نابلس – بكامل عنفوانه وبصحة جيدة، كان عمر دراغمة حين اعتقله جيش الاحتلال الإسرائيلي من منزله في مدينة طوباس شمال الضفة الغربية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وبالقوة نفسها ظهر عمر أمام محاميه وهيئة المحكمة الإسرائيلية، وأقر لهم بأنه “بصحة جيدة”، وأن كل المؤشرات المحيطة به لم توح مطلقا بأنه سيكون في عداد الشهداء بعد 3 ساعات فقط.
وبعد أسبوعين من اعتقاله، وبالتحديد في 23 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أن الأسير عمر دراغمة (58 عاما) تدهورت حالته الصحية بشكل أدى لاستشهاده.
خبر لم يصدم ذويه ومعارفه وحسب، بل صدم كل الفلسطينيين، ولا سيما المؤسسات الحقوقية وتلك التي تُعنى بشؤون الأسرى، التي أكدت أن الاحتلال يرتكب “جرائم قتل” ضد الأسرى، ودللت على صحة أقوالها بشهادات للأسرى أنفسهم، خاصة المفرج عنهم والمحامين.
عنف غير مسبوق
استخدام العنف بدأ من لحظة اعتقال الشيخ عمر دراغمة القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ونجله حمزة في 9 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، حيث اعتدى عليه الجنود بالضرب والدفع بقوة في منزله وأمام عائلته، واقتادوه مكبلا ومعصوب العينين إلى آلية الاعتقال، وسط مشهد من التعنيف لم يعشه في اعتقالاته السابقة.
يقول نمر دراغمة نجل الشهيد عمر للجزيرة نت، “اقتحم الاحتلال منزلنا مرتين خلال 4 أيام وخلع الباب وأجرى عملية تفتيش، واعتقل والدي وشقيقي ونقلهما إلى سجن مجدو مباشرة دون تحقيق، ودلّ تحويله للاعتقال الإداري على أنه تعرض لتعذيب شديد أدى لموته، وإن ادعاء الاحتلال -وفق المحامي- بأنه أصيب بنزيف بالمعدة أكد الشكوك بحجم الضغط والضرب الذي وقع على والدي”.
وعمر دراغمة واحد من أكثر من 1350 أسيرا فلسطينيا اعتقلتهم إسرائيل منذ بدء “طوفان الأقصى” فقط، معظمهم من قيادات وكوادر حركة حماس، وكلهم، وفق هيئة شؤون الأسرى، تعرضوا للتعذيب والتنكيل، وهو ما يعكس توجها إسرائيليا لقتل الأسرى.
وما حذَّرت منه تلك المؤسسات عاشته عائلة الأسير عرفات حمدان من قرية بيت سيرا قرب مدينة رام الله، التي استشهد نجلها الثلاثاء بعد يومين من اعتقاله، ما يؤكد لا مبالاة الاحتلال بالأسرى واستمراره بتعذيبهم حتى الموت.
كان عرفات (25 عاما) بصحة جيدة -أيضا- عند اعتقاله، ورغم إصابته بمرض السكري -الذي كان يعرف به جنود الاحتلال حسب قول قريبه حامد حمدان للجزيرة نت-، فإنه لم يعانِ أي أمراض ثانية، وأضاف أن ما تعرض له عرفات هو “قتل متعمد ناجم عن حقد مع سبق الإصرار، ولا أستبعد أن يكونوا قد خنقوه بفعل الضغط والحشر داخل السجون والزنازين”.
اعتقل عرفات بشكل وحشي مع 18 أسيرا من القرية نفسها، من بينهم 6 أطفال، وتعرضوا للضرب المبرح، وضرب الجنود والده -كذلك- وقيدوه وغطوا رأسه بكيس.
“اغتيال ممنهج”
هذه الشكوك بالقتل العمد أكدتها مؤسسات الأسرى، وقالت، إن الاحتلال “بدأ بتنفيذ عمليات اغتيال ممنهجة بحق الأسرى عن سبق إصرار وانتقام على أثر الحرب بغزة”، وحمَّلت تلك المؤسسات إسرائيل كامل المسؤولية عن حياة الأسرى، واستهجنت “الصمت المريب” لمنظمة الصليب الأحمر الدولي حيال موقفها ودورها تجاه الأسرى.
وشرعت قوات الاحتلال ومنذ إعلان الحرب على غزة بحرب أخرى على الأسرى عبر قطع الماء والكهرباء ومصادرة أدواتهم الكهربائية، ومنعتهم من الخروج للفورة (ساحة السجن)، وأغلقت المطبخ ودكان السجن، وحددت كميات الطعام بوجبتين فقط يوميا، ومنعت العلاج وقطعت الاتصال معهم ومنعت المحامين من زيارتهم، وكدَّست أعدادهم (10 أشخاص في الغرفة الواحدة بدلا من 5)، وغير ذلك من الإجراءات الانتقامية.
وهو ما أكده الأسير صلاح صلاح من قرية برقة شمال نابلس، الذي أفرج عنه الثلاثاء من سجن جلبوع الإسرائيلي، بقوله للجزيرة نت، “صادروا فراش النوم ونمنا على الأرض، وحشدوا وحدات قمع السجون لا سيما (نحشون) واليماز”، وضربونا بعنف وبشكل يومي”، وأضاف “أجلسونا أرضا ودعسوا فوق رؤوسنا وهم يرددون أن هذا من أجل مقاتليهم الجنود في غزة، وأننا أسرى لا يجب أن نعيش”.
ولم يخفِ صلاح انتقام الاحتلال من أسرى حماس خاصة، وقال، “ضربوا الكبار وحاولوا قهرهم عبر خلع ملابسهم وإدخالهم عراة إلى أقسام الأسرى الأشبال بسجن مجدو”، وتابع “أسرى حماس كانت معاملتهم أسوأ، وتعرضوا لضغوط كبيرة، وسمعت أصوات الصراخ بين الأقسام رغم الجدران السميكة، ورأيت الدماء تسيل أرضا وأسنانا مكسرة وملقاه بالممرات، وغابت ملامح وجوه بعض الأسرى”.
حملات انتقامية
هذا الانتقام أكدته حماس، وقالت، إنه بدأ بتصعيد الاعتقال ومضاعفة أعداد الأسرى من الحركة منذ اليوم الأول من “طوفان الأقصى”، وقالت، إن هذه الاعتقالات استهدفت الصغار والكبار والكوادر والقادة في حماس، واستهدفت المرضى -أيضا- كالأسير المقعد عدنان حمارشة.
ووصف القيادي بحركة حماس حسين أبو كويك، بأن هذه الاعتقالات “انتقامية”، وأشار إلى أن دلالة ذلك تكمن في طريقة الاعتقال وهمجيتها، والاعتداء على المعتقلين، وأن بعض المستهدفين لم يعتقلوا منذ سنوات طويلة، كما اُعتقل أبناء وأقارب الأسرى وسيلة للضغط عليهم لتسليم أنفسهم.
وذكر حسين أن هذه الاعتقالات لم يجر مثلها من قبل كما ونوعا، وحتى في الإجراءات الإرهابية الاحتلالية الهادفة “للتعذيب والقتل”، التي يبعث عبرها الاحتلال رسائل للإسرائيليين، تؤكد أنه ينتقم من حماس التي آلمته في غزة.
وتكمن خطورة الاعتقالات الأخيرة برأي الخبير بشؤون الأسرى فؤاد الخفش أنه -وباعتراف الأسرى أنفسهم- لم يسبق لها مثيل، سواء بطريقة الاعتقال أو بما بعدها من تحقيق وقمع داخل السجون وصل حد الموت، والتقاط الجنود صورا مع المعتقلين وهم بحالة ضعف لطمأنة الإسرائيليين، والتخفيف من الأثر النفسي الذي حلّ بهم بعد عملية “طوفان الأقصى”.
كما أنها حملة “انتقامية” حسب وصف فؤاد للجزيرة نت، تختلف بشراستها وباستهدافها أسرى قدامى لم يعتقلوا منذ 15 أو 20 عاما، فضلا عن أن الجنود أخذوا “الضوء الأخضر بالكامل” لفعل ما يريدون، لأنهم في حالة حرب، وأن ما حدث بغزة تهديد وجودي لهم، ومن ثم لن يُحاسبوا على أي عمل يفعلونه من قتل وتنكيل كما هو متوقع.
وأضاف فؤاد “الاحتلال يقتل ويذبح والانتقام يملأ جنبات قلبه، وهو محمّل بصورة ذهنية حاقدة لرؤيته جنوده الذين سُحلوا وضُربوا وأُسروا بغزة”.
وباستشهاد المعتقلَين عمر دراغمة وعرفات حمدان، يرتفع عدد الشهداء الأسرى منذ 1967 إلى 238، بينهم 11 شهيدا يحتجز الاحتلال جثامينهم، كما ارتفع عدد الأسرى منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إلى أكثر من 6000 أسير.