انتقادات حادة.. ماكرون يحتفل بعيد يهودي في الإليزيه

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 5 دقيقة للقراءة

باريس- عشية اليوم الوطني للعلمانية الذي تحتفل به فرنسا بموجب قانون عام 1905 الذي يفصل بين الكنيسة والدولة، أحدث رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون فجوة كبيرة بين هذه الذكرى السنوية وممارستها على أرض الواقع.

ففي مساء الخميس، أُضيئت شمعة عيد الأنوار اليهودي (الحانوكا بالعبرية) في قاعة الاستقبال بقصر الإليزيه “تخليدا لذكرى الإسرائيليين” الذين قُتلوا خلال عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وبينما نددت الأصوات المعارضة بخطأ رئيس الدولة السياسي، قال ماكرون، الجمعة، إن تقديمه “لفتة دينية” أو المشاركة في احتفال “لا يعني عدم احترام العلمانية”.

وفي أمسية دينية غير مسبوقة وتحدُث لأول مرة في تاريخ الجمهورية، تسلم الرئيس الفرنسي جائزة اللورد جاكوبوفيتس السنوية من مؤتمر الحاخامات الأوروبيين (CER)، التي تلقتها المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عام 2013، “تحية لعمله ضد معاداة السامية”.

وقت غير مناسب

ولتكتمل مشاهد الاحتفال، أضاء الحاخام الأكبر لفرنسا حاييم كورسيا، الشمعة الأولى في شمعدان عيد الأنوار اليهودي الذي يستمر 8 أيام.

يرى الكاتب والمحلل السياسي جان بيير بيران، أن الوقت لم يكن مناسبا للقيام باحتفال كهذا، علما أن “مبدأ الفصل بين الدين والسياسة في فرنسا أمر مقدس للغاية ولا يجب المساس به ولا يقبل الاستثناءات مهما كانت الظروف”، على حد تعبيره.

ولا تُعتبر هذه المرة الأولى التي تُنتقد فيها خيارات ماكرون، فقد اتُّهم سابقا بإهدار فرصة الاحتفال بالنضال ضد معاداة السامية في المسيرة التي نُظمت في باريس في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وفي هذا السياق، أشار لوبان -في حديثه للجزيرة نت- إلى أنه كان من الأولى للرئيس المشاركة في المسيرة المناهضة لمعاداة السامية بدل “الاعتداء والهجوم” على حق الدولة في الحياد والعلمانية، واصفا سلوكه بأنه “غير صحيح ويكسر الحدود”.

ورغم محاولته قراءة تصرف ماكرون بصفاء نية وإظهار الدعم للجالية اليهودية، فإن المحلل السياسي أكد أن صور الاحتفال في الإليزيه “لن تريح المجتمع اليهودي في فرنسا ولن تغير أي شيء. بل على النقيض من ذلك، قد يزيد الاستياء المعادي لليهود ويجعل الأوضاع أسوأ مما هي عليه”.

انتقادات لاذعة

وقد قوبل الاحتفال بطقوس الشموع داخل القصر الرئاسي وسط الحاخامات وأغانيهم، بانتقادات لاذعة من مختلف الأطياف السياسية لعدم موافقته مع قانون 1905 الذي يُعتبر النص التأسيسي للعلمانية في البلاد، وينص على أن “الجمهورية لا تعترف بأي دين أو تستخدمه أو تدعمه”.

واعتبر نائب رئيس الجمهوريين جوليان أوبير في تغريدة على منصة “إكس” أن دور الرئيس في دولة علمانية يقتصر على “الدفاع عن المواطنين الإسرائيليين ضد الهجمات، وليس الاحتفال بدينهم في الإليزيه”، متسائلا “هل يمكننا تخيل قداس عيد الميلاد أو العيد -في إشارة إلى عيدي الأضحى أو الفطر- في الإليزيه؟”.

من جانبها، هاجمت النائبة عن حزب “فرنسا الأبية” إرسيليا سوديس، الرئيس الفرنسي بالقول إن “إيمانويل ماكرون متورط مرة أخرى في مهاجمة العلمانية”، مضيفة “بدلا من إقامة قداس في الإليزيه، اصرخوا بصوت عالٍ وواضح: وقف فوري لإطلاق النار”.

وحاول بعض أنصار الرئيس الفرنسي الدفاع عنه مثل وزير الداخلية جيرالد دارمانان الذي قال إن “العلمانية ليست إنكار الأديان. لقد رافقت الرئيس إلى المساجد والمعابد اليهودية والكنائس عدة مرات”.

واعتبرت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، أن الاحتفال كان بمثابة “إشارة” دعم أرسلها الرئيس إلى الطائفة اليهودية في مواجهة “تصاعد معاداة السامية”، رافضة أي جدل حول الابتعاد عن مبدأ العلمانية.

من جهة أخرى، كانت ردود الفعل من اليمين واليمين المتطرف أقل هجوما وانتقدوا بشكل خاص “محاولة ماكرون التعويض عن غيابه خلال المسيرة ضد معاداة السامية”.

“خطأ فادح”

ورغم تغير مواقف فرنسا لتكون متوازنة أكثر مما كانت عليه في البداية تجاه الحرب على قطاع غزة، يرى المحلل السياسي بيران أن الاحتفال بالعيد اليهودي “يقلب الأوراق ويجعلنا نميل إلى الخلط بين اليهودية وإسرائيل”.

وعلى عكس كل التوقعات، لم تنل مبادرة ماكرون رضا واستحسان المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (كريف) الذي انضم إلى حزب المنتقدين بشدة، حيث قال رئيس المجلس يوناثان عرفي، إن الاحتفال كان “خطأ”.

وأضاف “ليس هذا هو المكان المناسب داخل الإليزيه لإضاءة شمعة “حانوكا” لأن الحمض النووي للجمهورية يتمثل في الابتعاد عن أي شيء ديني”.

ومعربا عن دهشته خلال مقابلة على إذاعة محلية، أوضح عرفي أنه “لطالما اعتبر اليهود الفرنسيون العلمانية بمثابة قانون الحماية والحرية. وكل ما يُضعف العلمانية يُضعفهم”.

بدوره، يوافق بيران -في تصريحه للجزيرة نت- هذا الرأي “لأن تصرف ماكرون خطأ سياسي فادح، والأسوأ من ذلك أنه غير مدرك لهذا الخطأ لأنه كعادته لا يستمع إلى أي شخص من حوله خلال ولايته الثانية”.

وتابع “لست متأكدا ما إذا كانت هناك دوافع أو حسابات سياسية وراء ذلك، ولكن ربما لا يكون الأمر كذلك. ففي بعض الأحيان ـ كسياسيين- يتعين علينا أن نكون قادرين على التأليف”.

واعتبر بيران أن أكبر فشل سياسي اقترفه الرئيس الفرنسي هو اقتراحه السابق “إنشاء تحالف دولي لمحاربة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *