم حزب الله اللبناني وأنصار الله (الحوثيين) في اليمن.
واستهل فريدمان مقاله في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية بأنه كان يتنقل، خلال وجوده هناك، في مروحية من طراز شينوك (CH-47) بين 7 قواعد عسكرية أميركية في غرب الأردن وشرق سوريا مع قائد القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط، الجنرال مايكل كوريلا.
وقال إن حربا أخرى تدور في تلك المنطقة والتي اندلعت بعد فترة وجيزة من هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على مستوطنات في غلاف قطاع غزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ووصف فريدمان الصراع هناك بأنه “حرب ظل خفية” تخوضها إيران ووكلاؤها من الحوثيين وحزب الله والمليشيات الشيعية في العراق، ضد شبكة “صغيرة” من القواعد الأميركية في سوريا والأردن والعراق أُنشئت بعد عام 2014 للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، وضد الوجود البحري العسكري الأميركي في البحر الأحمر وخليج عدن.
تشكل خطرا فتاكا
وأشار الكاتب إلى أن هذه المليشيات الشيعية في العراق واليمن المزودة بأسلحة من إيران، قد لا تبدو للوهلة الأولى أنها تشكل خطرا فتاكا، لكنه اعتبر أن مقاتليها تعلموا كيفية استخدام الأسلحة وصناعتها وتعديلها ونشر بعضها والذي يُعد من الدقة بمكان والأكثر تطورا، على حد قوله.
وقال إن الجنود الأميركيين الشبان الذين يواجهونهم اكتسبوا خبرة في ألعاب الفيديو، لكنهم يمارسون الآن لعبة حرب حقيقية باستخدام برمجيات إلكترونية ومستشعرات بصرية قادرة على تحديد مواقع العدو وتحركات القوات والتي تعد أكثر الإجراءات المضادة، فضلا عن طائرات وصواريخ اعتراضية قادرة على توجيه ضربات عنيفة لأي صاروخ أو طائرة مسيّرة يطلقها عليهم وكلاء إيران.
ويوجز فريدمان القول إن الجنود الأميركيين في المنطقة قد لا يدرون أنهم في حالة حرب مع إيران، لكن الحرس الثوري الإيراني يعرف يقينا أنه يخوض “حرب ظل خفية” مع أميركا عبر وكلائه.
بالإمكان أن يتحول إلى حرب ساخنة
وإذا حالف الحظ أحد هؤلاء الوكلاء، ونجح في إحداث إصابات جماعية بضربه سفينة حربية أميركية أو ثكنات إحدى القواعد الأميركية في الأردن أو سوريا -شبيه بتفجير ثكنات مشاة البحرية في بيروت عام 1983- فالمؤكد وفقا لفريدمان، أن الصراع بين الولايات المتحدة وإيران “سيخرج من السر إلى العلن” ويتحول إلى حرب ساخنة مباشرة بين جيشي البلدين في منطقة يعتمد العالم على نفطها أكثر من غيرها.
ويمضي الكاتب إلى أن هذه الحرب الأخرى التي تدور رحاها في المنطقة انطلقت بحدة ووتيرة سريعة في 17 أكتوبر/تشرين الأول -أي بعد 10 أيام من هجوم حماس على إسرائيل- وذلك حينما قررت إيران بوضوح إطلاق العنان لجميع وكلائها.
إيران تجرب قدرتها
وتحت ذريعة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، وإغراء المشاعر المعادية للولايات المتحدة التي ولّدتها، حاولت إيران تجربة قدرتها على إمكانية إضعاف شبكة المنشآت الأميركية في العراق، وشرق سوريا وشمال الأردن، أو ربما طرد القوات الأميركية كليا.
وأعرب الكاتب عن اعتقاده بأن ثمة هدفا آخر يدور في خلد طهران؛ وهو “تخويف” حلفاء أميركا العرب بإظهار مقدار الضرر الذي يمكن أن تلحقه إيران بالولايات المتحدة “حاميتهم”.
أخطر صراع في العالم
لكن ما يعرفه فريدمان على وجه اليقين -حسب تعبيره- أن هذا الصراع هو أخطر لعبة تجري في أي مكان على ظهر هذا الكوكب اليوم بين طرفين لا يرغب أي منهما أن يكون الخاسر فيها، مشيرا إلى أن هناك 3 أسباب لذلك:
- السبب الأول، هو الكم الهائل من المقذوفات والطائرات المسيّرة والصواريخ التي نشرها وكلاء إيران -لا سيما الحوثيين في اليمن والمليشيات الشيعية في العراق- من رؤوس حربية تحملها صواريخ أرض بحر، وصواريخ كروز، وصواريخ باليستية، وزوارق انتحارية ومركبات غواصة غير مأهولة، وكلها أسلحة ظلوا يطلقونها على القواعد والبوارج الحربية والسفن الأميركية والسفن التجارية في البحر الأحمر.
وزعم الكاتب أن تلك القواعد الأميركية أُنشئت لمنع تنظيم الدولة من إعادة خطوط إمداده، ولم يكن المقصود منها أصلا ردع أو مهاجمة ترسانات الصواريخ الحديثة الضخمة التي تمتلكها إيران ووكلاؤها.
ذكر فريدمان أن ضابطا بالقيادة المركزية أخبره أن الانضباط مهم في هذه الحالة قبل إطلاق صواريخ اعتراضية بقيمة 200 ألف دولار على طائرات إيرانية مسيّرة لا تتعدى قيمتها 20 ألف دولار
- السبب الثاني، ويكمن في أن الإيرانيين دفعوا وكلاءهم ليكونوا بتلك الشراسة والجرأة، مما اضطر القيادة المركزية الأميركية لإجراء محادثة مع إيران لردعها وتحذيرها بأنها تلعب بالنار بعد الهجوم الذي شنته المقاومة الإسلامية في العراق بطائرة حربية تحمل رأسا حربيا يزن 20 رطلا، على البرج 22، وهو منشأة أميركية في شمال شرق الأردن، يوم 28 يناير/كانون الثاني الماضي.
ومن ناحيتها، شنت الولايات المتحدة، في 2 فبراير/شباط الماضي، غارات جوية ضد شبكة الوكلاء الإيرانيين بأكملها في العراق وسوريا، وفي اليوم التالي ضد مواقع الحوثيين في اليمن، فأصابت أكثر من 100 هدف بشكل عام.
- السبب الثالث، هي حرب الظل الخفية الحالية، ففي كل قاعدة زارها فريدمان هناك غرفة سرية للغاية لا يُسمح للصحفيين بدخولها، تسمى مركز تكامل العمليات القتالية. وفي داخل هذه الغرفة، يحدق الجنود الأميركيون (والبحارة على متن سفن البحرية الأميركية) في شاشات لتحديد الأجسام الطائرة المتوجهة نحوهم “بأعداد لا تحصى” قبل اتخاذ قرار في أقل من 90 ثانية من خلال أجهزة الرادار والتعرف البصري، حول ما إذا كانوا سيشتبكون مع مسيّرة قادمة باستخدام طائرة اعتراضية مسيّرة من طراز “كويوت”.
وذكر فريدمان أن ضابطا بالقيادة المركزية أخبره أن الانضباط مهم في هذه الحالة قبل إطلاق صواريخ اعتراضية بقيمة 200 ألف دولار على طائرات إيرانية مسيّرة لا تتعدى قيمتها 20 ألف دولار.