بعد القافلة الأخيرة.. أين وصل ملف اللاجئين السوريين في لبنان؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

بيروت- يحتل عنوان “ترحيل اللاجئين السوريين” صدارة المشهد اللبناني، حيث صار مطلبا رسميا وسياسيا مدعوما من شرائح اجتماعية واسعة، لكن لبنان يعجز عن إعادة أكثر من 2 مليون لاجئ سوري مع تفاقم أزمته، وخلافاته مع المجتمع الدولي والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بإدارة الملف.

وتعد القافلة الجديدة -التي أطلقها الأمن العام يوم 14 مايو/أيار الحالي- دليلا على عدم قدرة لبنان على اعتماد هذا الإجراء حصرا لإعادة جميع اللاجئين، إذ ضمت القافلة نحو 330 لاجئا سوريا فقط.

قوات الأمن اللبنانية تشرف على عملية عودة لاجئين سوريين مغادرين إلى بلادهم من منطقة عرسال (الفرنسية)

صراع المفوضية والخارجية

كادت أن تنفجر أزمة دبلوماسية بين لبنان والمفوضية، الاثنين الماضي، حين استدعى وزير الخارجية عبد الله بو حبيب ممثل المفوضية الرسمي إيفو فرايسن، وطالبه بسحب رسالة بعثتها المفوضية إلى وزير الداخلية بسام مولوي، أعربت فيها عن قلقها من “عمليات الإجلاء القسرية للسوريين”.

وأصدر بو حبيب بيانا دعا فيه المفوضية لاحترام التخاطب مع الوزارات، ومنح فرايسن مهلة شهر لتسليم جزء إضافي من بيانات السوريين، التي سلمت جزءا منها للحكومة سابقا، استنادا لاتفاقية موقعة في آب/أغسطس 2023، وبدورها استجابت المفوضية بسحب رسالتها التي لقيت اعتراضا سياسيا، وشددت على تعاونها مع الحكومة.

وتفيد مصادر الجزيرة نت بأن الحكومة تصر على الحصول على معلومات إضافية من السوريين، كتواريخ دخولهم إلى لبنان وأماكن إقامتهم، في حين تواصل المفوضية مباحثاتها بما يتماشى مع القوانين الدولية لحماية بيانات اللاجئين.

ويُذكّر رئيس مؤسسة “جوستيسيا” المحامي والأكاديمي بول مرقص -عبر الجزيرة نت- بمذكرة التفاهم التي وقعتها المفوضية مع وزارة الداخلية والأمن العام سنة 2003، والتي تؤكد أن لبنان ليس بلد لجوء، وتنص على عدم السماح لأي شخص دخل لبنان بطريقة غير شرعية أن يتقدم بطلب لجوء لدى المفوضية بعد شهرين على دخوله.

ويستند الجيش اللبناني في إجراءاته إلى قرار مجلس الدفاع الأعلى الصادر في أبريل/نيسان 2019، الذي يقضي بترحيل السوريين الداخلين إلى لبنان دون المرور بالمعابر الرسمية.

مصير ملف اللاجئين

يعتبر مراقبون أن تذرّع لبنان بعدم توقيعه على اتفاقية اللجوء لا يتماشى مع حقيقة الأزمة وتاريخ العلاقة بين لبنان وسوريا، وما حل في البلدين بعد عام 2011، سواء من ناحية ما استفاده لبنان طوال 12 عامًا من مليارات الدولارات التي وصلته في صورة هبات دولية دعما لاستضافته اللاجئين، أو من ناحية الواقع الحدودي المنفلت، حيث ينشط التهريب بشتى أشكاله منذ عقود بين البلدين.

وفي حديث مع الجزيرة نت، يشير وزير المهجرين اللبناني عصام شرف الدين إلى أن القافلة التي نُظمت أخيرا هي الأولى بعد تجديد التكليف لوزارته بإدارة ملف العودة قبل شهرين، وأنها جاءت “استجابة للضغط الشعبي والبرلماني والحكومي، ثم جاء القرار السياسي”.

ويقول الوزير إن “أهمية القافلة ليس بعددها بل برمزيتها، وتدل أن الأمن العام اللبناني يقوم بواجبه، وأن الأمن الوطني السوري يتجاوب معه”، ويتهم شرف الدين المنظمات الدولية بممارسة الترغيب والترهيب لعرقلة قوافل العودة الطوعية، بالضغط على اللاجئين.

وأفاد بأن هناك قوافل ستنطلق بعد نحو أسبوعين، وأنها تسير وفق آلية أن تسلم وزارة المهجرين قوائم الراغبين في العودة إلى سوريا للأمن العام اللبناني، الذي بدوره سيسلمها للأمن العام الوطني السوري لنيل الموافقة على الأسماء.

كما قدم البرلمان اللبناني -في جلسته المنعقدة حول ملف عودة اللاجئين والهبة الأوروبية المقدرة بمليار يورو- يوم 15 مايو/أيار الجاري، نحو 9 توصيات للحكومة، كان عنوانها الأبرز “إعادة السوريين من لبنان إلى سوريا بمهلة أقصاها سنة واحدة”.

وهنا، يتحدث وزير المهجرين عن 3 فئات من السوريين يمكن لهم البقاء للبنان، وهم العمال والحرفيون وأصحاب المؤسسات، شرط أن يكون بحوزتهم إقامات شرعية وإجازة عمل، و”هؤلاء لا يتجاوز عددهم 400 ألف سوري”، حسب قوله.

لكن النازحين الذين هربوا من الحرب والنازحين الاقتصاديين، وفق تعبير شرف الدين، “سيترتب عليهم العودة الطوعية”، وأضاف أن الوزارة تمتلك خطة لإعادة 15 ألف سوري كل شهر، إذ تمت الموافقة عليها من الجانب السوري والحكومة اللبنانية، “وننتظر القرار السياسي لتنفيذها” حسب قوله، وأضاف “كما لدينا ورقة تفاهم للبدء بتفكيك المخيمات”.

أما اللاجئون السياسيون والمعارضون، فلديهم وفق الوزير 3 حلول:

  1. الاستفادة من العفو الرئاسي السوري.
  2. الهجرة إلى دولة ثالثة بالتنسيق مع المفوضية لإعادة توطينهم هناك، وهو ما يرغب فيه غالبية السوريين.
  3. الذهاب إلى منطقة المعارضة في شمال شرق سوريا.

ويردف الوزير بأن أميركا وأوروبا تتبعان معايير مزدوجة مع لبنان، في ظل تصويتهما على بقاء السوريين في لبنان كأنهما أوصياء عليه، “خوفا من هجرة القوارب نحو أوروبا، التي تضم نحو 400 مليون نسمة، ولا تتحمل مليوني لاجئ سوري من لبنان الصغير جدا”.

عودة وترحيل قسري

وفي السياق، تقول الناطقة الرسمية باسم المفوضية دلال حرب -للجزيرة نت- إن المفوضية تتعاون مع الأمن العام اللبناني، لتسهيل عودة السوريين الراغبين في ذلك والمسجلين لديه.

وتشير إلى أن الأمن العام، منذ 2018، يقوم بتسهيل رحلات العودة للسوريين الراغبين في العودة إلى سوريا، ومن بينهم لاجئون معروفون لدى المفوضية، لكن آخر رحلة مماثلة للقافلة الأخيرة كانت في أكتوبر/تشرين الأول 2022.

ووفق حرب، توجد المفوضية بنقاط الانطلاق المختلفة في اليوم المحدد لرحلة العودة، وذلك لمراقبة العملية، وتتولى فرق المفوضية القيام بمهمات مثل:

  • تقديم المشورة للاجئين بعد الاتصال بهم.
  • التواصل مع الأمن العام بالنيابة عن اللاجئين.
  • توزيع المنشورات التي توضح مراكز الخدمات المجتمعية المدعومة من المفوضية ومراكز المعلومات الأخرى في سوريا والخدمات المتاحة فيها.
  • إحصاء الأعداد، والتواصل مع مكتب المفوضية بسوريا بشأن حجم العملية والتفاصيل اللوجستية، وتشارك معلومات خاصة باللاجئين العائدين، لتتصل بهم المفوضية في سوريا بعد عودتهم.

وتؤكد الناطقة باسم المفوضية أنها تتحفّظ على مشاركة أي معلومات عن الحالات الفردية، لأسباب تتعلق بالسرية والحماية الشخصية، “لأن الطوعية والسلامة والكرامة معايير دولية رئيسية عند عودة اللاجئين”.

وقبيل كل رحلة عودة للاجئين السوريين، تتعالى أصوات المنظمات الحقوقية، التي تحذر لبنان والمجتمع الدولي من تداعيات ما تسميه “الترحيل القسري” للاجئين السوريين.

وهنا، يعتبر مدير مركز سيدار للدراسات القانونية المحامي محمد صبلوح أن ثمة علامات استفهام على رحلات العودة، لأنه يصعب تتبع حركتها ومدى ضمان سلامة اللاجئين العائدين، لضبابية الضمانات التي يقدمها النظام السوري.

ويتحدث المحامي عن عمليات ترحيل قسري يتعرض لها سوريون، عند مداهمة بعض المخيمات أو توقيف قوارب هجرة غير منتظمة، أو عند إنهاء بعض السجناء السوريين لمحكوميتهم، كما أن “مصير العشرات مجهول بعد تسليمهم للأمن السوري، إضافة لانقطاع الاتصال مع بعضهم”.

ويفيد المحامي بأن الخوف تسلل إلى السجون اللبنانية، مع طرح الحكومة مشروع ترحيل السجناء السوريين وتسليمهم إلى النظام بحجة اكتظاظ السجون، ويذكر بما سبق أن أعلنه وزير الداخلية اللبناني بسام المولي أن نحو 80% من السجناء الموقوفين في لبنان لم تصدر أحكام بحقهم، مما يضاعف الخطر على السجناء السوريين في حال ترحيلهم.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *