جنين- فجر اليوم الثلاثاء، دخلت مجموعة من الرجال برفقة سيدتين تحملان أطفالا إلى مستشفى ابن سينا في مدينة جنين شمال الضفة الغربية، حيث يُعالَج الجريح باسل الغزاوي (18 عاما) منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ليتبين فيما بعد أنهم “مستعربون” ضمن قوة إسرائيلية خاصة اقتحمت المستشفى لاغتياله ومرافقيه، أحدهم شقيقه محمد.
متنكرين بزي طبي وبلباس نسائي، ومع عربة أطفال فيها دمى، اقتحمت القوة الخاصة المكونة من قرابة 10 أشخاص المستشفى، وفور وصولهم إلى الطابق الثالث، اعتدوا على أحد أفراد الطاقم الطبي بالضرب، ثم دخلوا غرفة الجريح باسل الذي كان نائما، ويرافقه شقيقه محمد (23 عاما) وصديقهم محمد جلامنة، فقتلوهم جميعا، في حين أصيبت ممرضة كانت توجَد أمام مدخل المستشفى عند انسحاب القوة، مما استدعى نقلها للعلاج في غرفة الطوارئ.
وتحدث المدير الطبي في مستشفى ابن سينا الدكتور توفيق الشوبكي للجزيرة نت عن تفاصيل العملية. وقال “لم يتم اكتشاف أمرهم إلا حين وصلوا إلى الطابق العلوي، وهناك اعتدوا على أحد الكوادر الطبية، وأشهروا أسلحتهم، ثم توجهوا إلى غرفة الجريح باسل الغزاوي، وأطلقوا النار بشكل مباشر على الشبان الثلاثة الذين كانوا نائمين”.
صدمة وانتهاك حرمة
يؤكد المدير الشوبكي أن ما حدث هو انتهاك لحرمة المستشفى، ولكل القوانين التي تكفل حق العلاج لكل الأفراد والجرحى، بغض النظر عن خلفيتهم، وتجرم اقتحام واستهداف المراكز الطبية.
وقال الشوبكي إن استهداف مستشفيات مدينة جنين عامة ومستشفى ابن سينا بشكل خاص ازداد بشكل كبير بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، خصوصا أن آليات الاحتلال جرّفت أكثر من مرة الشوارع المؤدية إليه، وأعاقت العاملين في الإسعاف من الوصول إلى المصابين ونقلهم إلى غرف الطوارئ.
وحسب الطبيب، كان باسل الغزاوي قد تعرض لإصابة مباشرة بصاروخ أطلق عليه من طائرة مسيرة قبل 3 أشهر، مما أدى إلى إصابته بشلل نصفي، وكان يتلقى العلاج في المستشفى، ونظرا لحالته الصحية، فهو يحتاج لمرافق دائم للقيام بحاجته الأساسية اليومية، ولذلك كان يوجَد معه شقيقه محمد، ويساعدهم صديقهم محمد جلامنة. ويضيف “نحن كمستشفى نكفل العلاج لأي شخص، بغض النظر عن انتمائه السياسي وخلفيته”.
وقال حامد فؤاد، وهو أحد شهود العيان، وكان في المستشفى لحظة دخول القوة الخاصة، للجزيرة نت “ما حدث صادم جدا، الكل شعر بالخطر، نحن في مستشفى، وأنا أرافق والدي الكبير في السن والذي يعالج هنا، خرجت على أصوات صراخ وحركة سريعة وغريبة، ففوجئت بمجموعة من الرجال أحدهم كان يبدو عليه أنه طبيب والآخر ممرض، وامرأة”.
ويضيف “حين اقتربت شاهدتهم يحملون أسلحة رشاشة كبيرة، ويصرخون في ممرات المستشفى، ويمنعون الجميع من الخروج من الغرف، كانوا سريعين وخطيرين، ورفعوا السلاح على الطاقم الطبي”. ثم علق قائلا “لا أعرف كيف يقتحم الجيش مستشفى، هل أصبحت حياتنا مستباحة لهذه الدرجة؟ يقتلوننا في المراكز الصحية والمشافي؟ هذا شيء لا يصدق”.
وفي ممرات المستشفى، يمكن ملاحظة صدمة الناس الموجودين فيه من بشاعة عملية الاغتيال، التي نفذت بحق جريح لا يقوى على الحركة ومرافقيه، ويُجمع الناس أن ما حدث يعد “جريمة حرب”.
ليست المرة الأولى
وصفت وزارة الصحة الفلسطينية عملية اغتيال الشبان الثلاثة بأنها “جريمة خطيرة تضاف إلى جرائم الاحتلال بحق الكوادر الطبية والمستشفيات الفلسطينية”، وطالبت الأمم المتحدة بحماية المؤسسات الطبية في الضفة الغربية وغزة.
وقال مدير وزارة الصحة في جنين الدكتور وسام صبيحات، للصحفيين الموجودين أمام المستشفى، “إن الاحتلال انتهك الزي الطبي وحرمة المستشفيات التي لا يجوز أن يدخلها المسلحون، ويُمنع فيها إطلاق النار”، وإن “ادعاء إسرائيل باغتيال مسلحين كانوا يختبئون في المستشفى هو كاذب، لأن الشهداء لم يكونوا مسلحين، وإن كان الشهيد باسل قد أُصيب سابقا، فإن هذا لا يمنع علاجه في أي مستشفى”.
وتعيد حادثة الاغتيال هذه إلى الأذهان اقتحام قوات خاصة إسرائيلية لمستشفى العربي التخصصي في نابلس عام 2015، واعتقال مصاب من داخله، وحادثة تسلل قوة خاصة أخرى لمستشفى الأهلي في مدينة الخليل جنوب الضفة في العام نفسه، واعتقال جريح وقتل أحد مرافقيه.
“قتلوا أولادي”
بحزن كبير، وفي ممر المستشفى، كانت والدة الشهيدين باسل ومحمد غزاوي تتحدث عنهم، وتقول إن باسل نجى من الموت بأعجوبة بعد قصفه قبل أشهر، “بالأمس كنت عندهم هنا في الغرفة، وبعد تأخر الوقت طلبوا مني العودة للمنزل، قال لي محمد أنا معه هنا، وسيبقى معنا صديقنا محمد جلامنة، وعند الفجر سمعت بوجود قوات خاصة في المستشفى فصرخت، قتلوا أولادي”.
وعند رؤيتها أحد الأطباء المعالجين لباسل، بكت الأم وقالت “راحوا أولادي يا دكتور، أولادي الاثنين راحوا! لم يبق لي أحد يا دكتور”.
وادعى بيان عسكري إسرائيلي أن “قوة من الجيش والشاباك قتلوا مجموعة مسلحة فلسطينية من حماس، كانت تختبئ في مستشفى ابن سينا، وأن المجموعة كانت تخطط للقيام بعمليات نوعية في وقت قريب”.
وفند الأطباء في ابن سينا وشهود العيان وعائلات الشهداء هذا البيان، حيث قال أطباء مشرفون على حالة الشهيد باسل غزاوي إنه كان في حالة شلل نصفي، ولا يستطيع الحركة ولا حتى القيام بحاجاته الأساسية وحده، وأنه كان من المتوقع له أن يتلقى العلاج لمدة 6 أشهر إضافية على الأقل.
وقال الأطباء إن “المستشفى يحوي مركز تأهيل وعلاج طبيعي، وأن باسل كان من المقرر أن يبدأ بالعلاج الطبيعي فيه لحين استقرار وضعه الصحي”.
وكان الشهيد باسل الغزاوي قد أصيب في مقبرة الشهداء في مخيم جنين، خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي للمخيم في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو من مقاتلي كتيبة جنين.
كما قال مقاتلون من الكتيبة إن الشهيد محمد جلامنة (27 عاما) هو أحد كوادر كتائب القسام، وإنه كان أحد المطلوبين للاحتلال الإسرائيلي، وتعرض في وقت سابق للإصابة، وانتشر مقطع فيديو مصور لوالده يتحدث فيه عن غياب ابنه محمد عن المنزل منذ قرابة عام، بسبب مطاردته من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.