القدس المحتلة- لم يتفاجأ المقدسي صالح ذياب -الذي ولد قبل أكثر من 5 عقود في حي الشيخ جرّاح- بقرار محكمة الصلح الإسرائيلية القاضي بإجلائه من منزله الذي وُلد وترعرع وتزوج وكوّن أسرته فيه، لأن الكيان الإسرائيلي قام وأنشأ دولته على القتل والسلب والنهب منذ عام 1948، وفق تعبيره.
ورغم أن أطماع المستوطنين في “كرم الجاعوني” الشق الشرقي من حي الشيخ جراح بالقدس بدأت في أوائل سبعينيات القرن الماضي، فإن المستوطنين قدموا طلبا للمحكمة بإجلاء عائلة ذياب عام 2009 بعد استيلائهم على منزلي عائلتي الغاوي وحنّون المقابلين لمنزلها.
استغرقت المداولات في المحكمة سنوات طويلة، ووصل لذياب اليوم أول قرار قضائي يقضي بإجلائه من منزله وإمهاله حتى تاريخ 15 يوليو/تموز المقبل لتنفيذ القرار مع إمكانية الاعتراض عليه خلال 60 يوما.
وجود تاريخي
الجزيرة نت سألت صالح ذياب عن تاريخ وجود عائلته في هذا الموقع، فقال إن والدته كانت تسكن في منزل قريب من منزل العائلة منذ عام 1947، ثم انتقلت إلى المنزل الحالي في خمسينيات القرن الماضي.
“تنحدر عائلتنا من مدينة يافا وهُجّرت منها خلال نكبة عام 1948، وقررت الحكومة الأردنية بالتعاون مع أونروا توطيننا بالقدس في الخمسينيات مقابل تخلينا عن حقوقنا كلاجئين، لكن المستوطنين طمعوا في هذا المكان الإستراتيجي ويحاربون وجودنا فيه منذ عقود” أضاف ذياب.
ورغم أن المحكمة الإسرائيلية العليا أصدرت قرارا في الأول من مارس/آذار عام 2022 يقضي بشكل نهائي بإلغاء طرد 4 عائلات في منطقة كرم الجاعوني بالشيخ جراح، ووصف محامو العائلات حينها القرار بـ”النوعي والمهم وغير المسبوق”، إلا إن محكمة الصلح الإسرائيلية اليوم تصدر قرارا جديدا بالإخلاء رغم بتّ العليا في القضية.
القاضي مستوطن
وعن هذا قال ذياب إن الكثير من قضاة محكمة الصلح تجنبوا إصدار قرار بملف إخلاء منزله بسبب وجود قرار سابق من العليا، لكن القاضي الذي أصدره هو مستوطن متطرف، “وداخل المحكمة قال القاضي لمحامي المستوطنين إن هناك قرارا من العليا يقضي بعدم الإخلاء، فردّ عليه الأخير بأنه يريد ردّا مباشرا فأصدر القاضي قرارا ضدي (ذياب)”.
يرى ذياب أن قرار المحكمة يندرج في إطار الانتقام منه كونه ناشطا في الدفاع عن عقارات الحي، وفي تنظيم وقفات أسبوعية ضد أوامر الإخلاء، وأشار إلى أن المستوطنين قادوا حملة تحريض ضده في بداية الحرب أدت إلى فصله من عمله، وأضيفت هذه الحملة إلى أخرى سابقة شنها المستوطنون ضده صيف عام 2021 عندما اندلعت هبة شعبية في حي الشيخ جراح.
وتسكن عائلة ذياب في 3 منازل يعيش فيها 17 فردا أكثر من نصفهم أطفال، وتعتبر هذه العائلة واحدة من 28 عائلة ممتدة لاجئة تعيش على مساحة 18 دونما في “كرم الجاعوني” بالشيخ جراح ويبلغ عددهم 600 فرد.
قرار “فارغ”
أحد المحامين الموكلين في الدفاع عن عائلات الشيخ جراح بالمحاكم الإسرائيلية حسني أبو حسين استهلّ حديثه للجزيرة نت بوصف القرار بـ”الفارغ” الذي سيُلغى لأن قرار المحكمة العليا الذي صدر لصالح كل من عائلة الكرد وسكافي والقاسم والجاعوني سيسري على بقية العائلات في الحي.
“قالت المحكمة حينها إنه لا يمكن إجلاء العائلات لأنه تم توطينهم هناك بموافقة صاحب السيادة الأردني بمساعدة أونروا، وإن كان للشركات الاستيطانية حقوق فإنها تبخرت وعليهم أن يرفعوا دعاوى تعويض ضد الحكومة الإسرائيلية” أوضح أبو حسين.
وأضاف أن محكمة الصلح يجب أن تلتزم بقرار المحكمة العليا، ولأن قاضيها لم يلتزم به يعتزم محامو عائلة ذياب الآن الاستئناف على القرار الذي ستلغيه المحكمة المركزية الإسرائيلية حتما، وفق المحامي.
قرار العليا ضمّ 96 صفحة واشترك في كتابته 3 قضاة، وهو أمر وصفه حينها المحامي أبو حسين بالأمر “النادر”، مؤكدا أن القرار تحدث حينها عن إلغاء جزئي للإخلاء، والحقيقة أنه لا يتحدث عن تجميد أو توقيف، بل عن إلغاء كامل للإخلاء.
أصدرت محكمة إسرائيلية قرارا يقضي بإخلاء عائلة دياب في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة من منزلها لصالح المستوطنين، والمكون من 3 شقق تؤوي 17 شخصا، في مدة لا تتجاوز منتصف يوليو من العام الجاري، كما أمهلت العائلة إمكانية الاعتراض على القرار خلال 60 يوما من تاريخ صدوره. pic.twitter.com/VO91hAq0hb
— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) April 15, 2024
أصل الحكاية
المحامي سامي ارشيد أحد المكلفين بالدفاع عن العائلات التي تعيش في كرم الجاعوني في حي الشيخ جراح بالقدس، قال في حديث سابق للجزيرة نت إنهم جميعا لاجئون فلسطينيون وقررت الحكومة الأردنية بالتعاون مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) توطينهم بالقدس في خمسينيات القرن الماضي مقابل تخليهم عن حقوقهم كلاجئين.
وتم اختيار 28 عائلة بنيت لها وحدات سكنية في كرم الجاعوني وتعاقدت الأردن مع المواطنين على دفع إيجارات لمدة 3 أعوام لتصبح المنازل بعدها ملكا لهم، وانتهت عقود الإيجار عام 1959، وبات المواطنون يتصرفون تصرف المالك في العقارات.
لكن بعد احتلال القدس عام 1967 وضم شطرها الشرقي للسيطرة الإسرائيلية، فوجئ السكان بلجنتين يهوديتين تتوجهان لدائرة الأراضي عام 1972 وتسجلا ملكيتهما لهذه الأرض.
ولم تُخبر هذه اللجان المواطنين بما أقدمت عليه، وبدأت تطالبهم بإخلاء عقاراتهم بادعاء أنه لا حق لهم في ملكيتها، وهكذا تفرعت عشرات القضايا في المحاكم.
وتطالب شركة “نحلات شمعون” الاستيطانية بشكل خاص السكان بالرحيل، لكنهم حصلوا على قرار من العليا عام 2022 بعد أشهر من رفضهم التسوية التي اقترحتها وتعتبرهم فيها مستأجرين محميين.