واشنطن- في الوقت الذي حاولت فيه كامالا هاريس نائبة رئيس الولايات المتحدة طمأنة الحلفاء الأوروبيين بالتزام واشنطن بالدفاع عنهم حال تعرضهم لأي غزو روسي في المستقبل خلال مشاركتها في مؤتمر ميونخ للأمن، تزداد الشكوك الداخلية حول قدرتها على قيادة البلاد في ظل استمرار تدهور قدرات الرئيس جو بايدن الذهنية.
وتزايدت المطالب بضرورة الاستعداد بخطة بديلة حال الاضطرار للطرح بمرشح بديل لبايدن لخوض سباق الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
وفي استطلاع للرأي أجرته شبكة “سي إن إن” مؤخرا، قال 25% فقط من الأميركيين إن بايدن لديه القدرة على التحمل للخدمة بفعالية، بينما أظهر استطلاع آخر -أجرته الشبكة الأسبوع الماضي- أن 46% من الديمقراطيين كانوا قلقين بشأن عمر بايدن.
ضعف الثقة
وتشير استطلاعات كثيرة كذلك إلى ضعف الثقة الشعبية في قيادة هاريس حيث تحصل على نسب متدنية تقل كثيرا عن النسب المنخفضة التي يسجلها بايدن خلال الأشهر الأخيرة. ويشكك كثيرون في قدرتها على الوفاء بالتزامات منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إضافة إلى شكوك حول تجربتها وشعبيتها وملاءمتها للعمل في المكتب البيضاوي.
ومنذ يناير/كانون الثاني 2021، أصبحت هاريس أول امرأة تشغل منصب نائب الرئيس في تاريخ الولايات المتحدة، وسبق لها أن قادت البلاد مؤقتا لمدة 90 دقيقة عندما خضع بايدن لفحص طبي روتيني قبل عامين.
وكانت المرشحة الجمهورية للرئاسة نيكي هيلي قد ألقت بالضوء على المخاوف بشأن عمر الرئيس وقدراته العقلية، واستخدمتها نقطة انطلاق للهجمات على نائبته. وقالت “إما أن أكون أنا، أو ستكون هاريس الرئيس القادم”.
وخلال فعالية انتخابية في بلدة أورانجبورغ بولاية كارولينا الجنوبية نهاية الأسبوع الماضي، توقعت هيلي خروج بايدن من السباق، وقالت “رهاني بعد 30 يوما من الآن، لا أعتقد أن بايدن سيكون المرشح، سيكون لديك رئيسة للولايات المتحدة”.
وترى هيلي أن فوز هاريس سيضر بالولايات المتحدة ومصالحها. في حين يدافع كبير موظفي البيت الأبيض جيف زينتس عن هاريس ويقول “إذا فكرت فيما يهم الشعب الأميركي، فهذا ما تفعله نائبة الرئيس بالفعل، وعندما يراها الشعب في العمل كل يوم، يظهر الحماس والطاقة لديها. نحن فقط نحتاج إلى التأكد من أننا نقوم بعمل جيد في تعريف الشعب الأميركي بما تقوم به”.
فشل ذريع
وأشار استطلاع حديث أجرته شبكة “إن بي سي” إلى أن 49% من الناخبين المسجلين لديهم وجهة نظر سلبية عن هاريس، مقارنة بـ 32% فقط لديهم وجهة نظر إيجابية. وتعد هذه النسب وضخامة الفارق بينهما -الذي وصل إلى 17%- الأدنى لنائب الرئيس في تاريخ الاستطلاعات خلال سنة الانتخابات.
وفي الأيام الأولى من حكمه، فوض بايدن نائبته لقيادة جهود الإدارة الأميركية الجديدة في التعامل مع أزمة الهجرة غير النظامية من المكسيك.
وتبنت هاريس إستراتيجية راهنت من خلالها على تحسين الأوضاع الاقتصادية والأمنية في 3 دول بأميركا الوسطى (هندوراس ونيكاراغوا وغواتيمالا) لوضع حد لهجرة الملايين من أبناء هذه الدول إلى الولايات المتحدة، حيث ستقل الرغبة في المخاطرة بالرحلة المحفوفة بالمخاطر سعيا لمستقبل أفضل.
غير أنه -وبعد أكثر من 3 سنوات- تعمقت أزمة الحدود مع تدفق أعداد قياسية من المهاجرين من جميع أنحاء العالم على الحدود الجنوبية، وهو ما يستغله الجمهوريون ضد هاريس وبايدن، ويجعلون الهجرة قضية رئيسية بانتخابات 2024.
وخلال الأيام الماضية، حاولت هاريس تأكيد قدرتها على خلافة بايدن إذا حانت اللحظة. ولم يكن توقيت حوار طويل لها مع صحيفة “وول ستريت جورنال” قبل أيام، من قبيل المصادفة، خاصة مع تزامن ذلك مع صدور تقرير المحقق المستقل في قضية احتفاظ بايدن بوثائق سرية حيث أشارت النتائج إلى ضعف ذاكرة بايدن وتدهور قدراته الذهنية.
ويدرك الأميركيون أن التصويت لبايدن بانتخابات هذا العام يعني أيضا تصويتا لاحتمال أن تخلفه هاريس في وقت ما من ولايته الثانية، إن لم يكن مبكرا عن ذلك، مع توقعات أن الرئيس لن يقضي فترة ولايته الثانية حتى سن 86.
توقعات
وقالت هاريس لـ “وول ستريت جورنال” إنها مستعدة لتحمل المسؤولية “ليس هناك شك في ذلك. إن كل من يراني أثناء أداء مهامي الوظيفية، يدرك تماما قدرتي على قيادة البلاد”. إلا أن أغلب الأميركيين لا يوافقون ذلك طبقا لنتائج كل استطلاعات الرأي المحايدة.
وقد لا يضطر الديمقراطيون لترشيح هاريس إذا تنحى الرئيس أو تدهورت حالته الصحية والذهنية بصورة كبيرة. وتثير توقعات في العاصمة أن انخفاض نسب شعبية هاريس كفيل بمنح الفرصة لمرشحين آخرين من بينهم غريتشن ويتمر حاكمة ولاية ميشيغان أو غافن نيوسوم حاكم كاليفورنيا.
من ناحية أخرى، لن يتمكن الديمقراطيون أيضا من الهروب من عبء نائبة الرئيس، حتى لو بقي بايدن في السباق. ومن المؤكد أن الجمهوريين سيجعلون من ضعف هاريس قضية مركزية، ويجب عليهم ذلك لأن هناك احتمالات كبيرة بأن بايدن لن يقضي فترة ولايته حتى سن 86.
ويعتقد بعض الجمهوريين أن اختيار بايدن لهاريس –رغم أن الأمر ربما كان غير مقصود- كان الخطوة الإستراتيجية الأكثر ذكاء في حياته السياسية الطويلة، معتبرين أن خوف الديمقراطيين من “كارثة” هاريس للرئاسة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل يعني أن لا أحد سيجبر بايدن على التنحي إذا لم يرغب في ذلك.