تطوّرت خلافات رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح مع أبناء خليفة حفتر، حتى وصلت إلى حراك “لإزاحته”، رغم ظهورهما معا في افتتاح أحد المشاريع بمدينة بنغازي. غير أن جلسة الاثنين المنقولة على الهواء شهدت نقاشا حادا بين رئيس المجلس وأحد النواب المحسوبين على معسكر اللواء المتقاعد بخصوص قانون إعادة الرئاسة المعطل.
ووفق تقرير خبراء مجلس الأمن الأخير، صرح أحد البرلمانيين من الكتلة المحسوبة على بلقاسم نجل حفتر بأنه “عمل بنشاط على تعزيز نفوذ عائلة حفتر داخل مجلس النواب وحكومة الاستقرار الوطني”.
ويؤكد التقرير نفسه وثيقة وصفها بالسرية من مصدر دبلوماسي، تقول إن “بلقاسم حفتر مارس الضغط من أجل منح مزيد من النفوذ لعائلته على المؤسسات السياسية في الشرق”، فعقب يوم واحد من تكليف رئيس حكومة الاستقرار أسامة حماد لنجل حفتر مديرا تنفيذيا لصندوق إعادة إعمار درنة، طالب عقيلة صالح لجنة الموازنة العامة بعدم المصادقة على صرف أي مبالغ إلا بموافقته.
وفي غياب صالح خلال جولة إقليمية، قادت الكتلة نفسها جلسة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقررت رفض المشاركة في أي حوار بحضور رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، في الوقت الذي خرج فيه صالح من القاهرة ببيان مشترك مع حفتر ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي متبنيا خطابا ينادي بعدم إقصاء أحد.
وفي المقابل، نقل رئيس البعثة الأممية في ليبيا عبد الله باتيلي في إحاطته أمام مجلس الأمن، أن عقيلة صالح يشترط حضور أسامة حمّاد إذا حضر الدبيبة، وفي حين يرى البعض في موقف رئيس البرلمان وكتلة بلقاسم حفتر تبادل أدوار، يراه آخرون صداما على قيادة المجلس، فـ”لا يمكن أن تمضي العملية السياسية دون رضا آل حفتر ذات النفوذ المباشر عليها”، وفق خبراء مجلس الأمن.
#فيديو| رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في جلسة البرلمان اليوم يؤكد أنه لا يحق لمجلس الدولة الاعتراض على القوانين الصادرة عن البرلمان ومنها قانون إنشاء هيئة الحج #الساعة24 #ليبيا pic.twitter.com/KuiitmaGOk
— الساعة 24 (@alsaaa24) January 8, 2024
بداية النشاط
ولعل نشاط كتلة نجل حفتر في البرلمان ظهر مع نهاية 2022، عندما أقالت محافظ المصرف المركزي ببنغازي علي الحبري، وبعدها أوقفت رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان فتحي باشاغا، وولّت مكانه وزير المالية أسامة حماد.
وجرت كلتا الجلستين في غياب عقيلة صالح، الذي صرح لاحقا بأنه غير راض عن إيقاف باشاغا، ثم غاب أيضا عن جلسة استقال فيها نائبه الثاني، وتولى مكانه مصباح دومة الذي بات على رأس الكتلة الجديدة.
وفي صيف 2023، بلغ الصدام ذروته عندما أعلن صالح بطلان مخرجات جلسة عقدت في غيابه بقيادة دومة، وتقرر خلالها إقالة رئيس هيئة الرقابة ورئيس المجلس الوطني للتخطيط وتعيين آخرين مكانهما، بل وتسمية رئيس للمحكمة الدستورية العليا في بنغازي.
إزاحة أم تجديد
الأنباء التي ترددت حول سعي أبناء حفتر لتغيير رئاسة البرلمان منذ 2020، أكدها قبل الجلسة النائب بدر النحيب، في تصريحات تلفزيونية متحدثا عن عريضة حملت توقيعه وتوقيع 85 نائبا آخرين مطالبين بتغيير رئاسة البرلمان المنصبة منذ 2014، الأمر الذي رفضه عقيلة صالح على الهواء مباشرة بحجة أن الطلب يجب أن يُقدم ضمن جدول أعمال جلسة أخرى، وأن الرئاسة لن تعتد بعريضة وقعت خارج القاعة.
والخطوة التي لم ينفها كليا النائب إبراهيم الدرسي، لكنه فسرها بأنها خطوة قانونية معطلة منذ 10 سنوات بحسب اللائحة الداخلية للمجلس التي تنص على دورة برلمانية كل 6 أشهر يعاد فيها انتخاب الرئيس ونائبيه ومقرره ورؤساء اللجان المختصة، مضيفا أن “اللائحة لم تطالب بإزاحة عقلية صالح، بل بإعادة انتخاب الرئاسة”.
وفي حين تحدث النائب بدر النحيب عن مناقشة طلب النواب الموقعين في الجلسة المقبلة، وأنها ستبث على الهواء مباشرة كذلك، أكد النائب إبراهيم الدرسي للجزيرة نت، أنها ستكون جلسة “عادية وبجدول أعمال محدد”، مضيفا أن تغيير الرئاسة أمر صعب الحدوث كونه “يستلزم إجماع نواب برقة بوصف الرئاسة من نصيبها”، مشيرا إلى وجود حسابات مناطقية وقبلية معقدة.
خلاف قديم جديد
في الوقت الذي يصر فيه عدد من النواب على أن الإجراء لا يعدو كونه تفعيلا للائحة الداخلية المعطلة، يصر الناشط الفدرالي عبد الجواد البدين على أن الأمر برمته يأتي ضمن مساعي أبناء حفتر لإزاحة حليفهم السابق عقيلة صالح من منصبه، بسبب خلافات ليست جديدة، محذرا من تأثير ذلك سلبا على المشهد السياسي المعقد أصلا.
خلافات يرجعها المحلل السياسي فرج فركاش، إلى وقت انسحاب قوات حفتر وفشلها في السيطرة على العاصمة، ويقول “رأينا كيف سحب عقيلة صالح البساط من تحت أقدام حفتر، وأفشل مشروع التفويض المزعوم في 2020″، مشيرا إلى إقرار صالح حينها بأن الهجوم على طرابلس كان خطأ.
والخلافات التي بلغت ذروتها في حوار جنيف يفسرها فركاش للجزيرة نت بـ”عرقلة حفتر فوز قائمة عقيلة صالح بالمجلس الرئاسي حينها، وهو ما رد عليه بعرقلته الميزانية التي كانت مقررة لحكومة الوحدة ومنع وصول الأموال إلى حفتر”، مذكرا بإذن صالح لرئيس الحكومة باستخدام ترتيبات مالية خاصة، عوضا عن إقرار الميزانية عبر البرلمان.
وفي محاولات إزاحة عقيلة صالح من رئاسة البرلمان، يرى الكاتب الصحفي عبد الله الكبير، أن نجل حفتر بلقاسم هو من يقف وراءها مع مجموعة من النواب “بسبب عدم خضوع عقيلة المدعوم من القاهرة بشكل كامل لحفتر وأبنائه الساعين للإطاحة به وتكليف شخصية موالية لهم”، وهو ما أكدته مصادر برلمانية للجزيرة نت.
#بنغازي.. باسم الفرجاني ابن عم المشير حفتر يطرد المستشار الإعلامي لفخامة المستشار عقيلة صالح من الصف الأول أثناء افتتاح أحد الجسور. pic.twitter.com/81K01KCQsD
— ليبيا لايف (@libyalive218) January 7, 2024
انعكاسات تغيير عقيلة
وهذا تغيير سيكون له تأثيره في الحوار السياسي كما يوضح الكبير، إذ “لن يكون مجلس النواب مستقلا في مواقفه، بل سيكون الرئيس المنصّب من حفتر خاضعا بشكل تام ونهائي لقراراته ومواقفه” في ما يخص محادثات باتيلي، وقانون الانتخابات أيضا.
ورغم كل المحاولات، يرى مراقبون أن الدعم المصري لعقيلة صالح هو ما يبقيه في منصبه كون القاهرة ترى فيه الضامن لمصالحها في المنطقة، مفسرين ذلك بالتصريحات الداعمة للبرلمان ورئاسته وزيارات رئيس جهاز المخابرات المصرية عباس كامل المتكررة للشرق ولقائه صالح.
ورغم مخاوف الناشط الفدرالي عبد الجواد البدين من إزاحة عقيلة صالح في هذا الوقت بالذات، وسيطرة حفتر الكاملة سياسيا وعسكريا على المشهد في “برقة”، يرى المحلل السياسي فرج فركاش أن الأمر “ربما سيفتح المجال لتقاربات أكثر بين القوى الفاعلة في الشرق والغرب” ما من شأنه دفع قاطرة الحل السياسي خطوة إلى الأمام.