بغداد- لا يزال الجدل محتدما في الأروقة السياسية حول من سيتولى منصب رئاسة مجلس النواب العراقي بعد إقالة محمد الحلبوسي من منصبه الشهر الماضي، وكانت المحكمة الاتحادية العليا -أعلى سلطة قضائية بالبلاد- أعلنت في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إنهاء عضوية الحلبوسي كنائب ورئيس للبرلمان.
وجاء قرار المحكمة على خلفية دعوى قضائية تقدم بها النائب ليث الدليمي اتهم فيها الحلبوسي بتزوير استقالته من عضوية مجلس النواب، وهو ما دفع المحكمة لإنهاء عضوية كل من الحلبوسي والدليمي.
ومع انقضاء أكثر من أسبوعين على إقالة الحلبوسي، تتداول وسائل الإعلام المحلية العديد من الأسماء لتولي المنصب الذي دائما ما يذهب وفق العرف السياسي المتبع منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003 للمكون السني.
أسماء عديدة
ويتم تناول أسماء العديد من النواب السنة لشغل منصب رئاسة البرلمان، ومن بينهم سالم مطر العيساوي وشعلان الكريم وعبد الكريم عبطان ومحمود المشهداني إضافة لمزاحم الخياط.
ويؤكد النائب عارف الحمامي نائب رئيس كتلة ائتلاف “دولة القانون” بالبرلمان صحة الأسماء المتداولة إعلاميا لشغل المنصب، مشيرا إلى أن الشخصية الأوفر حظا لابد أن ينطبق عليها معياران اثنان: أولهما من يتم رفع اسمه من قبل الكتل البرلمانية للمكون السني، وحصول هذه الشخصية على التصويت البرلماني اللازم لاستحقاق المنصب.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير الحمامي إلى أنه ما لم ترفع الكتل البرلمانية السنية قائمة بالأسماء المتفق عليها، وهو ما لم يحدث حتى الآن، فإن اختيار رئيس مجلس النواب سيظل معلقا، مضيفا “جميع الشخصيات المتداولة محترمة ولدينا تجارب عملية معهم في اللجان النيابية، إلا أنه لا يمكن التنبؤ بأي منها، حيث يعتمد ذلك على مدى قبول هذه الشخصية داخل المكون السني”.
على الجانب الآخر، يقول الدكتور سيف السعدي، الباحث السياسي المقرب من حزب “تقدم” الذي يتزعمه الحلبوسي “تقدم الذي يمتلك 43 نائبا في البرلمان لم يتوصل حتى الآن لاختيار مرشح بديل للحلبوسي”.
وأوضح السعدي أن العديد من نواب “تقدم” رفضوا الترشح لمنصب رئاسة البرلمان، ومن بينهم النائب عبطان، وأن طرح هذه الأسماء لا يخرج عن كونه للاستهلاك الإعلامي ولحرق هذه الأسماء، بحسب تعبيره.
وفي حديثه للجزيرة نت، كشف السعدي أن تحالف “القيادة” الذي يضم “تقدم” و”السيادة” بزعامة خميس الخنجر يمتلك 62 نائبا بالبرلمان، مبينا أن الطرفين اتفقا على تخويل الحلبوسي والخنجر لاختيار شخصية مرشحة للمنصب.
بدوره، يقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري إنه “في ظل سياسة الاستحواذ التي يمارسها تحالف الإطار التنسيقي، فإنه يحاول قدر المستطاع الدفع باتجاه أن تكون رئاسة البرلمان من نصيب تحالف العزم الذي يتزعمه مثنى السامرائي”.
ويبرر الشمري توقعاته بأن الإطار التنسيقي لا يزال يستذكر تحالفه مع تحالف “العزم” وتشكيل الثلث المعطل قبيل تشكيل حكومة محمد شياع السوداني في أكتوبر/تشرين الأول 2022، مضيفا “لا بد من الأخذ بنظر الاعتبار أن محاولة تقليص نفوذ حزب “تقدم” تعد إحدى أهم الإستراتيجيات التي يعمل عليها خصوم الحلبوسي”.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح الشمري -الذي يشغل منصب أستاذ السياسات العامة بجامعة بغداد- أن حظوظ المشهداني النائب عن تحالف “عزم” باتت أكبر من ذي قبل، لا سيما أن الإطار التنسيقي أبدى مواقف تؤيد ترشيحه للمنصب.
وأشار إلى أن هذه التكهنات لا تنفي إمكانية ذهاب حزب “السيادة” بزعامة الخنجر لتحالف سريع مع الإطار التنسيقي لإيصال مرشحه العيساوي للمنصب، وهو ما يعني بالمجمل أن اختيار منصب رئاسة البرلمان لن يمر دون المرور من بوابة الإطار التنسيقي، حسب قوله.
تأجيل الاستحقاق
وبالتزامن مع الحديث عن الخليفة المحتمل للحلبوسي، كشف السعدي أن استحقاق انتخاب رئيس مجلس النواب قد تم الاتفاق على تأجيله ضمن تحالف “القيادة” إلى ما بعد موعد عقد الانتخابات المحلية التي ستجري في 18 ديسمبر/كانون الأول القادم، بما يعني أن أي انتخاب لرئاسة المجلس لن يتم قبل نهاية العطلة التشريعية للبرلمان في 9 يناير/كانون الثاني القادم.
واعتبر السعدي أن قرار تحالف “القيادة” بتأجيل هذا الاستحقاق، يأتي انطلاقا من العمل على وأد الخلافات السياسية داخل المكون السني تزامنا مع الانتخابات المحلية القادمة، موضحا في الوقت ذاته أن نتائج الانتخابات المحلية للمحافظات ذات الثقل للمكون السني سيكون لها تأثير في انتخاب رئيس البرلمان.
ويذهب بهذا الاتجاه أستاذ العلوم السياسية في جامعة جيهان بأربيل الدكتور مهند الجنابي الذي يرى أن هناك مؤشرات على أن انتخاب رئيس مجلس النواب قد تم تأجيله لما بعد الانتخابات المحلية، مع استمرار الحوارات حول تكريس المحاصصة التي نتجت عنها الحكومة الحالية ضمن تحالف “إدارة الدولة”.
ويرى الجنابي أنه من المرجح تصاعد الخلاف داخل البيت السني حول التحالف الذي سيفوز بالمنصب ما بين تحالف “القيادة” من جهة وتحالف “عزم” السني الذي يتزعمه النائب السامرائي.
وقد لا يقف الأمر عند ذلك -يتابع الجنابي في حديثه للجزيرة نت- فالحلبوسي ما زال يخوض “معركة قانونية ودستورية” من الممكن أن ينتج عنها معطيات جديدة أمام القضاء، والتي إن نجحت قد تكون مبررا للمحكمة الاتحادية للعدول عن قرارها بإقالته من المنصب، معتبرا أن تأخير حسم المرشح البديل يصب في مصلحة حزب “تقدم” وفق قوله.