الموقف الأميركي من تقدم المعارضة السورية بحلب وحماة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

واشنطن- بينما صبّت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن جهودها الدبلوماسية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على إنجاز اتفاق وقف إطلاق نار بين حزب الله وإسرائيل، انهارت فجأة خطوط الصراع المجمد في سوريا منذ مارس/آذار 2020، مع شن المعارضة المسلحة هجوما مفاجئا غرب مدينة حلب منهية استقرار التفاهمات الأمنية التي باركتها روسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة.

وأصدر البيت الأبيض بيانين، الأول يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وجاء فيه أن واشنطن تراقب الوضع في سوريا عن كثب. وألقى بمسؤولية تدهور الأوضاع على الرئيس بشار الأسد لرفضه المتواصل المشاركة في العملية السياسية الموضحة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 واعتماده التام على موسكو وطهران.

وأكد البيان “عدم وجود أي علاقة لواشنطن بهذا الهجوم الذي تقوده هيئة تحرير الشام، وهي المنظمة التي توجد ضمن قائمة المنظمات الإرهابية لوزارة الخارجية الأميركية”. ووعد “بالدفاع عن الجنود الأميركيين والمواقع العسكرية الأميركية وحمايتها بشكل كامل لضمان عدم عودة تنظيم داعش للظهور في سوريا مرة أخرى”.

حاجة ملحة

وبعد يوم واحد، أصدرت واشنطن بيانا آخر بمشاركة حكومات فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، حث “جميع الأطراف على وقف التصعيد وحماية المدنيين والبنية التحتية لمنع المزيد من النزوح وتوقف وصول المساعدات الإنسانية. مع التأكيد على الحاجة الملحة إلى حل سياسي للصراع بما يتماشى مع القرار رقم 2254”.

ومنذ عام 2011، أدى الصراع بين الجيش السوري وقوات المعارضة إلى نزوح قرابة نصف سكان سوريا وقتل أكثر من 500 ألف شخص. في الوقت ذاته، يوجد -عسكريا- 5 دول داخل الأراضي السورية، أو تحتفظ بقوات فيها وهي روسيا وتركيا وإيران وإسرائيل والولايات المتحدة.

في أعقاب هجمات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وبدء العدوان على قطاع غزة، هاجمت جماعات مدعومة من إيران القواعد العسكرية الأميركية في سوريا والعراق والأردن، مما دفع واشنطن إلى شن ضربات مقابلة.

ويقدّر عدد القوات الأميركية بـ800 جندي للقيام بعمليات ضد تنظيم الدولة ودعم القوات الشريكة لواشنطن. وينتشر معظمها في شمال شرق سوريا لدعم قوات سوريا الديمقراطية. كما يدعم بعضها الجيش السوري الحر في منطقة التنف في جنوب شرق البلاد، على طول طريق عبور بين العراق وسوريا يستخدمه كل من مقاتلي داعش والجماعات المدعومة من إيران.

ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، شن الجيش الأميركي ضربات على منشآت في شرق سوريا مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني والجماعات التابعة له ردا على استهداف القوات الأميركية في سوريا والعراق.

تسوية سياسية

وتدعم الولايات المتحدة التوصل إلى تسوية سياسية للصراع السوري وفقا لقرار مجلس الأمن وتسعى إلى القضاء التام على تنظيم الدولة واحتواء فلوله ومعتقليه الذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف. كما يعمل صانعو السياسة الأميركيون على إدارة التحديات التي تمثلها القوات الروسية والتركية والإيرانية.

وطبقا لدراسة أصدرها “مركز خدمة أبحاث الكونغرس” في يوليو/تموز الماضي، حددت إدارة بايدن 4 أولويات فيما وُصف بسعيها إلى تسوية سياسية للنزاع السوري على النحو التالي:

  • الحفاظ على الوجود الأميركي العسكري والتحالف ضد “داعش”.
  • دعم وقف إطلاق النار بين مختلف فصائل المعارضة والحكومة السورية.
  • توسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية.
  • الضغط من أجل المساءلة واحترام القانون الدولي من خلال فرض عقوبات محددة على الرئيس الأسد وبعض فصائل المعارضة المسلحة.

وعلى موقع مجلس العلاقات الخارجية، حلل خبير السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط ستيفن كوك موقف واشنطن من القتال في سوريا، وقال إنه “من الواضح أن المعارضة المسلحة قد استفادت من حقيقة أن إسرائيل ألحقت أضرارا كبيرة بما يسمى محور المقاومة الإيراني، وخاصة حزب الله”.

وأضاف أن “ضعف الحزب وتشتت موسكو بسبب قتالها في أوكرانيا يجعلان من الصعب الدفاع عن نظام الأسد. هذا لا يعني أن حزب الله أو الروس لن يساعدوا. كلاهما مستثمر بعمق في سوريا، لكنهما لا يمتلكان القوات التي كانت لديهما في عامي 2015 و2016 والتي استخدمت لسحق التمرد”.

ووفق كوك، فإن “استيلاء المتمردين على حلب ومناطق أخرى لن يغير طبيعة مهمة القوات الأميركية داخل سوريا. إلا أن السؤال يبقى مفتوحا عما إذا كانت ستبقى بعد تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب في 20 يناير/كانون الثاني المقبل”.

صمت كبير

وخلال فترة ولايته الأولى، تعهد ترامب مرتين بسحب تلك القوات، ولكن تحت ضغط من المستشارين اختار إعادة نشر بعضها. وتماشيا مع نظرته للعالم ومبدأ “أميركا أولا”، قد يختار هذه المرة سحبها بغض النظر عن الوضع في سوريا التي لا تشكل حاليا تهديدا للأميركيين أو الأراضي الأميركية.

في حين عدّت ناتاشا هول، خبيرة شؤون الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، رد الولايات المتحدة صمتا كبيرا. واعتبرت أن “الفشل في الاستفادة من هذه اللحظة غير المسبوقة سيكون خسارة كبيرة للمصالح الأميركية وأن الانخراط فيها قد يكون فرصة للحد من سلوك النظام القمعي وأنشطته المزعزعة للاستقرار وتشجيع عودة اللاجئين”.

وعن إستراتيجية واشنطن على المدى القريب، ترى ناتاشا أنه يجب على الولايات المتحدة العمل مع تركيا لحماية المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وطرق إمداداتها. كما يمكنها أن تستغل هذه اللحظة لتأمين صفقة مقبولة لروسيا وأنقرة و”إجبار النظام على إطلاق سراح المعتقلين وحماية العائدين، والضغط على المتمردين للاعتدال”.

وحذرت من أن “الفشل في الانخراط بشكل بناء يسمح للخصوم بتشكيل سوريا وفقا لمصالحهم على حساب واشنطن والشعب السوري”.

من جانبه، حذر روبرت ساتلوف، مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في تغريدة على منصة إكس، من “دعوات إقليمية لإدارة بايدن بتخفيف تشددها مع نظام الأسد”، آملا في تحول دمشق تجاه الدول العربية الحليفة لواشنطن “بدلا من اعتمادها الكلي على إيران”. وقال ساتلوف إن “الأسد لم يفعل أي شيء لكسب هذا التخفيف، ولا ينبغي مكافأته في هذه الظروف”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *