انقلابا النيجر والغابون 2023.. قراءة في الدلالات المحلية والتفاعل الدولي

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

رغم أن منطقة غرب أفريقيا شهدت عددا من الانقلابات، الناجح منها والفاشل، منذ عام 2020، فإن انقلابي النيجر والغابون جعل كتلة كبيرة من الزعماء يتحسسون مواضعهم لتأثيراتهما الكبيرة، التي تجاوزت المنطقة المحلية إلى الإقليمية، وربما هزت القارة بأكملها، فضلا عن التأثيرات الجيوسياسية المرتبطة بالتموضعات الدولية. فما الذي ميّز هذين الانقلابين على مستويات مختلفة؟

فهم السياقات الداخلية

بعد 36 يوما من انقلاب النيجر، وقع انقلاب الغابون -الواقعة وسط القارة السمراء- من داخل جغرافيا غرب أفريقيا، وقد ذهبت تحليلات عديدة في النيجر إلى وصف ما جرى باعتباره استجابة لإنهاء مرحلة تاريخية كبرى بنهاية الاستعمار الفرنسي، لدرجة وصفوها بأنها أكثر أهمية من ثورات الربيع العربي.

ويصف محللون انقلاب الغابون بأنه محاولة الانفصال عن نظام الحكم المرتبط لفترة تجاوزت نصف قرن بأسرة واحدة. ويشترك الانقلابان في الترحيب والتأييد الشعبي الكاسح الذي وجداه، وبالمجمل فإن الذي جرى يفسره الخبراء بأنه تعبير عن ضياع الأمل في التغيير الديمقراطي في أفريقيا.

انقلاب النيجر وتأزيم الإيكواس

على غير سياقات تعامل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) مع أزمات الإقليم، فإن انقلاب النيجر بدا وكأنه يحمل بذور نهاية المنظومة بسبب الأزمة العميقة التي تسبب فيها، وذهب محللون إلى أن الإيكواس لم تبدأ في التعاطي مع الأزمة بالتدرج الذي يقتضيه الواقع والضرورة، ربما بسبب حالة الهلع والاضطراب الذي واجهته المنطقة خوفا من عدوى الانقلابات.

إذ حدثت أزمة عميقة قسمت المجموعة إلى معسكرين، أحدهما يؤيد النيجر وعلى استعداد لخوض الحرب لصالحها، والآخر يصر على التدخل العسكري لإعادة الرئيس المحتجز محمد بازوم.

تشابه واختلاف

بقراءة متعمقة ودراسة لانقلابي النيجر والغابون، يمكن تلخيصهما في عدد من نقاط التشابه والاختلاف:

  • وقع الانقلابان في مستعمرات فرنسية.
  • قادة الحرس الرئاسي كانوا وراء الانقلابين في البلدين.
  • جاء انقلاب النيجر ضد المصالح الغربية، في حين ضمن انقلاب الغابون استمرار المصالح الغربية، وفقا لمحللين.
  • فرضت الإيكواس عقوبات قاسية على النيجر، في وقت لم تفرض فيه مجموعة وسط أفريقيا (سيماك) أي عقوبات على الغابون.
  • بينما أحدث انقلاب النيجر هزة عميقة في المنطقة، لم يكن لانقلاب الغابون التأثير ذاته على دول السيماك.
  • انقلاب النيجر تمّ ضد أول رئيس يتسلم السلطة سلميا من رئيس سابق، في حين تمّ انقلاب الغابون ضد حكم أسرة “بونغو” التي حكمت لما يزيد على نصف قرن من الزمان.
  • الدول الغربية أصرت على عودة الرئيس النيجري محمد بازوم إلى السلطة، بينما لم تفعل ذلك في التعامل مع حالة الغابون.
  • اختلفت سياسة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في التعامل مع النيجر، فبينما تشدد الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الانقلاب، لم تصنف الولايات المتحدة ما جرى بأنه انقلاب إلا بعد مضي شهور عديدة.

صدى الانقلاب

أحدث انقلابا النيجر والغابون هزة عنيفة في المنطقة وعلى مستوى الإقليم، ووضع جميع الدول في حالة من عدم اليقين والخوف من العدوى السريعة، مما دفع بعض القادة لتحسس رؤوسهم، وفتح الاحتمالات على مصراعيها لتدحرج كرة النار نحو الدول المتبقية. ولتدارك الأمر سرعان ما تحرك عدد من القادة بإجراءات سريعة لحماية أنظمتهم.

بعد يوم واحد من استيلاء الجيش على السلطة في الغابون، قام الرئيس بول بيا الذي يحكم الكاميرون منذ 1982، بإجراء تعديلات عاجلة وسريعة في وزارة الدفاع من خلال إقالة عدد من كبار الجنرالات، كما عيّن ضباطا آخرين، في محاولة لسد أي ثغرة يمكن أن تتسبب في الانقلاب عليه.

اتخذ الرئيس الرواندي بول كاغامي في اليوم نفسه الذي تم فيه انقلاب الغابون عددا من الإجراءات، أقال بموجبها 950 جنرالا وضابطا كبيرا، فضلا عن 930 ضابط صف وجنديا، إلى جانب رئيس أركان الجيش الجنرال جميس كابا.

وسرت شائعات مصاحبة لهذه الإجراءات حول الأسباب التي تقف وراءها، فالبعض تحدث عن محاولة انقلابية فاشلة، والبعض الآخر ربط الإجراءات بالخلافات بين رواندا والكونغو الديمقراطية.

بعد أسبوع من انقلاب النيجر، تم إلقاء القبض على مجموعة من ضباط الجيش بتهمة التخطيط للإطاحة بالحكومة بينهم رتب عليا، وذلك باستغلال مظاهرات كان يتم الترتيب لها في تلك الفترة، وأكدت السلطات السيراليونية لاحقا أنهم فعلاً كانوا يخططون للانقلاب على السلطة.

مخاوف الانقلاب في سيراليون والأخبار التي انتشرت، وضعت ليبيريا في حالة استعداد خوفا من حدوث انقلاب، في ظل استعدادات كانت تُجرى لإجراء الانتخابات الرئاسية.

قلق جيوسياسي

أثار انقلاب النيجر قلقا جيوسياسيا على المستوى الدولي بعد أن عرّض منطقة الساحل لبعثرة في أجندتها وخلطا لأوراقها، وأصبح استمرار مجموعة دول الساحل الخمس على المحك بعد هذا الانقلاب، كما أصبح استمرار الإيكواس متماسكة محل شك كبير بسبب الاصطفافات بين أعضائها، وضعف إدارة ملف الانقلابات وكيفية التعاطي معها.

أما على المستوى الدولي، فسنجد أن انقلاب النيجر ضرب كل الاتفاقيات المبرمة مع الاتحاد الأوروبي وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية في مقتل، وذلك عبر إلغاء النيجر امتيازات فرنسا في اليورانيوم، وإلغاء الاتفاقيات العسكرية مع الاتحاد الأوروبي، وإلغاء قانون مكافحة تهريب البشر عبر الصحراء الكبرى.

بالنسبة للولايات المتحدة، لم توقف مساعداتها في البداية وتعاملت ببرغماتية واضحة، ولم تصنف ما جرى في النيجر على أنه انقلاب، ولم يطلب المجلس العسكري خروج قواعدها كما فعل مع فرنسا، والقلق هنا مبعثه خشية تمدد روسيا التي تترقب اللحظة المناسبة في كل من مالي وبوركينا فاسو المجاورة، مما يثير قلقا كبيرا لدى الغرب، فضلاً عن مخاوف تمدد الجماعات المسلحة التي تتوالد بشكل مخيف في منطقة غرب أفريقيا خاصة.

نهاية مرحلة وبداية أخرى

وصف الكاتب ريتشارد بوبلاك في صحيفة “غلوبال آند ميل” ما يجري في أفريقيا بأنه “نهاية لمرحلة كبرى وبداية لمرحلة جديدة، خاصة فيما يخص فرنسا ووجودها التاريخي في أفريقيا”، في حين ذهب آخرون لوصف ما جرى في البلدين بأنه يسلط الأضواء على القضية المتعلقة بالسيادة الوطنية والحق في تقرير المصير في أفريقيا.

ما بين الرغبة في الاستقلال الحقيقي، والاستجابة لضرورات ودواعي الأمن الجماعي، وتداخلات مصالح الفاعلين الدوليين، تظل تطلعات الشعوب الأفريقية في الاستقرار والتنمية والازدهار على المحك، بين ما قد تشهده من مزيد من التداعي، وما قد يُعد مخاض ميلاد جديد.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *