باريس- تتسارع الأخبار بشأن العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة الذي دخل يومه الـ 65، وبين كل العناوين والأرقام التي تقدمها النشرات، يبقى أطفال غزة في مقدمة ضحايا قصف الاحتلال.
وبينما تتفاقم الأزمة الإنسانية مع مرور الوقت، أشارت المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” ألكسندرا ميردوش لضرورة وصول آمن وغير مشروط للمساعدات بكل أنحاء القطاع لتوفير احتياجات الأطفال والمدنيين.
وقالت ميردوش -في حديثها للجزيرة نت- إن أطفال هذا القطاع المحاصر يعانون من نفاد المياه النظيفة، وغياب وسائل العلاج اللازمة لحمايتهم من شبح الموت الوشيك جراء انتشار الأمراض.
كما أكدت المتحدثة باسم المنظمة الدولية عدم وجود أي مكان آمن في القطاع، على عكس ما يدعيه الجيش الإسرائيلي، أو تدابير الحماية الضرورية لتلبية احتياجات كل الشعب الفلسطيني. وفي ما يلي نص الحوار الذي أجرته معها الجزيرة نت.
-
ما الدور الذي تقوم به اليونيسيف حالياً لإنهاء معاناة أطفال غزة؟ وهل عمل المنظمات الدولية كافٍ لسد الاحتياجات الأساسية لسكان هذا القطاع المحاصر؟
تعمل اليونيسيف على مدار الساعة مع مختلف الأطراف والدول المعنية بهذا الشأن، وقد أطلعت المديرة التنفيذية للمنظمة كاثرين راسل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار لدواعٍ إنسانية.
كما دعت كل الجهات إلى الالتزام بالقرار 2712 الذي يدعو إلى إقامة هدن وممرات إنسانية، لتوفير وصول آمن وغير مشروط للمساعدات الإنسانية إلى كل قطاع غزة، من جنوبه إلى شماله.
ومن جهتنا، نؤكد على الدول ذات الصلة ضرورة الدخول الفوري للإمدادات اللازمة للنقل بالشاحنات بما في ذلك الوقود، وتحلية وضخ المياه وإنتاج الدقيق.
كما توجد منظمتنا في الميدان من خلال فرق تعمل في ظروف معقدة وخطرة للغاية، لتقديم المساعدة الممكنة لإنقاذ حياة الأطفال وأسرهم، مثل المياه والغذاء والإمدادات الطبية ومستلزمات النظافة والملابس الشتوية والبطانيات.
ونعتبر أن القيود والتحديات المفروضة على إيصال هذه المساعدات إلى قطاع غزة حكم إضافي آخر بالإعدام على الأطفال، خاصة وأن الكميات التي يتم إدخالها ليست كافية على الإطلاق مقارنة بمستوى الحاجة.
ومع استمرار القصف ونقص الوقود، أصبح توزيع المساعدات العاجلة بمثابة تحدٍّ يومي يساهم في انهيار النظام الإنساني ودفع السكان نحو حافة اليأس، لا سيما في ظل الضغط الشديد الناجم عن التدابير المفروضة بعد انتهاء الهدنة.
-
هل ستقومون بتدابير تجبرون من خلالها إسرائيل على مراعاة واحترام حقوق الطفل في غزة؟
مما لا شك فيه، ستواصل منظمتنا دق ناقوس الخطر بشأن حقوق أطفال غزة والدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار لاعتباره السبيل الوحيد لضمان عدم قتل المزيد منهم والوصول بأمان إلى المواطنين وتزويدهم بالأساسيات اللازمة للبقاء على قيد الحياة.
ويتمثل دورنا في التأكد من أن العالم يعرف العواقب والالتزامات بموجب القانون الإنساني الدولي، كما نكرر دعوتنا للأطراف المتنازعة إلى الاحترام الفوري والكامل لهذا القانون وقانون حقوق الإنسان، بما في ذلك مبادئ الضرورة والتمييز والحيطة والتناسب.
-
كيف تصفين الوضع الإنساني في غزة بعد مرور شهرين على الحرب؟
نؤكد أن لا مكان آمنا في غزة اليوم، وبكل المقاييس التي يمكنك التفكير فيها، فإن وضع الفلسطينيين المدنيين في القطاع المحاصر كارثي، لقد فقدت العائلات كل ما تملك بالفعل، ونزح 80% من السكان الذين يضطرون إلى الانتقال جنوباً، إلى مساحات صغيرة مكتظة، دون توفر أي من الضروريات التي يحتاجونها للبقاء على قيد الحياة.
ونحن نعي الخطر المميت على الأطفال نتيجة غياب ونفاد المياه النظيفة الآمنة، مما يدفعهم إلى شرب المياه القذرة والمالحة والتعرض للإصابة بالأمراض، فضلا عن افتراش الناس أرضيات خرسانية عارية في البرد والعراء، ومعاناة 1.1 مليون طفل في قطاع غزة من انعدام الأمن الغذائي.
وقد أدى الصراع المستمر إلى تفاقم الضغط على النظم الصحية، وحتى فترة ما قبل الحرب، كانت امرأة واحدة من كل 4 حوامل تواجه حالات شديدة الخطورة، حيث كان فقر الدم يؤثر على 25% منهن، وتحدث الولادة المبكرة في 23% من الحالات.
كما أن عمليات خدمات الرعاية الصحية الأولية محدودة التغطية، نظرا لمشاكل الوصول، وهي تعمل بمستويات دون المستوى الأمثل. ومع تعطل خدمات التحصين، أصبح خطر تفشي الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات أمراً وشيكاً.
وتؤدي ندرة المياه والصرف الصحي غير الآمن إلى زيادة خطر الإصابة بالأمراض، وخاصة الإسهال المزمن بين الأطفال، كما أن مياه الآبار الزراعية قليلة الملوحة تعرضهم لمواد كيميائية ضارة ومستوى عالٍ من الملوحة، مما يهدد بشكل خاص صحة الفئات الضعيفة مثل حديثي الولادة والأطفال والنساء.
والواقع أن الفرق الطبية لاحظت ارتفاعا في حالات اضطرابات الجهاز التنفسي الحادة والإسهال والتهاب الكبد الوبائي (أ) بما في ذلك بين الأطفال دون سن الخامسة، وحقيقة أن تصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة في البحر المتوسط يزيد من هذه المخاوف.
وكان ما يقرب من 30 ألف طفل دون سن الخامسة في غزة يعانون من توقف النمو، في حين كان أكثر من 7600 طفل يعانون من الهزال. واليوم، أدى القصف المستمر إلى إيقاف خدمات الوقاية والفحص والعلاج لسوء التغذية المنقذة للحياة، والتي كانت تصل في السابق إلى 340 ألف طفل دون سن الخامسة.
وبالتالي، نتوقع أن معدل هزال الأطفال، وهو أكثر أشكال سوء التغذية التي تهدد حياة الأطفال، سيرتفع خلال الأشهر القليلة المقبلة بنسبة 30% تقريباً. في حين، قد يعاني ما يصل إلى 5 آلاف منهم من الهزال الشديد ويتعرضون إلى فقدان الوزن الخطير وضعف الجهاز المناعي الحاد.
وتعتبر هذه التوقعات متحفظة، لكن كلما طال أمد الحصار ارتفعت احتمالية إثبات هذه الأرقام على أرض الواقع.
-
ما أول الأمور التي أثارت انتباهك عند زيارتك للقطاع؟
أخبرنا الزملاء الذين التقوا الأطفال أن هناك بأشياء لا يمكن وصفها ولا ينبغي لأي طفل أن يتحملها، فهناك من فقد أطرافه، ومن يعاني من حروق من الدرجة الثالثة، فضلاً عن آخرين غير قادرين على التحدث بسبب الصدمة الشديدة لما شهدوه.
بالإضافة إلى ذلك، وصف الزملاء ما شاهدوه بالقول إن الناس ينامون في الخارج على الأرض، ويتكدسون معا في أماكن محدودة المساحة، ويحاولون البقاء على قيد الحياة.
-
القصف الإسرائيلي يستهدف المنشآت الصحية والمدارس، ما موقفكم من الحياة المأساوية المليئة بالدم والقتل التي يعيشونها أطفال غزة اليوم؟
نؤكد أن الهجمات على المرافق الطبية والمدارس غير مقبولة، وتشكل انتهاكاً واضحاً للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية، وهي أمور لا يمكن التغاضي عنها.
كما لا يجوز أبداً إنكار الحق في طلب المساعدة الطبية، خاصة في أوقات الأزمات والحروب، وقد تعرضت العديد من المستشفيات للقصف أو أغلقت بسبب نقص الوقود والأدوية.
أما أولئك الذين ما زالوا يعملون، فيتعرضون لضغوط هائلة ولا يمكنهم سوى تقديم خدمات طوارئ محدودة للغاية، وجراحات منقذة للحياة وخدمات العناية المركزة.
ويهدد نقص المياه والغذاء والوقود سلامة آلاف النازحين، بما في ذلك النساء والأطفال، الذين لجؤوا إلى المستشفيات والمناطق المحيطة به.
-
ما رأيك فيما يدعيه الجيش الإسرائيلي بأن هناك “مناطق آمنة” للنزوح إليها؟ وهل ستقفون عند الدعوات لفتح ممرات للمدنيين؟
أريد الإشارة مرة أخرى إلى أنه لا وجود لمناطق آمنة في قطاع غزة، واليونيسيف تعارض بشدة إنشاء ما يسمى “المناطق الآمنة” لأن هذا غير صحيح ولا وجود له. ومن جهة أخرى، لا تمتلك المناطق المقترحة البنية التحتية أو تدابير الحماية اللازمة لتلبية احتياجات هذه الأعداد الكبيرة من المدنيين.
إن المدنيين الذين يختارون البقاء في مناطقهم ومنازلهم يتمتعون بالحماية بموجب القانون الإنساني الدولي، ويجب حمايتهم، والسماح لأولئك الذين قرروا الانتقال بالقيام بذلك بشكل آمن. لكن مع ذلك ـكما ذكرنا أعلاهـ لا يوجد مكان آمن في غزة ولا مكان يذهب إليه المدنيون.
وبالتالي، نرى أن الطريقة الوحيدة لمنع المزيد من الوفيات والقدرة على الوصول إلى المدنيين بشكل آمن ومستدام تكون من خلال وقف فوري ودائم لإطلاق النار.
-
ما ردكم على الجهات التي تنتقد غياب دور المؤسسات الدولية التي من المفترض أنها تعنى بحقوق الإنسان؟
يشاهد العالم بأسره ما يحدث من دمار وهو يشعر بالعجز، ويتطلع إلى المؤسسات الدولية لمعرفة ما تفعله، وهو أمر نتفهمه بالطبع.
وبدورنا، نؤكد من خلال موقع الجزيرة نت أننا نوجد في القطاع ونقدم المساعدات منذ بداية الحرب، وحتى قبلها، وسنواصل فعل ذلك بفضل فرقنا الموجودة هناك استجابة لاحتياجات الأطفال العاجلة، ولكننا في الوقت ذاته نقول إن الكميات التي يتم إدخالها اليوم غير كافية على الإطلاق مقارنة بالكميات المطلوبة.
ويقع على عاتقنا ضمان أن يعرف زعماء العالم العواقب المترتبة على هذه الأوضاع حتى يتم فرض وقف إطلاق النار. وفي حال حدوث العكس، سنرى المزيد من أطفال غزة يفارقون الحياة، وهو أمر لا يمكننا السماح بوقوعه.
-
هل تلقيتم أي تهديدات أو مضايقات من الجانب الإسرائيلي خلال ممارسة عملكم في غزة؟
نحن قادرون على القيام بعملنا في غزة دون تهديدات، ولكن الظروف الحالية والقتال وعدم إمكانية الوصول للمدنيين تجعل من المستحيل بالنسبة لنا تقديم المساعدات بالكميات المطلوبة وبطريقة مستدامة للوصول بأمان إلى المحتاجين.