طهران- في الساعات الأولى من صباح اليوم الجمعة، أعلن التلفزيون الإيراني أن منظومات الدفاع الجوي تصدت لمُسيّرات انتحارية في أجواء محافظة أصفهان الواقعة في قلب إيران ومدينة تبريز شمال غربي البلاد.
وبعد ساعات من هذه العملية، تغيب الرواية الرسمية الإسرائيلية وحتى الأميركية، بينما أكدت طهران، منذ الساعات الأولى، أن العملية عبارة عن مُسيّرات انتحارية صغيرة وأنها تصدت لها كلها وأنها لم تصب أي هدف في الأراضي الإيرانية.
وأكد الإعلام الإيراني سلامة منشآت البلاد النووية، حيث يقع مفاعل نطنز النووي في مدينة أصفهان.
ومن جهة أخرى، ثمة أنباء غير رسمية تتحدث عن إطلاق صواريخ، حيث نقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الجيش شن غارة جوية داخل إيران ردا على هجومها بالصواريخ والمُسيّرات على إسرائيل. بينما تقول إيران إن دوي الانفجارات الذي سُمع بأصفهان نتيجة اعتراض دفاعها الجوي المُسيّرات.
رد محدود
بنبرة من الحذر، قال المحلل السياسي علي موسوي خلخالي إنه في حال كانت إسرائيل خلف هذه العملية -كما يقول الإعلام الغربي فعلا- وفي حال كانت العملية بهذا الحجم الصغير كما تقول إيران، فيمكن القول إن إسرائيل لا تريد توسع نطاق المواجهة مع طهران، بل ردا محدودا تُنهي به مرحلة الردود.
في السياق، تحدث خلخالي للجزيرة نت عن سيناريو تمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الحصول على امتيازات وتنازلات من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مقابل تراجعه عن الحرب مع إيران.
ويرى المحلل نفسه أن بايدن نجح في إقناع نتنياهو بالتراجع عن فتح جبهة مع إيران، حيث إن الرئيس الأميركي لا يريد حربا جديدة في الوقت الذي ليس بينه وبين الانتخابات سوى بضعة شهور.
وأضاف أن قادم الأيام سيكشف عن المفاوضات بين واشنطن وتل أبيب بشأن الرد الإسرائيلي المضاد على إيران، متوقعا “إننا سنشهد الامتيازات” ربما بمدينة رفح، أو “على شاكلة دبلوماسية وضغوط دولية على إيران”.
وشدد خلخالي على أهمية الساعات القادمة لفهم طبيعة الرد الإسرائيلي، وما إذا كان محدودا بهذه العملية، وستتبعه ضغوط دبلوماسية.
وعلى الصعيد العسكري، أكد الإعلام الإيراني الرسمي استخدام المُسيّرات الانتحارية الصغيرة المعروفة “بذات المراوح الأربع” أو مروحية رباعية أو “كوادكوبتر” كما نفت طهران تعرض البلاد لأي هجوم أجنبي.
وهذا ما عزز نظرية إرسال المُسيّرات من الأراضي الإيرانية على أياد بالداخل، خاصة أنه في أبريل/نيسان الماضي تعرضت مؤسسة تابعة لوزارة الدفاع في مدينة أصفهان لعملية بمُسيّرات مماثلة لمُسيّرات اليوم، أُطلقت من قرب المدينة.
حرب الظل
وفي السياق ذاته، اعتبر خلخالي استخدام أسلحة “كوادكوبتر” معطى مهما، موضحا أنه من الوارد أن تكون المُسيّرات أرسلت من مناطق قريبة من الحدود الإيرانية في مناطق مجاورة.
ويقول إن هذا يعني أن إسرائيل تتمكن من استهداف إيران من جيرانها، أو يمكن أن تكون المُسيّرات أُرسلت من الداخل الإيراني وهذا يعني اختراقا أمنيا كبيرا لطهران.
وتابع أن هذه العملية، ولأسباب مختلفة، تُظهر رغبة إسرائيل في التوجه لحرب الظل المتمثلة بالصراع الأمني الاستخباراتي، ربما لأنها لا تريد حربا مع إيران في الوقت الذي هي منشغلة فيه في حرب غزة وجبهة الشمال مع حزب الله اللبناني.
واستبعد خلخالي عودة إيران إلى “الصبر الإستراتيجي” مرجحا استمرارها بنهجها الجديد الذي أطلقت عليه “الردع المباشر” وقال إن هذا لا يعني بالضرورة عمليات عسكرية مباشرة في إسرائيل، ولكن ستقوم إيران بعمليات ردع سريعة وواضحة على مستويات مختلفة.
من جانبه، أرجع أستاذ العلوم السياسية مهدي خراطيان حدود الرد الإسرائيلي الذي تمثلت بدايته في عملية المُسيّرات صباح اليوم، وفق تعبيره، إلى توعد إيران بالرد السريع على أي اعتداء إسرائيلي على أراضيها ومصالحها.
وقال خراطيان للجزيرة نت إن التهديد الإيراني -بالإضافة إلى عوامل أخرى- كان كفيلا بجعل إسرائيل تختار الرد في الساحات الرمادية، مؤكدا أن ما شهدناه اليوم هو البداية في سياق الرد الإسرائيلي وبداية المرحلة الجديدة بين طهران وتل أبيب.
ورأى أن ملامح المرحلة الجديدة بدأت تتضح، وأن إيران ستشهد في المرحلة القادمة مجموعة من العمليات الإسرائيلية الأمنية على مستوى اغتيالات وتخريب بالعمق الإيراني الاستخباراتي أكثر من ذي قبل.
وخلص أستاذ العلوم السياسية إلى أن حرب الظل، التي ستعود إليها إيران وإسرائيل، ستكون أكثر حدة وشدة من قبل، وحتى أن حزب الله بدأ بمرحلة جديدة من قصفه لإسرائيل أقوى من قبل.
سياق الرد
ومن زاوية أخرى، قال الخبير بالشأن الإسرائيلي منصور براتي للجزيرة نت إن العملية بالمُسيّرات لا تصنف أمنية، بل هي عسكرية، كما أنه يقال إن قاعدة عسكرية في أصفهان كانت هدفا للهجوم رغم صد الدفاع الجوي الإيراني لها، وفق الرواية الإيرانية.
ورغم عدم التبني الإسرائيلي رسميا للهجوم وكذلك عدم اتهام إيران تل أبيب رسميا بوجود أي صلة لها بالهجوم، يرى براتي أن العملية جاءت في سياق الرد على الهجوم الإيراني على إسرائيل في 14 أبريل/نيسان الحالي.
واعتبر أن العملية تحمل رسالة من إسرائيل مفادها أنها قادرة على إيصال مُسيّراتها إلى العمق الإيراني، بشكل أو بآخر.
ومن الواضح أن مستوى العملية التي شهدتها إيران صباح الجمعة أقل بكثير من هجومها الذي أطلقت عليه “الرد الإيراني” سواء في الأضرار أو الأسلحة.
وبهذا الصدد، رجح براتي أن تل أبيب استبعدت الرد على إيران بالمستوى ذاته من خياراتها وآثرت سلسلة ردود أقل حدة، وذلك بسبب الضغط من قبل الحلفاء. وتوقع أن إسرائيل ستقوم بمجموعة عمليات في الأراضي الإيرانية.