تفكاغت.. قرية رحلت وخلفت وراءها قصص ألم وحكايات معاناة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

تفكاغت- الحوز

بأصبع ملفوف بقطعة قماش عليها آثار دماء، وبمشاعر مختلطة من الدهشة والحيرة، يشير خالد إلى أنقاض منزله المتهدم في قرية تفكاغت بإقليم الحوز، ويقول: “لا يزال تحت هذه الحجارة عددٌ من أفراد أسرتي لم نستطع انتشالهم بعد، والجرافات غير قادرة على الوصول إليهم”.

يحكي خالد للجزيرة نت: “مات ولدي أمامي، ولم أجد غير يدي هاتين لانتشاله، مستعيناً بضوء هاتفي بعد انقطاع الكهرباء، وهكذا فعل الكثير مع أقربائهم الذين حاصرتهم الأنقاض”.

قصة خالد واحدة من عشرات القصص التي رواها سكان هذه القرية بألم كبير للجزيرة نت، بينما لم يستطع الكثيرون استرجاع شريط ما حدث، ودخلوا في نوبة بكاء.

لم يتمكن خالد من إنقاذ كافة أفراد أسرته وانتشل بعضهم بيديه بعد أن لقوا حتفهم (الجزيرة)

القرية المنكوبة

لا حديث يدور في القرى المجاورة إلا عما حدث في تفكاغت، فالقرية بمنازلها الـ300 سويت جميعها بالأرض، وتوفي ما يقرب من ثلثي سكان هذه القرية التي تقع على مشارف مدينة أمزميز، على بعد 55 كيلومترا جنوب مدينة مراكش، ولا يصل إليها الزائرون إلا عبر طريق غير معبدة ومسالك وعرة.

اعتاد سكان القرية استعمال الحجارة الكبيرة في البناء إلى جانب الطين، وهو ما يعتقد أنه أسهم في ارتفاع أعداد القتلى، وصعّب عمليات الإنقاذ التي باشرها الأفراد في البداية معتمدين على وسائل بدائية، وهو ما حصل أيضا في قرى مجاورة مثل أنكال وأزكور الجبليتين بحسب مصادر موثوقة للجزيرة نت.

يمارس بعض سكان القرية التجارة، لكن غالبيتهم يعتمدون على الفلاحة وتربية الماشية كمصدر رزق لهم، وبعد أن ضرب الزلزال قريتهم أصبحت رؤوس كثيرة من الماشية تحت الأنقاض.

مياه تفكاغت ...حكايات مؤلمة عن قرية مغربية فقدت ثلثي ساكنتها في الزلزال
يبذل سكان القرية الناجون جهدا كبيرا في إيجاد مصدر مياه للشرب (الجزيرة)

لا سبيل لسكان القرية حاليا إلا الاعتماد على مساعدات بعض المحسنين، وينتظرون وصول مساعدات أخرى من الحكومة والجمعيات المدنية، في حين يقتسمون ما يصل إليهم من غذاء ممن تضامنوا معهم من سكان القرى المجاورة.

ويقضى سكان القرية المنكوبة نهارهم في دفن موتاهم، ويحاولون في الليل الالتحاف بما تبقى لهم من أغطية وملابس، في حين لم تستطع غالبيتهم إيجاد ما ينتعلون به أو يغطيهم.

كأنها العاصفة

من عايش الزلزال من السكان وبقي على قيد الحياة يصفه بـ “العاصفة”، وهو تعبير يتفق عليه سكان المنطقة، ويعبر عن قوة الصوت الذي سمعوه، وانبعاث سحب الغبار الذي حجب الرؤية.

يقول السيد عبد الرحيم: “انتشلت والدتي (74 سنة) من تحت الأنقاض بمساعدة زوجتي، كانت تسكن وحدها في بيتها، طلبت منها في تلك الليلة المبيت عندي، لكنها أصرت على العودة إلى غرفتها كعادتها، بعد قضاء النهار وسط أولادها وأحفادها”.

ويضيف للجزيرة نت: “سمعت صراخاً مستمراً من بيت أخي المجاور، وما إن وصلت حتى علمت بوفاة اثنتين من بناته واثنتين من حفدته، بالإضافة إلى أم زوجته، بدأت بالحفر يدوياً، لكننا لم نستطع فعل أي شيء، وتركنا الأمر حتى تم انتشالهم من قبل الجرافة في الصباح”.

عبد الرحيم تفكاغت ...حكايات مؤلمة عن قرية مغربية فقدت ثلثي ساكنتها في الزلزال
أمضت والدة عبد الرحيم يومها الأخير بين أولادها وأحفادها لكنها قررت العودة إلى منزلها قبل حدوث الزلزال (الجزيرة)

واستمر عبد الرحيم في وصف مأساته قائلا: “رغم ذلك لم أهدأ، بت أتجول في القرية مع آخرين، بحثاً عمن يمكن إنقاذه، وقد نجح في بعض الحالات وفشلوا في أغلبها، وكادت الحجارة تسقط على رؤوسنا بعد حدوث هزات ارتدادية مفاجئة”.

يتم وتشرد

ويحكي الشاب هشام للجزيرة نت وهو ينظر بحسرة إلى جثث زوجة أخيه و3 من بناتها وعدد من أولاد عمه، أن الوفيات لم تقتصر على سكان القرية، بل شملت أيضاً بعض ضيوفها، الذين تم نقلهم إلى أماكن أخرى من أجل الدفن، وبقي بعضهم في مستشفى مدينة مراكش في انتظار تصريحات الدفن.

يقول هشام إن السكان ينتظرون المساعدات التي تصل إليهم من مناطق أخرى مثل مدينة أمزميز الأقل تضرراً، لكنه لا يتوقع أن تستمر الحياة في القرية، فمن المحتمل أن يهاجر السكان إلى مناطق أخرى وأن يصبحوا مشردين إذا لم يجدوا مأوى في أسرع وقت.

هشام تفكاغت ...حكايات مؤلمة عن قرية مغربية فقدت ثلثي ساكنتها في الزلزال
يقول هشام إن مأساة القرية لم تقتصر على سكانها فقط، بل امتدت لمن كانوا فيها من زوار وضيوف (الجزيرة)

“فقدت كل شيء”

تصف السيدة خديجة هول ما وقع، وتحاول مواجهة الخوف الذي تملكها وهي ترى زوجها المصاب بمرض “البوهزاز” (باركنسون)، وقد كاد يفقد عقله بعد هدوء الزلزال، قبل أن يُنقل إلى المستشفى لتلقي الإسعافات الضرورية.

وتقول بنبرة حزينة: “فقدت عددا من أقربائي، وأصبحت بين ليلة وضحاها دون مأوى، كما كان لدي متجر صغير، استثمرت فيه بعضاً من مدخراتي، إذ كنت أبيع فيه بعض الحاجيات الصغيرة للسكان، لكني فقدت كل شيء، ولم يعد لي ما أسد به رمقي، ولا أقدر بعد على شراء الدواء لزوجي غير القادر على العمل، والذي يكلفني أكثر من 300 درهم شهريا”.

ساكنة تبيت في العراء تفكاغت ...حكايات مؤلمة عن قرية مغربية فقدت ثلثي ساكنتها في الزلزال
يبيت معظم السكان ليلتهم في العراء مستعينين بالمساعدات التي وصلت إليهم من القرى المجاورة (الجزيرة)

في حين تحكي السيدة نعيمة: “توفيت بنتاي وأم زوجي، وأصيب زوجي، وبنتي باتت مقعدة بسبب إصابة خطيرة في رجلها”.

وتضيف وهي تغالب دموعها: “بعد حدوث الزلزال سقطت حجارة البيت، وتملكني خوف كبير، لكني لم أهدأ، لقد تمكنت من إنقاذ زوجي واثنتين من بناتي”.

وختمت حديثها قائلة: “في كل مرة تظهر سيارة لأحد المحسنين من بعيد، تقف على مشارف القرية، ويكمل من فيها السير على أرجلهم، يضعون بعض ما جادوا به من مؤن، ثم يسمعون قصصا مؤلمة، سيرويها جيل بعد جيل، ثم يرحلون”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *