يشتعل مجددا الجدال في الصحف الإسرائيلية بشأن أيهما الأولى تحرير الأسرى أم اجتياح رفح، فيما ركز جزء منها في موضوعاتها على رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة يحيى السنوار وانشغال إسرائيل به.
ونبدأ من معاريف، فقد ناقش المحلل العسكري ران أدليست في مقال له بعنوان “بلياردو شرق أوسطي” الأزمة التي يعيشها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في ظل الخيارات الصعبة التي يواجهها.
ويقول المحلل “يبدو وكأن ساعة الحقيقة حانت، سواء قرر نتنياهو قبول العرض المصري في صفقة الرهائن، والذي سيؤدي إلى إلغاء الهجوم على رفح ويثير موجة احتجاجات من معسكر اليمين، أم رفض ذلك العرض، والذي بدوره سيؤدي إلى موجة احتجاجات من معسكر الوسط- اليمين واليسار”.
ويضيف أن نتنياهو نفسه ليست لديه فكرة واضحة عن الكيفية التي يجب أن يتصرف بها إزاء الضغوط التي تمارس عليه، كما ليس لدى بن غفير وسموتريتش فكرة عن الكيفية التي يجب أن يتصرفا بها، على افتراض أنهما يفهمان أن الهدف من وقف إطلاق النار هو إعادة المحتجزين.
ويتطرق أدليست إلى العوامل الخارجية التي تضغط بقوة على نتنياهو ويسميها “لعبة بلياردو تُلعب اليوم، واللاعبون فيها هم دول شرق أوسطية”.
تفكيك ائتلاف نتنياهو
ويوضح المحلل ذلك بالقول “الإستراتيجية الأميركية هي تفكيك ائتلاف نتنياهو لأجل البدء في حوار إقليمي مع حكومة جديدة في صالح تعزيز المدماك الشرق أوسطي للرئيس الأميركي جو بايدن، والتكتيك هو رزمة إغراءات لإسرائيل”.
وعن ذلك يشير أدليست إلى أن رزمة الإغراءات التي يتحدث عنها تتضمن تمويل بنية تحتية أمنية وأسلحة لجهاز الأمن، وتطبيعا مع دول عربية، ومفاوضات مع (حماس) على تحرير الكل لقاء الكل (مقابل وقف القتال في غزة)، وتأييد إلغاء خطة أوامر الاعتقال من المحكمة الجنائية في لاهاي بحق قادة إسرائيليين.
ويضيف أن الفكرة وراء تلك الخطوات هي دفع بن غفير وسموتريتش إلى الخروج من الحكومة، وإجراء انتخابات، وعقد محادثات بناءه أكثر مع الحكومة الجديدة، والوسائل هي تنسيق كامل بين جهاز الأمن الإسرائيلي والإدارة الأميركية لأجل إجبار نتنياهو على الحسم، إضافة إلى أمور أخرى.
مهاجمة رفح أو قبول الصفقة
وفي “يديعوت أحرونوت” يفند الصحفي الإسرائيلي يوسي يهوشع جدوى فكرة مهاجمة رفح، ويقول إنه في إطار التنسيق قبيل مناورة محتملة في رفح إذا ما حصلت يجب منذ الآن التشديد على أنها ستكون مختلفة جوهريا عما رأيناه حتى الآن في قطاع غزة، وذلك بسبب قيود الأميركيين غير المستعدين لأن يتحملوا الإصابات للأبرياء، إضافة إلى مطالب الإغاثة الإنسانية، أما المصريون فيطالبون بتنسيق أمني وثيق.
ويضيف يهوشع أن “قذيفة طائشة واحدة تقتل مدنيين دون قصد”، موضحا أن الخطوة المطلوبة يجب أن تتوخى الحد الأدنى من متطلبات الشرعية الدولية والحد الأقصى من الإنجازات العسكرية.
النصر المطلق
ومع كل ذلك فإن الكاتب ظل متشككا في مصطلح “النصر المطلق” لنتنياهو بعد هذه العملية المفترضة، وختم مقاله بالقول “حتى لو نُفذت العملية بالفعل -هذا إذا لم يوقفها الأميركيون- وحتى لو هُزمت كتائب (حماس) الأربع فهذا لن يكون النصر المطلق، الأمر الأهم في رفح هو إغلاق محور التهريب، ولا يمكن لهذا أن يحصل إلا بتنسيق كامل مع المصريين”، وفق تعبيره.
وأيده في فكرة عدم جدوى اجتياح رفح محلل شؤون الشرق الأوسط آفي يسخروف الذي قال إن المشكلة هي أنه حتى نتنياهو يدرك أن العملية في رفح لن تغير الصورة.
وأضاف “لن يتغير شيء في رفح، سيتعين علينا التعامل مع حماس التي ستعزز قوتها مجددا في خان يونس وشمال قطاع غزة، ومع احتفاظها بالمحتجزين الإسرائيليين الذين ربما تم نقلهم إلى رفح في ديسمبر/كانون الأول الماضي خوفا من أن يقوم الجيش الإسرائيلي بتحريرهم”.
اجتياح رفح ضرورة
في المقابل، خلص المؤرخ العسكري من الجامعة العبرية في القدس البروفيسور داني أورباخ في مقال له بهآرتس إلى أن إسرائيل يجب أن تدخل إلى رفح في أسرع وقت ممكن، وأن تقطع أنبوب تزويد (حماس) من مصر، وأن تدمر أنفاق التهريب الإستراتيجية التي توجد تحت محور فيلادلفيا، وأن تحرر المخطوفين إذا استطاعت، حسب قوله.
واستعرض المؤرخ الإسرائيلي حجج الداعين إلى عدم اجتياح رفح القائلين إنها خطوة ليس لها أي جدوى أو فائدة وستكلف الكثير من الضحايا وستتسبب بعزلة دولية وقطيعة مع الولايات المتحدة، ولن تفيد بأي شيء، خاصة عندما لا تضع الحكومة خطة لليوم التالي في غزة.
وحاول تفنيد هذه الحجج من خلال استعراض نماذج تاريخية للقتال في مناطق مختلفة مثل فيتنام وأفغانستان وتنظيم الدولة في العراق، وأن المقاومة في هذه البلدان كانت لها ملاجئ تعيد من خلالها تنظيم صفوفها، فيما حماس في رفح لا تملك ذلك.
الحجة الثانية التي يفندها هي أن الضغط العسكري على حماس لن يجعلها تقوم بإطلاق الأسرى، فيقول “الصفقة السابقة مع حماس في 25 نوفمبر/تشرين الثاني حتى الأول من ديسمبر/كانون الاول 2023 كانت في ذروة الضغط العسكري من قبل إسرائيل، ففي تلك الفترة كانت حماس مستعدة للتنازل عن طلبها الأساسي وهو وقف الحرب تماما، ووافقت على إطلاق سراح نحو نصف المخطوفين مقابل هدنة مؤقتة لم تضر بأهداف إسرائيل من الحرب، والآن، منذ اللحظة التي تحول فيها تهديد إسرائيل باقتحام رفح إلى تهديد فوري وموثوق فإن خطوات حماس بدأت تشير إلى ضغط آخذ في التزايد”، وفق زعمه.
ويقول إزاء الحجة الثالثة التي تفيد بأن إسرائيل ستدفع ثمنا دوليا باهظا وستتم إدانتها من قبل المجتمع الدولي إذا تجرأت على دخول رفح إن الضرر الأساسي على إسرائيل كان بسبب مجرد الحرب في غزة وليس بسبب دخول منطقة معينة، “وبصفتي مؤرخا عسكريا يمكنني القول إن الحروب الكثيفة تؤدي دائما تقريبا إلى الدمار والقتل الجماعي للسكان المحليين”، بحسب رأيه.
الهوس بالسنوار
وقد نال موضوع رئيس حماس في غزة يحيى السنوار مساحة مهمة من اهتمامات الصحف، ففي هآرتس كتب تسفي برئيل الخبير في شؤون الشرق الأوسط أنه بسبب من وصفهما بالأزعرين العنصريين (بن غفير وسموتريتش) نجح يحيى السنوار في أن يفرق الحكومة الإسرائيلية حيث يتوقع “تفجير” صفقة المحتجزين.
ويؤكد برئيل أن حماس تراهن على الخلافات الإسرائيلية الداخلية لتحسين موقفها التفاوضي أمام حكومة الاحتلال.
وأضاف أن “بتسلئيل سموتريتش -الذي يسمى وزير المالية- والمجرم المدان بن غفير هما بوليصة التأمين لحماس ورئيسها”، وفق تعبيره.
ويضيف أنه مع هذه التهديدات “يمكن للسنوار الهدوء، ويمكنه الموافقة على أي صفقة مع المعرفة المؤكدة بأن سموتريتش سيفشلها”.
انتظار ما يقوله السنوار
ويختم بالقول “يوجد لحماس زعيم واحد، ولكن في إسرائيل فإن الحراس السياسيين الذين يعملون مثل مليشيات يقومون بإملاء جدول الأعمال”.
بدوره، سلط الكاتب شيلي يحيموفيتش الضوء على العجز الذي تعيش فيه حكومة الاحتلال بانتظار ما يقوله السنوار، ويقول في مقال له في “يديعوت أحرونوت” “تقف أمة ممزقة القلب، لكنها تتنفس، وتسمع تكرارا أن إسرائيل تنتظر جواب السنوار وأن مجلس الوزراء سيُعقد بعده فقط، السنوار يفكر، السنوار يقبل العرض، السنوار يعاين، أما إسرائيل فليست موجودة، كل شيء السنوار”.
ويتساءل الكاتب في ختام مقاله “أين إسرائيل؟ أين الرؤيا التي تحل محل المماحكة السامة التافهة الغبية غير المجدية التي ثمنها حياة الإنسان: وقف الحرب الرهيبة هذه التي توقفت على أي حال، وكل المحتجزين ينتظرون تسوية سياسية إقليمية، تسوية تبقي السنوار في الخارج؟”.