بيروت- بعد مسار طويل من التجاذبات السياسية، أقر البرلمان اللبناني الجمعة، مشروع قانون يقضي بتمديد السن القانونية لتقاعد قادة الأجهزة الأمنية، وقضى بالتمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون وقادة الأجهزة الأمنية لمدة سنة كاملة، مما أدى إلى تفادي الشغور بقيادة الجيش، في لحظة شديدة الحساسية بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي أشعل المواجهة بين حزب الله وقوات الاحتلال على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل. في حين ما زال منصب رئيس الأركان الذي يتولى قيادة القوات المسلحة شاغرا.
وكان اسم جوزيف عون على قائمة المرشحين لرئاسة الجمهورية، بوصفه مرشحا ثالثا غير محسوب مباشرة على أي طرف، بعدما عجز البرلمان في يونيو/حزيران 2023 عن انتخاب أحد المرشحين: مرشح حزب الله وحلفائه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ومرشح حزب القوات اللبنانية وحلفائه من قوى المعارضة الوزير الأسبق والمسؤول في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور.
وكان يفترض تسريح العماد عون في العاشر من يناير/كانون الثاني 2024 مع بلوغه سن التقاعد، مما كان سيؤثر، وفق متابعين، على حظوظه الرئاسية التي ترتبط بجملة عوامل، أبرزها أنه يرأس أعلى منصب أمني مخصص للطائفة المارونية ولمؤسسة عسكرية تحظى بإجماع اللبنانيين.
وبفعل القانون البرلماني، جرى التمديد للضباط من رتبة عماد ولواء، فشمل قائد الجيش والمدير العام لقوى الأمن الداخلي عماد عثمان.
بين الرفض والحياد
ويعد التمديد للعماد عون أول إجراء قانوني للبرلمان بهذا المستوى، بعد تعذر تعيين قائد جيش جديد، بسبب الشغور الرئاسي المستمر منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022، الذي سبق أن أعاق مثلا تعيين حاكم أصيل لمصرف لبنان خلفا لرياض سلامة ومدير أصيل للأمن العام خلفا للواء عباس إبراهيم.
وكان رئيس التيار الوطني جبران باسيل هو المعارض الأبرز للتمديد لعون، وخاض معركة سياسية ضده، ووضعها كثير بإطار سعيه لضرب حظوظ عون الرئاسية.
في حين بقي حياد حزب الله بين عدم دعم التمديد وعدم محاربته مقلقا لحليفه باسيل، خصوصا أن زعيم حركة أمل ورئيس البرلمان نبيه بري (حليف حزب الله) هو عراب قرار تأجيل التسريح بالتنسيق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وزعيم حزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، كما حظي العماد عون بدعم مطلق من حزب القوات اللبنانية وحلفائه.
ويضاف ذلك إلى دعم بقائه على رأس المؤسسة العسكرية من قبل قوى خارجية، أبرزها الولايات المتحدة وفرنسا وبعض الدول العربية.
وفي حين انسحب نواب حزب الله من جلسة البرلمان دون أن يعرقلوا نصابها، قال بري “كل اللبنانيين هم مع الجيش اللبناني ولا أحد يزايد على الآخر، نعم الصلاحية كانت للحكومة.. والبرلمان لا يستطيع سوى القيام بدوره. نحن قادمون على فترة أعياد، وما لم نقم بهذا العمل اليوم نخشى أن ندخل في الفراغ”.
عمليا، يلعب الجيش الذي يضم نحو 80 ألف عنصر الدور الأبرز في حفظ الأمن داخليا، ويحظى بثقة عربية وغربية، كما تنتشر قواته بالمناطق الحدودية من الشمال حتى الجنوب. لكنه يشكو تداعيات الانهيار الاقتصادي منذ خريف 2019، الذي أدى إلى تآكل أكثر من 90% من قيمة رواتب عناصره، في حين تستند قيادة الجيش لتأمين استمراريتها على شتى المستويات، على مساعدات عينية ونقدية خارجية من دول عدة، أبرزها الولايات المتحدة وقطر.
ماذا عن قانونية التمديد؟
يعتبر الخبير الدستوري والقانوني المحامي بول مرقص أن إقرار البرلمان لهذا القانون خطوة قانونية ضمن صلاحياته. وعن إمكانية النواب المعارضين للتمديد، وعلى رأسهم كتلة باسيل، الطعن بالقرار، يجيب مرقص للجزيرة نت “الطعن بالقانون ممكن أمام المجلس الدستوري، لكن إبطاله صعب، لأنه محصن تقنيا، كما أنه مبني على ضرورة تشريعية يقدرها مجلس النواب”.
ويعتبر مرقص أنه بعد التمديد لقائد الجيش، فإن انعكاس الشغور في رئاسة الأركان يكون أقل شأنا، بسبب وجود القائد. ويستدرك “لكنه يقيد من تحركات القائد في السفر مثلا على اعتبار أنه ليس هناك من يحل محله عند غيابه”.
وفي السياق ذاته، يوضح الخبير العسكري والإستراتيجي العميد الركن خالد حمادة، أن ما حصل بالبرلمان ليس تأجيل تسريح، لأنه ليس قرارا صادرا عن وزير الدفاع بموجب المادة 55 من قانون الدفاع الوطني، التي لا تنطبق شروطها على اقتراب تاريخ بلوغ العماد قائد الجيش حد السن القانونية.
ويوضح خالد حمادة للجزيرة نت “أنه تمديد عبر رفع سقف السن القانونية للضباط برتبتي عماد ولواء لمدة سنة واحدة ولمرة واحدة. وتاليا، شمل القرار كل ضباط الأجهزة الأمنية، برتبة لواء (ارتفع سن التقاعد من 59 إلى 60 عاما) والعمداء (من 60 إلى 61 عاما)”.
خلل بالجيش؟
من جانب آخر يسجل الخبير العسكري ذاته وجود خلل قائم باللوائح التنظيمية للجيش بفعل الشغور بموقع رئاسة الأركان، بعدما أحيل رئيس الأركان السابق اللواء أمين العرم على التقاعد قبل نحو عام.
وخلافا للمتداول، يوضح العميد حمادة أن دور رئيس الأركان يتجاوز مهمة النيابة عن قائد الجيش عند غيابه ووجوده خارج البلاد، مشيرا إلى أن أهم حلقة بمنظومة القيادة هي إشراف رئيس الأركان على عمل هيئة الأركان التي يرأسها، ويقوم بتحضير القرارات لقائد الجيش بعد قيام هيئة الأركان بدورها.
ويعتبر العميد حمادة أن غياب رئيس الأركان يعني غياب حلقة أساسية بالقيادة، وفي آلية اتخاذ القرارات.
ويرى المتحدث نفسه أن مؤسسة الجيش متماسكة رغم الظروف التي أسهمت بإضعاف جاهزيتها والظروف السياسية والأمنية، ويخلص للقول “وجد البرلمان هذا المخرج بعدما عجزت الحكومة عن تعيين قائد جديد ورئيس أركان جديد”. ويرجح حمادة أن تتجه الحكومة بعد التمديد إلى تعيين رئيس أركان جديد وملء الشواغر العسكرية.
خلفيات سياسية ورئاسية
ويرى الكاتب والمحلل السياسي علي حمادة أن التمديد لعون يعني إبقاء القديم على قدمه بمرحلة شديدة الاهتزازات والتقلبات والخطورة، و”لبنان يحتاج إلى الحد الأدنى من الاستقرار بالمؤسسات الأمنية، وعلى رأسها الجيش”.
ويجد أن المعركة اتسمت بالشخصانية، وأن الفائز فيها هو الجيش أولا بفعل تجنيبه اهتزاز الشغور بظل أحداث الجنوب.
أما سياسيا، فالفائز، وفق المحلل، هم مجموعة الأحزاب والقوى المعارضة لحزب لله، التي خاضت المعركة مستندة لدعم غربي وعربي يحظى به عون، وسجلت نقطة لصالحها باتجاهين: الأول بمرمى باسيل وفريقه، والثاني، بمرمى ترشيح النائب السابق سليمان فرنجية، “لأن مجرد بقاء جوزيف عون عاما إضافيا، يعني أنه باق كمرشح رئيسي، ويشكل خطرا وتحديا على جميع الترشيحات الأخرى”.
والفائز الثالث والأهم برأيه “هو حزب الله، لأنه أثبت دوره في التشريع، ولو اختار الحزب العرقلة المباشرة والواضحة، لما جرى التمديد لعون”.
ويتابع حمادة في تحليله أن لخطوة البرلمان تداعيات عدة “إذ يؤدي إلى ضرب فرص ضباط مباشرين بالتراتبية، خصوصا من كان مؤهلا لقيادة الجيش ورئاسة الأركان”.
ويضيف أن بقاء العماد عون قد ينعكس إيجابا على واقع الجيش عند الحدود، لأنه يحظى بثقة المجتمع الدولي، وكذلك بثقة حزب الله نسبيا، “حيث يتسم عون بالقدرة على اللعب ضمن حدود المعادلة اللبنانية”.
رئاسيا، يجد علي حمادة أن التمديد لعون لا يعني ضرورة ارتفاع حظوظه الرئاسية، لأن طرح اسمه جديا سيكون إما بتسوية ترضي جميع القوى، وإما بتسوية جزئية “وقد يكون بالواجهة ضده فريق باسيل مقاطعا، وحزب الله ممتنعا عن التصويت له، مقابل صوغ تسوية عبر حركة أمل كطرف شيعي قوي، وبقية الأحزاب بالبرلمان”. وتبقى كلمة السر برأيه، عند ما يقرره ثنائي حزب الله وحركة أمل، اللذين لم يتخليا بعد عن ترشيح فرنجية”.