القدس المحتلة- تأتي زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل في أوج العدوان الذي تشنه على قطاع غزة، وتحمل في طياتها عديدا من الرسائل، لعل أبرزها مؤشرات تحذيرية لأي محاولة لمهاجمة إسرائيل وفتح جبهات جديدة، وكذلك استعداد واشنطن للدفاع عن إسرائيل في حال لزم الأمر.
وعكست زيارة الرئيس الأميركي وما حملت من رسائل مبطنة عدم ثقة البيت الأبيض بقدرة الحكومة الإسرائيلية على اتخاذ قرارات تتناغم وسياسات واشنطن، خصوصا في فترة الحرب.
رسائل دعم
وفي اجتماعه المتلفز مع أعضاء “كابينت الحرب” في حكومة الطوارئ الإسرائيلية، التي تضم قادة “التحالف الوطني” بيني غانتس وغادي آينزكوت، أثنى بايدن على الحاضرين وخاطب الإسرائيليين قائلا “أنتم لستم وحدكم”، كما أشار إلى العلاقة العميقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل منذ 75 عاما.
ومنذ بدء معركة “طوفان الأقصى”، أعرب أعضاء الائتلاف الحكومي والوزراء عن رغبتهم في إعادة احتلال قطاع غزة، بيد أن التصريحات لم تمر مرور الكرام على الرئيس الأميركي، إذ وجه تحذيرا صريحا إلى إسرائيل وحكومة نتنياهو، قائلا فيه “أعتقد أن احتلال غزة سيكون خطأ كبيرا”.
ويدرك بايدن جيدا أن أي تصعيد في إسرائيل سيستلزم توظيف استثمارات أميركية أكبر، وقد يأتي هذا على حساب المساعدات المقدمة لأوكرانيا، خاصة عندما يبدأ الحزب الجمهوري بالتشكيك في هذه الحاجة، إذ تتعزز التقديرات في واشنطن أن زيارة بايدن إلى إسرائيل تهدف إلى التأكد من أن تل أبيب لن تستغل هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لإعادة احتلال قطاع غزة.
تجنب حرب إقليمية
وفي قراءة لمعاني ودلالات تصريحات الرئيس الأميركي الداعمة لإسرائيل، يقول الصحفي في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية نتنئيل شلوموفيتش إنه إلى جانب الكلمات الجميلة، فإن رسالة بايدن هي أن “إسرائيل ليس لديها مطلق الحرية في التصرف كما يحلو لها في الشرق الأوسط”.
وإلى جانب الكلمات والتصريحات الداعمة والتضامنية، وحاملات الطائرات التهديدية، وحزمة المساعدات الأمنية التي يتم تحضيرها في واشنطن، فإن بايدن “منزعج وقلق أيضا من حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، التي قد تكون متهورة بسياساتها وتؤدي إلى حرب إقليمية”، حسب شلوموفيتش.
ويعتقد الصحفي الإسرائيلي أن حربا واسعة النطاق في الشرق الأوسط هي من بين أكبر مخاوف الرئيس الأميركي، الذي فضل استثمار وقته في أوروبا وشرق آسيا، حيث تأتي روسيا والصين على رأس قائمة التهديدات التي تضعها إدارة واشنطن، وعليه قد يكون بايدن شريكا بمقود قرارات وسير الحرب، بوضع جدول وسقف زمني لنتنياهو.
وعزز شلوموفيتش الاعتقاد الذي يشير إلى أن الإدارة الأميركية قررت عدم وضع إدارة الحرب على غزة بأيدي حكومة نتنياهو الحالية، وأن بايدن قد يقود من وراء الكواليس سير الحرب، وأنه صاحب القول الفصل.
واستذكر الصحفي الإسرائيلي ما حدث قبل عامين في عملية “سيف القدس”، التي استمرت 11 يوما، حين تدخل بايدن بكامل القوة، وفرض على الحكومة الإسرائيلية حينها وقف إطلاق النار.
ورجح أن بايدن الذي حط بإسرائيل في اليوم الـ12 من الحرب على غزة، قدم الدعم لاستمرار القتال، لكن تحت سقف زمني محدد، بحيث إن زيارته لم تمنع الاجتياح البري لغزة، وإنما أتت لتحديد إطار الحرب على جبهة غزة، والحصول على ضمانات من إسرائيل بعدم توسعها إلى جبهات أخرى، ومن ضمنها الجبهة اللبنانية.
شريك بالحرب
وفي الجانب العسكري، تحمل زيارة بايدن إلى إسرائيل خلال الحرب رسائل مفادها أن أميركا مستعدة للدفاع عسكريا عن إسرائيل، حسب المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” تسفي هرئيل، الذي يعتبر أن “زيارة الرئيس الأميركي إلى إسرائيل، بينما إسرائيل في حالة حرب، حدث لم نشهده من قبل”.
وأوضح المحلل العسكري أن الحضور غير المسبوق لوزير الخارجية أنتوني بلينكن في جلسة “كابينت الحرب” في مقر رئاسة الأركان ووزارة الأمن الإسرائيلية بتل أبيب يشير إلى أن الولايات المتحدة شريك كامل في إدارة الحرب مع الجانب الإسرائيلي، مع الامتناع عن إشعال جبهات أخرى مع حزب الله، أو المليشيات المدعومة من إيران بسوريا.
ويعتقد أن زيارة بايدن، إلى جانب الدعم الأميركي العسكري ورصد مساعدة أولية بقيمة 10 مليارات دولار، تعكس مدى قلق الأميركيين بشأن ما قد يحدث من تطورات في سير الحرب على جبهة غزة، وكيف يستخدمون قوتهم الكاملة لمساعدة إسرائيل في حربها على غزة، وردع كل من يهدد بالتدخل في الحرب وتحويلها إلى مواجهة إقليمية.
ورجح أن بايدن الذي طالب إسرائيل بعدم احتلال غزة وعدم فتح جبهة مع لبنان، ضمن إجراءات استباقية لمنع سيناريو حرب إقليمية، قد دأب على تشكيل حلف غربي داعم لإسرائيل، إذ شجع زيارات زعماء أوروبيين إلى تل أبيب وقت الحرب، لردع إيران وحزب الله عن مهاجمة إسرائيل، وتلميح بأن أي سيناريو من هذا القبيل سيقابل برد حازم من أميركا والغرب.
عدم ثقة
وعلى الصعيد الدبلوماسي، قال القنصل الإسرائيلي السابق بنيويورك ألون بينكاس إن زيارة الدعم والتضامن غير المسبوقة من قبل الرئيس بايدن تعكس عدم الثقة بقدرة الحكومة الإسرائيلية -برئاسة نتنياهو- على اتخاذ قرارات في فترة الحرب على وجه الخصوص.
وأوضح بينكاس، في تصريحات لإذاعة “تل أبيب إف إم 103″، أن الإدارة الأميركية التي حشدت أسطولها إلى الشرق الأوسط لردع إيران أو حزب الله عن سيناريو فتح جبهة قتال جديدة على الحدود الشمالية، تخشى أن تؤدي بعض العمليات أو الانسحابات الإسرائيلية إلى الإضرار بالمصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
وخلص للقول إن “الإدارة الأميركية ليست متأكدة أن إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها على جبهتين في الوقت الحالي، وإن واشنطن لم ترسل حاملة طائرات ثم ألفي جندي آخرين وتدفع بمهام لقوات المارينز، وثم حاملة طائرات أخرى على أساس أن كل ذلك موجه ضد حماس، بل إن الحقيقة هي لردع حزب الله وإيران عن القتال إذا لزم الأمر”.