تصريحات قائد الفرقة 98 تعكس عمق الأزمات الداخلية الإسرائيلية

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

القدس المحتلة- عكست العاصفة التي شهدتها الحلبة السياسية الإسرائيلية -عقب التصريحات الاستثنائية لقائد الفرقة 98 بالجيش الإسرائيلي المقدم دان غولدفوس- حقيقة الوقائع الميدانية بالحرب على غزة، وتباين المواقف بين المستويين السياسي والعسكري بكل ما يتعلق بقضية “اليوم التالي للحرب”.

وسبقت تصريحات غولدفوس أزمة تجنيد اليهود الحريديم، التي طفت على السطح مجددا بعد مناقشات الحكومة تمديد الخدمة العسكرية الإلزامية وفترة خدمة الاحتياط، بغية سد حاجة الجيش لمزيد من القوات للقتال على جبهتي غزة ولبنان، وهي الأزمة التي تشكل تهديدا لاستقرار حكومة بنيامين نتنياهو.

وحذر نتنياهو وزيره للدفاع يوآف غالانت بأنه يعرض استقرار الحكومة للخطر، وذلك في حال لم يعرض مشروع قرار إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية على الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء الأحد.

الفرقة 98 بالجيش الإسرائيلي بقيادة غولدفوس أوكلت لها مهام تفجير مداخل الأنفاق بخان يونس (الصحافة الإسرائيلية)

توبيخ واعتذار

دعا غولدفوس في تصريحاته القادة السياسيين إلى أن يكونوا “جديرين بالتضحيات التي أظهرها الجنود” وهو ما تضمن تعبيراً عن انشغال إسرائيل بالأزمات الداخلية وعمق الشرخ المجتمعي فيها، في ظل غياب تقدم حقيقي في تحقيق أي إنجازات إستراتيجية، سواء المعارك البرية في القطاع أو حول طاولة المفاوضات بشأن صفقة التبادل واستعادة المحتجزين.

وفي ظل ما تحمله هذه التصريحات من حقائق، اكتفى رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي بتوبيخ المقدم غولدفوس، دون اتخاذ أي إجراءات تأديب ضده، وسوغ هاليفي ذلك بالقول إن “تصرف قائد الفرقة أتى خلافا لما كان متوقعا منه، حيث استغل الثقة الممنوحة له بطريقة أضرت بمكانة الجيش، وبالحدود التي تحكم العلاقات بين الرتب السياسية والعسكرية” في إسرائيل.

وإلى جانب ذلك، قال رئيس الأركان لغولدفوس إنه يقدر “احترافيته ومساهمته العميقة في الجيش، وبالتأكيد خلال الحرب على غزة، لكن هذا لا يسمح له بالتصرف بالطريقة التي تصرف بها” بينما تقبل غولدفوس الملاحظات والتوبيخ، وأشار إلى أن “طريقة تصرفه كانت خاطئة، ومخالفة للأوامر” واعتذر عنها.

وبصرف النظر عن الانتقادات والإجراءات التأديبية، حصل غولدفوس على دعم أطراف مختلفة في النظام السياسي من كلا الطرفين، الائتلاف الحكومي والمعارضة، بما في ذلك عضو الكنيست عن الليكود إيلي دلال، ووزير المالية ورئيس تحالف “الصهيونية الدينية” بتسلئيل سموتريتش، وعضو الكنيست عن “هناك مستقبل” إليعازر شتيرن، وعضو الكنيست السابق من حزب “ميرتس” يائير غولان.

أجندة اليمين

وفي قراءة لمعاني ودلالات تصريحات قائد الفرقة 98، والملاحظات والتوبيخ الصادر عن رئيس الأركان، يقول المحلل العسكري بصحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل إن “كلمات غولدفوس التي دعا من خلالها إلى الوحدة بين الشعب، والتأكيد على أن الجيش الإسرائيلي لن يتهرب من المسؤولية، بدا وكأنه يعني ضمنيا أن المستوى السياسي سوف يتهرب من المسؤولية”.

وعزا المحلل العسكري عدم اتخاذ إجراءات تأديبية صارمة بحق غولدفوس، وهو خريج وحدة الكوماندوز البحري، إلى أنه تم تصويره خلال الحرب على غزة على أنه “قائد يحمل سكينا بين أسنانه، ويقود بعناد وإصرار عملية كشف الأنفاق تحت خان يونس”.

وأشار إلى أن إعجاب اليمين المتطرف بما يقوم به غولدفوس في القطاع، والترحيب برسائل الوحدة بالمجتمع الإسرائيلي التي حملتها تصريحاته، تخدم أجندة رواية اليمين بشأن سير الحرب، وتحجب الانتقادات بكل ما يتعلق بإخفاقات وفشل حكومة نتنياهو في تحقيق أهداف الحرب المعلنة.

وأوضح المحلل العسكري أن “التصريحات حظيت بردود فعل إيجابية ومتحمسة حتى في الصحافة الإسرائيلية، وهو ما يعكس الشرخ المجتمعي وتباين المواقف سياسيا وعسكريا بشأن سير الحرب، وهذا نمط إشكالي يشجعه الإعلام الذي يقع في فخ الشعبوية”.

ويضيف “ومع ذلك، فمن المناسب لليمين المتطرف ترويج أن الفشل الذريع والإخفاق في منع الهجوم المفاجئ في السابع من أكتوبر/تشرين الأول هو خطأ القيادة العليا بالجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك) مقابل إنجازات قادة الفرق التي قادت احتلال شمال القطاع ووسطه، وخصوصا أن بعضهم يأتي من خلفية دينية، في تأكيد على التناقضات بين المجموعتين”.

يقول أيضا “يبدو أنه في ظل فوضى الحرب، يجد رئيس الأركان صعوبة في السيطرة على كل ما يتم تحت قيادته، وبعد مرور أكثر من 5 أشهر على القتال، لا يزال الجيش في حالة دوران، ووسائل الإعلام كثيرا ما تخرج للدفاع عنه، لأن كل شيء يقاس بمنظار نعم أو لا لنتنياهو”.

الفرقة 98 بالجيش الإسرائيلي التي يقودها المقدم دان غولدفوس، التي وكلت لها مهام القتال وتفجير مداخل الأنفاق في خان يونس. المصدر: تصوير مكتب الصحافة الإسرائيلي الحكومي الذي عممها على وسائل الإعلام للاستعمال الحر.
كاتب إسرائيلي: تصريحات غولدفوس صرخة تشهد شدة الإحباط وعمق القلق لدى الجنود (الصحافة الإسرائيلية)

“صرخة محارب”

تحت عنوان “صرخة غولدفوس” استعرض الكاتب الإسرائيلي آريه شابيت -في مقال له بصحيفة “مكور ريشون”- عمق الأزمة بين المستوى العسكري والحكومة، قائلا “على كبار الضباط أن يلتزموا الهدوء، وأن يديروا القتال، وأن يستعدوا للحرب، وأن يعيدوا بناء الجيش، ولكن على القادة السياسية أن يستيقظوا”.

ويقول أيضا “لذلك، لا ينبغي النظر إلى كلام قائد الفرقة 98 على أنه خطاب تحد لضابط، بل صرخة مؤلمة لمحارب تشهد على شدة الإحباط وعمق القلق لدى الجنود من سير الحرب والتجنيد وتمديد الخدمة العسكرية، حيث لم يعد من الممكن تحمل الطريقة التي يعمل بها النظام السياسي” في إسرائيل.

وبحسب الكاتب الإسرائيلي فإن أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول “كشفت عن حقيقتين متناقضتين، من ناحية البطولة وتضحية المقاتلين والمقاتلات الذين يفعلون كل شيء من أجل الحفاظ على وطن الشعب اليهودي، ومن ناحية أخرى الفشل والإخفاق وعدم كفاءة السياسيين الذين يواصلون طريقهم ويعرضون الوطن للخطر”.

وحذر من مغبة أن يفضي هذا الشرخ والتناقضات إلى تمرد مدني وعسكري، داعيا القيادات السياسية للترفع عن الخلافات والسعي لوحدة المجتمع، قائلا إن “من لا يريد لنا أن نقع في تمرد عسكري كارثي، أو تمرد مدني مدمر خلال الحرب الوجودية، عليه أن يتحمل المسؤولية ويغير الاتجاه”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *