القدس المحتلة- على بعد ساعات من فتح صناديق الاقتراع لانتخابات البلديات والمجالس المحلية في إسرائيل المقررة الثلاثاء، تتجه الأنظار إلى بلدية القدس وبرامجها تجاه المدينة.
ويحتدم النقاش -كما قبيل كل جولة انتخابية- حول مشاركة المقدسيين فيها من النواحي الشرعية والشعبية والوطنية، إذ بات من المتعارف عليه أن الفلسطينيين في المدينة يقاطعون هذه الانتخابات، ولم تتجاوز نسبة اقتراعهم في أفضل حالاتها حاجز 2% من بين 250 ألفا يحق لهم التصويت.
في حوار أجراه موقع “واي نت” التابع لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية مع المرشحين الثلاثة لمنصب رئيس بلدية الاحتلال في القدس، قال رئيس البلدية الحالي موشيه ليون عن إنجازاته في الفترة الماضية “تمكنا من مضاعفة معدل منح تراخيص البناء 3 مرات، ونعمل على توفير الشقق في المدينة بجميع الأحجام ومستويات الأسعار”.
هذه التصريحات يقابلها على أرض الواقع المزيد من التضييق على البناء الفلسطيني في أحياء شرقي القدس، بالإضافة إلى المزيد من عمليات الهدم، إذ أشارت معطيات رسمية فلسطينية إلى أنه نُفذت بمحافظة القدس 292 عملية هدم خلال 2023، بينها 73 منشأة اضطر أصحابها إلى هدمها بأيديهم تجنبا لتكاليف باهظة تفرضها البلدية إن هي نفذت الهدم.
وبالتالي فإن مضاعفة معدل منح تراخيص البناء 3 مرات التي يتحدث عنها ليون تتعلق ببناء الوحدات السكنية الخاصة بالأحياء الاستيطانية، بالإضافة إلى فتات لا يذكر من التراخيص لصالح المقدسيين الذين علقت ملفاتهم وتوقف العمل بها في دوائر البلدية المختلفة منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
احتواء وتضييق
ويتبع رئيس البلدية الحالي سياسة التغلغل الناعم بالمقدسيين بدلا من سياسة القبضة الحديدية التي اتبعها رئيس بلدية الاحتلال السابق نير بركات، ويحاول ليون “احتواء” المقدسيين عبر دمجهم في المؤسسات وسوق العمل الإسرائيلية، خاصة صناعة التكنولوجيا عالية الدقة وإنشاء شركات ناشئة.
وبلغ مجموع الميزانيات المرصودة لقطاع التوظيف والتنمية الاقتصادية لشرقي القدس في “الخطة الخمسية 2024-2028” 506 ملايين شيكل (139 مليون دولار) من أصل 3.2 مليارات شيكل (نحو 844 مليار دولار).
وفي مقال نُشر على موقع “زمان إسرائيل” الإخباري بعنوان “فوز موشيه ليون مضمون.. المستقبل الصعب للمدينة مضمون أيضا”، كتب شالوم يروشالمي إنه على عكس رؤساء البلديات الآخرين، لم يتدخل ليون أبدا في القضايا الوطنية والسياسية التي تتعلق بالمكانة الدولية للقدس.
وأضاف الكاتب الإسرائيلي في مقاله أن “أداء ليون ومساهمته في القدس محل نزاع وسيتم الحكم عليهما”، موضحا أنه “تجنب أكثر الحرائق المتفجرة في المدينة (..) فلم يصعد ليون قط إلى جبل الهيكل (الأقصى) ولم يعبر عن رأيه بشأن عدد المسلمين الذين يجب أن يكونوا هناك في شهر رمضان، حتى لا يثير الجدل حول مواقفه مهما كانت”، وقرر أن يطلق على نفسه في الانتخابات لقب “الرجل الذي يعتني بالجميع”.
ويضم مجلس بلدية القدس 31 عضوا، 15 منهم ينتمون اليوم للأحزاب الحريدية، وهذا يعني وفقا لموقع “زمان إسرائيل” السيطرة على لجان التخطيط والبناء والمالية والتعليم وجميع اللجان الأخرى، وسيشجع ذلك على الهجرة السلبية للعلمانيين.
أسرلة وتهويد
المرشح العلماني “يوسي هافيليو” رئيس “اتحاد القدس” قال لموقع “واي نت”: “حافظنا على مدينة القدس عاصمة لإسرائيل ويجب الحفاظ على طابعها الإسرائيلي والدولي والليبرالي، وبهذه الطريقة فقط ستتمكن بلدية القدس من الاهتمام بكافة سكانها، لن نقوم بإقصاء أحد بشرط قبولهم بالقدس مدينة إسرائيلية ليبرالية ونبذ العنصرية والجهل والكراهية”.
حاييم إبستين مرشح آخر لرئاسة البلدية قال لـ”واي نت” عندما سُئل عن القضية الأكثر إلحاحا في القدس “دخول المسلمين إلى الحرم القدسي في رمضان.. بالله عليكم امنعوا صعود اليهود إلى جبل الهيكل فهو المادة المتفجرة الحقيقية في المدينة خاصة أن الشريعة اليهودية تحظر ذلك”.
وتطرق موقع “زمان إسرائيل” إلى وجود قائمة يمينية متطرفة برئاسة نائب رئيس البلدية أرييه كينغ يدعمها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وأنه من الممكن الرهان على زيادة قوة بن غفير وكينغ في مجلس المدينة “مع انخفاض الشعور بالأمن الشخصي والنجاح في الحرب على الإرهاب”، وفق تعبيرهما.
ويصوت الناخبون في الانتخابات البلدية في صندوقين، أحدهما لاختيار رئيس البلدية وآخر لاختيار رئيس وأعضاء المجلس ضمن قوائم، وفي حالة حصول قائمة على أغلبية يكون رئيسها رئيس المجلس البلدي.
ولا يخفي كينغ في دعايته الانتخابية أنه يريد “الحفاظ على الأغلبية اليهودية في القدس”، وكتب على صفحته في موقع فيسبوك “في نهاية الشهر ستتاح لك الفرصة لتحديد طابع وهوية القدس للسنوات الخمس القادمة، أود أن أعرف ما الأهم بالنسبة لك: الحرص على سلامة السكان أم خفض أسعار المساكن أم خلق فرص عمل أم الحفاظ على الأغلبية اليهودية في القدس؟”.
وكثف كينغ مؤخرا من حملاته التحريضية على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” في القدس، وعلى صوت الأذان الذي تصدح به مساجد المدينة، كما حرض على المقدسيين قائلا “يجب أن ندرك أن عرب القدس كعرب غزة مكونين من إسلاميين متطرفين وأقلية مسيحية وأغلبية صامتة تدعم الإرهاب بهدوء.. يجب طرد هؤلاء الإرهابيين الملعونين وعائلاتهم من إسرائيل”.
خطأ وجريمة
من جهتها تسعى الشابة العربية سندس الحوت -رغم معارضة المقدسيين الشديدة- إلى دخول المجلس البلدي تحت شعار “كل سكانها”، وتقول إنها تريد تحقيق المساواة والعدالة للسكان المقدسيين، وهو ما رد عليه الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات -في حديثه للجزيرة نت- قائلا إن القدس مدينة محتلة وفق القانون الدولي، لذلك فإن أي تفضيل للجانب المطلبي على الجانب السياسي يعدّ خطأ كبيرا وجريمة”.
وأضاف أن كل فلسطيني أو مقدسي يترشح أو ينتخب فإنه يعترف بأن القدس عاصمة لدولة الاحتلال ويكسر قرارات الشرعية الدولية.
وأضاف عبيدات أن كل رؤساء بلدية الاحتلال في القدس يهدفون إلى تحويلها لمدينة يهودية، لإحكام السيطرة عليها وممارسة مزيد من الضغط والطرد والتهجير للمقدسيين عبر توسيع الاستيطان وتنفيذ مزيد من عمليات الهدم والتضييق على كل تفاصيل الحياة اليومية.
يذكر أن مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين أصدر فتوى بتحريم المشاركة أو الترشح لانتخابات بلدية الاحتلال في القدس، لأن ذلك يعد مخالفة واضحة وصريحة للشرع والإجماع الوطني الرافض لهذه المشاركة، ولأن البلدية تعد ذراع سلطات الاحتلال في تنفيذ المشاريع الاستيطانية والتهويدية في المدينة، وتضييق سبل عيش المواطنين.