طهران- مع حلول فصل الصيف، تجتاح إيران موجة حر شديدة تنعكس شيئا فشيئا على الأجواء الانتخابية التي كانت قد عانت برودا خلال الأسبوع الأول من الحملات الدعائية، حيث بدأت حدة التنافس بين المرشحين الستة في الاشتعال، ومعها إطلاق الوعود البراقة على شتى المستويات.
ويواصل المرشحون الترويج لبرامجهم عبر إطلاق وعود من جهة ومهاجمة سجل المرشح المنافس وتياره السياسي من جهة أخرى، وسط آمال يعلقها الناخب الإيراني على قدرة المرشحين على تنفيذ الوعود الاقتصادية ووضع حد للقضايا الشائكة في سياسة البلاد الخارجية التي أنهكت واقعه المعيشي على مدى العقدين الأخيرين.
ولطالما شكّل الاقتصاد والسياسة الخارجية أبرز هموم الناخب الإيراني ويتصدر الملفان وعود مرشحي الرئاسة بمعالجتهما، في حين يتساءل الناخب -على منصات التواصل- عن سبب تأجيل تنفيذ تلك الوعود حتى الآن؛ نظرا إلى المشاركة العملية لجميع المرشحين في إدارة البلاد بالحكومة أو البرلمان.
العقوبات الأجنبية
ومن خلال متابعة الجزيرة نت طيلة الأيام الـ10 الأولى للحملات الدعائية في إيران، يتضح أن العقوبات الأميركية المفروضة على طهران حظيت باهتمام جميع المرشحين الذين وعدوا بالعمل على إلغائها أو إبطال مفعولها.
وفي السياق، أكد كل من المرشحين؛ المحافظ محمد باقر قاليباف رئيس البرلمان، ونائبه الإصلاحي مسعود بزشكيان، وعالم الدين المحافظ المحسوب على التيار المعتدل مصطفى بور محمدي، إعطاء الأولوية لرفع العقوبات. بينما قلل المرشحون المحافظون الآخرون من أهمية تأثير العقوبات على الاقتصاد الوطني، مؤكدين “أن ثروات البلاد وطاقاتها أكبر من أن تتأثر بالعقوبات الغربية”.
أما بشأن المصادقة على قوانين مجموعة العمل المالي “فاتف” المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، فقد تباين موقف المرشحين بين بزشكيان وبور محمدي اللذين وعدا بالعمل على إزاحة عقبة هذه القوانين، وبين المحافظين قاليباف وسعيد جليلي وعلي رضا زاكاني وأمير حسين قاضي زاده هاشمي الذين عارضوا التوجه الأول.
كما اختلف المرشحون الستة، للانتخابات المقررة يوم 28 يونيو/حزيران الجاري، بشأن المفاوضات الرامية لإنقاذ الاتفاق النووي، حيث يفضل قاليباف المناورة في المنطقة الرمادية، ويؤكد أنه يؤمن بالتفاوض مع القوى الغربية وفق الشروط الإيرانية.
بينما يعد كل من بزشكيان وبور محمدي بالعمل على تعزيز علاقة بلادهما مع كل دول العالم ما عدا “الكيان الصهيوني” الذي لا تعترف به الجمهورية الإسلامية، ويبدو المرشح جليلي غير متحمس للعلاقة مع الدول الغربية، في حين يؤمن زاكاني بالعلاقة غير المتوازنة بين القوى الشرقية والغربية.
أما قاضي زاده هاشمي فلا يرى ضيرا في الكشف عن موقفه المعارض للتعويل على العلاقات مع الدول الغربية، بينما يفضّل قاليباف متابعة السياسات الخارجية العليا التي سارت عليها البلاد خلال الفترة الماضية.
وعود اقتصادية
ويبدو أن جميع مرشحي الانتخابات الرئاسية في إيران يجمعون على ضرورة إنعاش الاقتصاد الوطني المتدهور، بيد أن لا أحد منهم يتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأمور في ظل تربع تياره السياسي على السلطة التنفيذية، في حين يستبسل بعضهم في الدفاع عن أداء الحكومة الحالية، ويلقون باللوم -في الوقت نفسه- على الحكومة السابقة.
وعلى وتر الوعود الاقتصادية البرّاقة التي يعزف عليها المرشحون للرئاسة، يرى مراقبون أنها لا تتجاوز الشعارات ولا تستند إلى خطط علمية وعملية واضحة المعالم.
فمثلا، يطلق المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان وعودا بتحرير سعر الوقود وتخصيص الحصة الشهرية المقننة لجميع أفراد المجتمع، في حين يظهر بور محمدي داعما لتقنين البنزين، لكن جليلي يريد استيراد النفط وتصدير منتجاته القيمة بعد تكريره، والمفارقة أنهم لا يقدمون رؤية واضحة لتنفيذ الوعود، بحسب مراقبين.
في غضون ذلك، يطلق زاكاني وعودا بتوحيد سعر الوقود لكي لا يتجاوز سعر لتر البنزين 15 ألف ريال إيراني (الدولار يساوي 600 ألف ريال)، أما قاضي زاده فيكتفي بوعوده بشأن زيادة صادرات بلاده من النفط الخام رغم العقوبات الأميركية، ويعد قاليباف بتعزيز طاقات المصافي الوطنية والحيلولة دون إتلاف الوقود.
السكن والحجاب
وتشخص عيون الإيرانيين هذه الأيام نحو الوعود التي يطلقها المرشحون للقضاء على أزمة السكن والسيطرة على أسعار العقارات، فيعد المرشح جليلي بتوفير السكن دون تحديد فترة زمنية لذلك.
ويعتقد زاكاني أن المشكلة قابلة للحل خلال 4 أعوام فقط، في حين يعد قاضي زاده هاشمي بخفض أسعار السكن عبر تقليل نفقات الإنشاء، فيما يتعهد قاليباف بخفض سعر السكن عبر بوابة خفض أسعار الأراضي ويؤكد أنه سيحل الأزمة خلال 7 أعوام.
وفي المقابل، يرفض المرشح بزشكيان أن تتولى الحكومة إنشاء السكن ويعد بتجاوز الأزمة عبر تقديم تسهيلات للقطاع الخاص وشرائح الشعب. بينما يؤكد بور محمدي ضرورة فرض ضرائب على الشقق الخالية لحث أصحابها على عرضها في السوق.
وانطلاقا من الحركة الاحتجاجية التي شهدتها الجمهورية الإسلامية عقب وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاما) منتصف سبتمبر/أيلول 2022، إثر توقيفها من قبل “شرطة الأخلاق” في طهران بحجة عدم التزامها بارتداء لباس محتشم، حظي موضوع الحجاب باهتمام جميع المرشحين.
وقد يكون المرشح بزشكيان أكثر وضوحا في معارضته الحجاب الإلزامي وتوظيف دوريات الإرشاد لإجبار النساء على ارتدائه، بينما وعد بور محمدي بسحب “مشروع قانون العفة والحجاب” من البرلمان، أما جليلي فيعتقد بضرورة الاستعانة بدوريات الإرشاد لتنفيذ قانون الحجاب.
وفي حين يذكّر زاكاني بأن الحجاب “أمر شرعي وقانوني”، يشبّهه قاليباف بأنه “آفة الأسرة والمجتمع”، ويكتفي قاضي زاده هاشمي بالقول إن “هاجس المرأة اليوم ليس الحجاب وإنما التمييز في الفرص وإنها محقة في ذلك”.
وبخصوص سياسة تقييد استخدام خدمة الإنترنت وحجب منصات التواصل الأجنبية، فقد عارض كل من بزشكيان وبور محمدي هذه السياسة التي طالما أضرت شريحة من الناشطين الاقتصاديين عبر الشبكة العنكبوتية للمعلومات مما أدى إلى ازدهار برامج فك التشفير “في بي إن”، فيما أبدى المرشحون الآخرون مبرراتهم لفرض هذا التوجه وفق متطلبات الأمن القومي.