القدس المحتلة- أجمعت التحليلات والتقديرات الإسرائيلية على أن الهجوم الإيراني بالمسيرات على العمق الإسرائيلي، يجب أن يشعل الضوء الأحمر لمتخذي القرارات بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وذلك رغم ما وصفوه بـ”الإنجاز المثير للإعجاب” الذي حققه النظام الدفاعي الإسرائيلي بالتعاون مع أميركا.
واتفقت التحليلات الإسرائيلية على أن إيران تخطت وكسرت حاجز الخوف وأقدمت على مهاجمة إسرائيل من الأراضي الإيرانية لأول مرة منذ الثورة الإسلامية، وهو يعكس انهيار الردع الإسرائيلي، وتجرؤ طهران على تحدي تل أبيب وإدخالها في حالة طوارئ وحرب نفسية، منذ استهداف قنصلية إيران في دمشق واغتيال قادة من الحرس الثوري أبرزهم قائد “فيلق القدس” في سورية ولبنان، حسن مهداوي.
ورغم تراجع قدرة الردع وتجرؤ إيران على مهاجمة إسرائيل، فإن قراءات للمحللين الإسرائيليين تشير إلى أن الهجوم الإيراني غير المسبوق، واعتراضه من قبل المنظومات الدفاعية الإسرائيلية بالتعاون مع أميركا ودول إقليمية، يعكس “نجاحا عملياتيا”، حيث يمكن أن يشكل فرصة لتشكيل تحالف أميركي إسرائيلي عربي ضد إيران.
ووفقا لتقديرات المحللين، فإن الجيش الإسرائيلي ليس في عجلة من أمره في الوقت الحالي للرد على الهجوم الإيراني، رغم أن هذا قد يضر بالقدرة على الردع، واتفق المحللون على أن الهجوم في إيران يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الوضع وجر المنطقة إلى حرب إقليمية، خصوصا بعد أن تمكنت طهران من مهاجمة إسرائيل وتثبيت سابقة مثيرة للقلق.
انهيار الردع
تحت عنوان “نتنياهو انتظر مع احتفالات النصر.. فشل ذريع للردع أمام إيران”، كتب محرر غرفة الأخبار في موقع “والا”، أرييل شميدبرغ، مقالا وجه من خلاله انتقادات شديدة اللهجة إلى أداء نتنياهو في التعامل مع التهديد الإيراني، قائلا: “رغم إنجاز المنظومة الدفاعية، بيد أن إيران نجحت في إرباكنا على مدار أسبوعين وقصف العمق الإسرائيلي”.
من ناحية أخرى، يقول شميدبرغ “هناك أيضا فشل ذريع فيما يتعلق بقدرة إسرائيل والولايات المتحدة على خلق ردع ضد إيران التي أظهرت قوة هائلة وشجاعة غير مسبوقة، وهذا دليل على انهيار ميزان الرعب. كما أن ميزان الرعب ضد حزب الله في لبنان لم يكن متوازنا تماما، وهو ما تخشاه إسرائيل”.
وأوصى كاتب المقال النخب الإسرائيلية بالانتظار وتأجيل صيحات الفرح واحتفالات النصر، قائلا: “لم نفز بعد، ما زالت إسرائيل بعيدة عن تحقيق الأهداف والفوز، ويشهد على ذلك أهالي المختطفين، وعشرات الآلاف من سكان الشمال والجنوب الذين ما زالوا مهجرين من منازلهم ويتنقلون كلاجئين في بلادهم منذ 6 أشهر”.
خيارات الرد
في الجانب العسكري والترقب للرد الإسرائيلي، يعتقد المحلل العسكري، أمير بوحبوط، أن إسرائيل قبالة معضلة “احتواء الهجوم أم الرد بهجوم في إيران والمجازفة بالتصعيد وجر المنطقة لحرب إقليمية؟”.
ونتيجة لذلك، يقول المحلل العسكري “سيطلب من كبار المسؤولين في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي تقييم ردود إيران المحتملة، كما سيتعين عليهم تلقي سلسلة من التوصيات، عما إذا كان سيتم الرد بقوة وتحصيل ثمن من القواعد العسكرية للحرس الثوري الإيراني ومواقعه أو اختيار اغتيال أفراد الأمن الإيرانيين”.
ويرى بوحبوط أنه سوف يكون لزاما على قادة هيئة الأركان أيضا أن يفكروا فيما إذا كانوا سيكتفون بعملية محدودة، حيث يقوم طيارو القوات الإسرائيلية الجوية بمهمة على مسافة 1500 كيلومتر، لضرب هدف إيراني رمزي، مثل مبنى حكومي، ومستودعات أسلحة، وآبار النفط وحتى السفن الإيرانية التي تبحر في البحر.
أما الخيار الثالث، فيقدر المحلل العسكري اعتمادا على تصريحات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ووزير الأمن يوآف غالانت، أن إسرائيل لن تتسرع في الرد، وستدرس بعناية درجة الرد في الوقت الذي تراه مناسبا، مشيرا إلى أن التقديرات الإسرائيلية تجمع على أن إيران تهدف إلى تدمير القواعد الجوية وتفوق الجيش الإسرائيلي بالشرق الأوسط.
نهج نتنياهو
وفي إطار انتقاد أداء نتنياهو خلال التهديدات الإيرانية والهجوم بالمسيرات الذي طال العمق الإسرائيلي، وصفت الكاتبة الإسرائيلية، كارميلا كوهين شلومي، نتنياهو بـ “الجبان”، كونه أهمل إسرائيل خلال الهجوم الإيراني، حيث تولاها الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي أمسك بها وأعادها إلى رشدها.
“وبعد ساعات عصيبة كان خلالها مواطنو إسرائيل، يبحثون فيها عمن يشرح لهم ما يجري”، كتبت كوهين في مقال لها بالموقع الإلكتروني “زمان يسرائيل”: “ظهر على الشاشة رجل مسن شاحب ومتعرق كان يتجول قرب مقر وزارة الأمن في تل أبيب، وسأل “هل هناك 7 شيكل (2 دولار)؟ أحتاج للذهاب إلى مخبأ أحد الأصدقاء”.
بهذه العبارات وصفت الكاتبة الإسرائيلية نتنياهو ولخصت نهجه في إدارة شؤون إسرائيل خلال حالة الطوارئ، قائلة: “دمر كل شيء وما زال يحتفظ بمسودة خطاب تنتهي بعبارة معا سننتصر، ليوظف الهجمات الإيرانية من أجل الالتفاف على الاحتجاجات والترويج أن إسرائيل في خطر”.
وبدا الكاتب والمحلل السياسي بن كسبيت، أكثر وضوحا، حين قال في مقال له في صحيفة “معاريف” إن الهجوم الإيراني بالمسيرات والصواريخ على إسرائيل، كان نقطة الحضيض التي وصلت إليها حكومة نتنياهو التي تواصل تحقيق الفشل والإخفاقات حتى في مجال الأمن القومي.
وبحسب وجهة نظر بن كسبيت، فإن إسرائيل تعرضت لإهانة علنية ثقيلة وغير مسبوقة من قبل إيران، قائلا “لقد انهار الردع الإسرائيلي الذي منع إيران من مهاجمتنا بشكل مباشر، كما انهارت جهود الردع الدولية المشتركة، لقد كسر الإيرانيون حاجز الخوف. من الآن فصاعدا، إيران ضد إسرائيل، بشكل علني”.
وفي إشارة لملامح الرد الذي قد يتأخر وسيكون غير معلن، يقول بن كسبيت: “كما كان متوقعا، حاول بايدن إنزال نتنياهو من الشجرة وتجنب رد فعل سريع وصارم، ويبدو أنه نجح في ذلك على الأقل حتى الآن”.
ويعتقد المحلل السياسي أن حقيقة أن إسرائيل فتحت مجالها الجوي واستأنفت الرحلات في مطار بن غوريون، “تعني أن احتمال الرد الإسرائيلي الفوري، الذي وعد به المقربون من نتنياهو أصبح ضئيلا، وأن الحاجة التلقائية لتلقين الإيرانيين درسا قاسيا وتحميلهم ثمنا باهظا، تقف الآن أمام الواقع الإستراتيجي المعقد بالشرق الأوسط”.