تدمير سوريا وتفتيتها هدف إسرائيلي صريح

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

لم تكتف إسرائيل باستغلال سقوط النظام في سوريا بفرض سيطرتها على المنطقة العازلة القائمة بموجب اتفاقيات وقف النار بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول في هضبة الجولان، بل سعت إلى توسيع وجودها في منطقة عازلة كبرى تصل إلى حدود الأردن. ولم تقصر الأمر على مجرد وجود وإعلان أنه مؤقت إلى أن تستقر أوضاع سوريا لكنها صارت تعلن أن احتلالها لبعض المناطق سيبقى دائما.

والأدهى أنها صارت تتطلع إلى إنشاء نوع من الإدارة المدنية العسكرية في مناطق احتلالها الجديدة وتنظيم حياة الناس فيها بربطهم باقتصادها من خلال فتح آفاق تشغيل. وتفاقمت الرؤية الإسرائيلية لهذا الاحتلال من خلال اللعب على التنوع الطائفي بالجنوب السوري وخصوصا ادعاء حماية الدروز في السويداء وقراها.

وما كان كل ذلك ليحدث قبل أن تدمير إسرائيل القدرات العسكرية للجيش السوري بتدمير المطارات والطائرات والموانئ والسفن الحربية والمخازن الإستراتيجية ومراكز الأبحاث والعلوم. وكانت تعتقد أن كل ذلك يمكن أن يمر من دون ردود فعل سورية مناسبة ارتكازا إلى واقع انكباب السوريين على إعادة ترتيب أوضاعهم والنهج الذي أعلنوه بعدم الرغبة في التصادم مع القوى المحيطة.

ولكن عنفوان الشعب السوري وتاريخه والتصاقه بوطنه ومعرفته لعدوه لم تترك لإسرائيل فرصة. فقد انطلقت مظاهرات في أغلب المناطق المحتلة حديثا وبدأت الأصوات بالارتفاع مطالبة بتنظيم مقاومة لطرد “العدو” بل واستلهام تجربة قطاع غزة وجنوب لبنان. وهذا ما جرى تحديدا في مظاهرات جابت العاصمة السورية مطالبة بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي للجنوب ومحاولته تقسيم الوطن.

وبعد الغارات الأخيرة خرجت مظاهرات ليلية في مدينة دمشق عقب الغارات الجوية الإسرائيلية على الجنوب، حيث ندد العشرات من الشبان بالعدوان، وجابت المظاهرات المزة وصولاً إلى ساحة الأمويين وسط العاصمة.

حماية وإحباط

وبالطبع لا يروق هذا لإسرائيل حيث أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يوم الأحد الفائت، خلال حفل تخريج دورة ضباط قتاليين، أن قوات الجيش ستبقى في عدة مواقع بلبنان وسوريا، وأكد “نطالب بإخلاء جنوب سوريا من قوات النظام الجديد بشكل كامل”. وأضاف “كما أننا لن نتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية جنوب سوريا”.

وأضاف نتنياهو أن “قوات الجيش الإسرائيلي في سوريا ستبقى في منطقة جبل الشيخ وفي المنطقة العازلة لفترة زمنية غير محدودة، لحماية بلداتنا وإحباط أي تهديد. ولن نسمح لقوات تنظيم هيئة تحرير الشام أو الجيش السوري الجديد بالدخول إلى منطقة جنوب دمشق”.

نتنياهو: قوات إسرائيل ستبقى في لبنان وسوريا (الفرنسية)

كما شرح معلقون إسرائيليون معنى كلام نتنياهو بوضوح فقالوا إنه يقصد بشكل صريح أنه يطالب بتجريد منطقة الجولان حتى الحدود مع الأردن في الجنوب ومن الشرق حتى المعبر إلى منطقة السويداء المعروفة كجبل الدروز. وفي هذه المنطقة يطالب نتنياهو بألا توجد هيئة تحرير الشام المسيطرة الآن في سوريا، وأساسا ألا يوجد أيضا الجيش السوري الجديد الذي هو تحالف منظمات إسلامية مسلحة انضمت لهيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع.

وقد أطلقت إسرائيل الأيام الأخيرة سلسلة غارات جوية على دمشق ودرعا واستعراض عضلات جوية في السويداء وتوغلات برية جنوب سوريا، بتركيز على محافظتي القنيطرة ودرعا، بهدف معلن وهو منع تحول المنطقة إلى جبهة مقاومة جديدة. وشملت هذه الغارات والتوغلات تدمير ثكنات مهجورة وسرقة آليات ثقيلة، مع تأكيدات بأن الهدف هو إنهاء الوجود المسلح بالجنوب السوري.

التهديدات

وكانت الصحف الإسرائيلية أشارت إلى أن الجيش نفذ عشرات الغارات في المنطقة العازلة السورية، مما أدى إلى اكتشاف وتدمير أسلحة، بما في ذلك مخبأ كبير من البنادق والذخيرة التي تم اكتشافها خلال العمليات الليلية. وأضافت أن القوات تنتشر في نقاط إستراتيجية بالمنطقة، مما يسمح لها بالرد بسرعة على التهديدات المحتملة.

وأعلن وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن الغاية من هذه الهجمات “منع تحوّل الجنوب السوري إلى نسخة من جنوب لبنان” وحذر من أنّ أي محاولة من الجيش السوري أو “التنظيمات الإرهابية” للتمركز في “المنطقة الآمنة” سيواجه بردّ عسكري.

وأضاف أن “كل محاولة للجيش السوري الجديد لبناء قدرات عسكرية في الجنوب ستقابل بالنار. لن يسمح الجيش الإسرائيلي لقوات معادية بالتمركز والوجود في المنطقة الأمنية جنوب سوريا، من هنا وحتى دمشق، وسنعمل ضد أي تهديد”.

Israeli Intelligence and Transportation Minister Israel Katz poses for a portrait following an interview with Reuters in New York, U.S., April 27, 2018. REUTERS/Lucas Jackson
كاتس: الهجمات تمنع تحول جنوب سوريا إلى نسخة من جنوب لبنان (رويترز)

وأضاف كاتس “سنعمل على تعزيز العلاقات مع السكان الصديقين في المنطقة، مع التركيز على السكان الدروز الذين هم سكان أشقاء لإخواننا الدروز الذين يقاتلون إلى جانبنا في دولة إسرائيل”. وخلص إلى أن “الجيش الإسرائيلي سيبقى على قمة جبل الشيخ وفي المنطقة العازلة لفترة غير محدودة لضمان أمن مستوطنات الجولان والشمال وجميع سكان دولة إسرائيل”.

وتشير التلميحات الإسرائيلية -على لساني نتنياهو وكاتس- إلى خطة إسرائيلية قديمة أعلنت بعد حرب 1967 وترمي إلى إنشاء دويلة درزية في المنطقة بين دمشق والحدود الفلسطينية في ما يسمى محور دمشق السويداء. إذ قال كاتس حول هذه المنطقة “سنعزز العلاقات مع السكان الودودين في المنطقة، من أجل علاقات حسن الجوار، مع التركيز على السكان الدروز الكبار. وسيبقى الجيش الإسرائيلي على قمة جبل الشيخ وفي المنطقة العازلة لفترة غير محدودة لضمان أمن مستوطنات هضبة الجولان والشمال وجميع سكان دولة إسرائيل”. ونشرت صحية معاريف الإسرائيلية تقريرا يفيد بأن إسرائيل تدعم “وربما تدفع نحو التحرك نحو الحكم الذاتي للدروز، والذي من شأنه أن يشكل حاجزاً بين سوريا الكبرى والحدود الإسرائيلية. وفي وسائل التواصل الاجتماعي الدرزية في سوريا، يدور الحديث عن نية أن يوفر الجيش الإسرائيلي المظلة الأمنية ويكون القوة العسكرية بالمنطقة، في حين يتولى الدروز إدارة الأنشطة البلدية اليومية”.

العمال الدروز

وأشارت “معاريف” أيضا إلى أن هذا ما أثار الحديث عن “فتح الحدود للسماح بحركة العمال الدروز من سوريا إلى الجولان. وظاهريًا، يشير الاتفاق إلى أن جميع الأطراف تستفيد من هذه الخطوة. أولاً: ستستفيد إسرائيل من الأمن. ثانياً: يعتبر السوريون من أفضل عمال البناء في الشرق الأوسط، ولديهم أيضاً معرفة وقدرة جيدة كعمال الأراضي والمزارعين. والراتب الأساسي في السويداء هو 300 دولار شهريًا. وسوف يسمح فتح الحدود بتشغيل العمال الدروز السوريين بتكاليف أقل من تلك التي تدفع حاليا في إسرائيل للعمال من تايلند والصين والهند”.

epa03929752 A Palestinian construction worker at a building site in the Jewish settlement of Ramt Shlomo, near the Arab neighborhood of Beit Hanina, East Jerusalem, 30 October 2013. Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu and the Minister of Interior, Gideon Saar, reportedly approved the construction of new 1,500 housing units in Ramat Shlomo. The announcement followed the release of 26 Palestinian prisoners as part of a prisoner exchange with Israel brokered in July 2013. EPA/Abir Sultan
إسرائيل تبحث عن عمالة درزية سورية تحل محل التايلنديين والهنود (الأوروبية)

وحاول المعلق العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية رون بن يشاي تفسير ما يجري في جنوب سوريا، فكتب أن 7 أكتوبر/تشرين الأول قاد إسرائيل إلى وضع خطة تشمل 3 منظومات دفاع على حدود كل من غزة ولبنان وسوريا: استحكامات وعوائق داخل إسرائيل، منظومة دفاع متقدمة داخل أراضي العدو ومطالبة بنزع السلاح من المناطق الحدودية المجاورة لها. وهذا هو المعنى الحقيقي لمطالبة نتنياهو بتجريد منطقة جنوبي دمشق من السلاح. واعتبر أن منظومة الدفاع الإسرائيلية الجديدة في سوريا “تتشكل أساسا من استحكامات رصد، تقام على أراضٍ مسيطرة ودوريات، لكن بخلاف جنوب لبنان، توجد للجيش الإسرائيلي علاقات مع السكان (جنوب سوريا) وللوجود في قمة جبل الشيخ السوري، توجد أيضا قيمة استخبارية وعملياتية هامة”.

وردا على تصريحات وتلميحات نتنياهو وكاتس نظمت في العديد من مناطق جنوب سوريا مظاهرات واحتجاجات تستنكر هذه التهديدات بالسيطرة على مناطق جنوب سوريا، ونزع السلاح منها، ومنع وجود القوات السورية فيها.

وتركزت المظاهرات في مناطق القنيطرة وبصرى الشام، في ريف درعا وساحة التظاهر في السويداء، وردد المشاركون فيها هتافات تهاجم نتنياهو وإسرائيل، وتطالب بالانسحاب من الجولان المحتل. ورفض المشاركون تصريحات نتنياهو بشأن تقديم الدعم للطائفة الدرزية، معلنين أن الدروز مكون أساسي من المجتمع السوري، وطالب مشاركون من حراك السويداء الشعبي مشيخة الطائفة الدرزية بالرد على تصريحات نتنياهو بشأن تقديم الحماية لهم.

صور من التجمع الذي نظمه أهالي درعا في ساحة ١٨ آذار تنديدا بالتصريحات الإسرائيلية
تجمع لأهالي درعا في ساحة 18 آذار تنديدا بالتصريحات الإسرائيلية (مواقع التواصل)

ومعروف أن إسرائيل خلافا لمعظم دول العالم لم تتقبل الإدارة السورية ولا سعي السوريين لترتيب أوضاعهم بأنفسهم. وعمدت منذ اللحظة الأولى لاستغلال الوضع وإعلان رفضها للقيادة السورية الجديدة بدعوى أنها إرهابية. ورغم ذلك نظمت القيادة السورية الجديدة لقاءات مع كل أطياف المجتمع السوري، وفق قاعدة أن سوريا وطن للجميع وأنها لن تقبل القسمة أبدا. كما أن مؤتمر الحوار الوطني الذي اختتم أعماله أمس ركز على مبادئ حماية الأقليات ورفض التقسيم أو الفدرالية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *