القدس المحتلة- على محمل الجد، أخذت إسرائيل تهديدات طهران التي عبّر عنها المرشد الإيراني علي خامنئي، في تغريدة باللغة العبرية نشرها على حسابه في منصة “إكس”، توعد من خلالها إسرائيل بالندم والاستهداف.
وذلك ردا على هجوم إسرائيلي على القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، أسفر عن مقتل 13 شخصا بينهم قادة ومستشارون في الحرس الثوري الإيراني.
وتوعد المرشد الإيراني الأعلى -في تغريدة أخرى- إسرائيل، قائلا إنها “ستتلقى صفعة لاستهدافها القنصلية الإيرانية في دمشق”، مؤكدا أن “إيران سترد على الضربة”.
ومنذ الحرب الإسرائيلية على غزة ومعركة “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، عمد المرشد الإيراني بين الحين والآخر على نشر تغريدات باللغة العبرية، يتوعد من خلالها إسرائيل، ويؤكد دعمه للمقاومة الفلسطينية في الحرب على غزة.
لكن التغريدة التي أعقبت الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، وفقا لتقديرات المحللين الإسرائيليين، تختلف في مضمونها وجوهرها عن التغريدات السابقة للمرشد الإيراني باللغة العبرية، وإن كانت جميعها تتوعد إسرائيل.
سنجعل الصهاينة يندمون على جريمة الاعتداء على القنصلية الإيرانية في دمشق ومثيلاتها، بحول من الله وقوّة.
— الإمام الخامنئي (@ar_khamenei) April 2, 2024
تهديد
من وجهة نظر المحللين الإسرائيليين، فإن تغريدة خامنئي تبدو جدية وأكثر حدة، حيث تحمل في طياتها رسائل مزدوجة للمجتمع والقيادة الإسرائيلية، وتعكس جدية إيران بالرد والانتقام لمقتل قادة الحرس الثوري بالهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق، بينهم القائد الأعلى في الحرس الثوري محمد رضا زاهدي، والقائد محمد هادي حاجي رحيمي.
وبحسب تقديرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فإن الرد الإيراني الانتقامي على اغتيال كبار المسؤولين في دمشق قد يأتي بمحاولة معينة من قبل طهران تنفيذ عملية عسكرية أو استهداف مواقع وأهداف إسرائيلية، في الوقت نفسه، قالت إسرائيل في رسالة إلى مواطنيها إنه “لا يوجد سبب للذعر، ولا يوجد خوف من الانجرار إلى حرب إقليمية”.
وسعى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، إلى طمأنة الجمهور الإسرائيلي في ظل حالة الذعر بسبب تهديدات إيران، قائلا “نحن نأخذ كل تصريح وكل عدو على محمل الجد، ويجب ألا نكون براحة بال، لكن في الوقت نفسه لا يوجد تغيير في توجيهات قيادة الجبهة الداخلية، والتوصية الوحيدة هي أن نكون يقظين”.
السيناريو الأصعب
ووفقا لكل التغريدات والإشارات والتحذيرات التي أرسلتها إيران، يقول المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل، إن “النظام في طهران مصمم على الرد على عملية الاغتيال المنسوبة إلى إسرائيل لكبار أعضاء الحرس الثوري في دمشق، وعلى رأسهم الجنرال حسن مهدوي”.
وتحسبا من الرد الإيراني، يقول المحلل العسكري “تشهد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية درجة عالية من اليقظة وحالة استنفار غير مسبوقة، وتعبئة تامة لسلاح الجو، وإلغاء الإجازات بصفوف الجيش، على خلفية احتمال وقوع هجوم انتقامي”.
واستعرض هرئيل السيناريوهات المحتملة للرد الإيراني، حيث لا يستبعد أن تهاجم طهران العمق الإسرائيلي، وذلك عبر هجوم مباشر بطائرات دون طيار وصواريخ كروز من إيران نفسها، ضد مواقع البنية التحتية في إسرائيل.
وقدّر المحلل العسكري أن “السيناريوهات الأكثر واقعية للتنفيذ تكمن في إطلاق صواريخ على نطاق واسع، من لبنان أو سوريا، عبر حزب الله أو من المليشيات المسلحة الموالية لإيران، أو محاولة لضرب إحدى السفارات الإسرائيلية ومقرات للجاليات اليهودية حول العالم”.
ويقول هرئيل “الأساس المنطقي للرد الإيراني المخطط له، هو تعزز القناعات لدى طهران بأن إسرائيل خططت لاستهداف قادة الحرس الثوري بغية توسيع أبعاد الصراع مع حزب الله وجر إيران إلى تورط أكبر”.
وعليه، يقدر المحلل العسكري أنه “سيكون هناك رد من لبنان، في الزمان والمكان الذي تختاره طهران، لكن السؤال هنا هو مدى قدرة طهران على إعداد عملية عسكرية في وقت قصير، وإمكانية مهاجمة العمق الإسرائيلي في الوقت الحاضر؟”.
الاستعداد الإسرائيلي
وفي قراءة لمعاني ودلالات تغريدة خامنئي وتهديدات إيران، كتب مراسل الشؤون العسكرية والأمن في صحيفة “يديعوت أحرونوت” يوسي يهوشع، مقالا بعنوان “في مواجهة التهديدات الإيرانية، حان وقت اللعب بقوة في الدفاع”، في إشارة لضرورة أن تكون الدفاعات الجوية الإسرائيلية في أعلى جهوزية، كونها ستكون قبالة أول اختبار جدي لحماية الجبهة الداخلية.
ويعتقد مراسل الشؤون العسكرية والأمن، أنه لا يوجد أي مسؤول في إسرائيل يعرف كيف سيكون الانتقام الإيراني، مشيرا إلى أن هناك تقديرات مختلفة في مقر وزارة الأمن الإسرائيلية في تل أبيب، قائلا إنه “يتعين على إسرائيل أن تدافع عن نفسها، وأن تعرف كيف ترد بالطريقة الصحيحة في مواجهة أي عمل انتقامي، عندما يحدث ذلك”.
وقبل استعراض الخيارات وسيناريوهات الرد المتنوعة، لفت يهوشع إلى أن القوات الجوية الإسرائيلية رفعت درجة التأهب إلى الدرجة القصوى، وستزيد من منظومة الدفاع الجوي، ولكن ينبغي توضيح أن هناك صعوبة حقيقية في اعتراض المسيّرات المتفجرة، وأنه لا توجد دولة في العالم لديها قدرة مثبتة على القيام بذلك، قائلا “في بعض الأحيان يكون التوقع أعلى من القدرة على الأداء”.
وأشار إلى أن لدى الإيرانيين عدة خيارات للرد، بدءا من الهجوم المباشر على إسرائيل من أراضيها بالصواريخ، مرورا بتفعيل وكلائها في سوريا واليمن والعراق، وصولا إلى تفعيل حزب الله الذي تجنب حتى الآن القيام بذلك تماما، وبالطبع الإضرار والمساس بالمسؤولين الإسرائيليين أو في السفارات الإسرائيلية حول العالم.
قيد الانتظار
الطرح ذاته تبناه المحلل العسكري في الموقع الإلكتروني “واينت” رون بن يشاي، لكنه استبعد أن يؤدي الرد الإيراني إلى حرب إقليمية، قائلا إن “خامنئي الذي غرد بالعبري يريد الانتقام، حتى لا يظهر وكأنه ضعيف وعاجز، ولكن من المرجح أن يكون الإجراء والرد محدودا”.
ومع ذلك، يقول بن يشاي “من الواضح أن عطلة نهاية الأسبوع والأيام المقبلة، هي وقت حساس جدا ومتفجر، وذلك عندما يصادف يوم القدس الإيراني، والجمعة الأخيرة من شهر رمضان”، مشيرا إلى أن الإيرانيين قد يحاولون قتل جنود وقادة في الجيش الإسرائيلي قبالة الحدود الشمالية، وكذلك تنفيذ عمليات مسلحة من الضفة الغربية أو عمليات تسلل من الجولان عند خط وقف إطلاق النار.
ويضيف المحلل العسكري “في الوقت نفسه، يمكن التقدير أن الإيرانيين لم يضعوا بعد الخطوط العريضة لخطة العمل العسكرية والرد، وأنهم يدرسون الخيارات، ومن الممكن أيضا أن نقدر بدرجة كبيرة من اليقين أنهم معنيون بعمل عسكري ورد محدود، لن يؤدي إلى حرب إقليمية، بل سيلحق ضررا كبيرا بالجمهور في إسرائيل ويهين قوات الأمن الإسرائيلية”.