اللاجئون في رواندا.. قصة إدماج ناجحة تحظى بإشادة أممية

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

كيغالي- تبدو الطريق ساحرة عند سلوك الطريق المتجه من العاصمة كيغالي إلى شمال رواندا حيث الطبيعة الخلابة ومزارع الشاي على جانبي الطريق الجبلي تشعرك بالسلام.

سحر لا ينطبق على الطرف الآخر من الحدود، في شرق الكونغو الديمقراطية، فطريق اللاجئين القادمين من هناك، لم تكن محفوفة بالورود، كما تفيد رواياتهم عن أسباب اللجوء التي خَطت على قسمات وجوههم خطوطا باتت حواجز يصعب على الابتسامة تجاوزها.

وحكاية اللجوء في رواندا قديمة جديدة. فيوما ما، كان كثير من الروانديين أنفسهم لاجئين في دول الجوار، لتصبح بلادهم بعد سكوت البنادق صيف عام 1994 ملجأ لنظرائهم من شعوب المنطقة.

سكن مؤقت للاجئين في مخيم الاستقبال نكاميرا (الجزيرة)

الجزيرة نت وقفت على بعض تفاصيل قصة اللجوء إلى رواندا من خلال زيارة مخيم الاستقبال المؤقت، نكاميرا، في مقاطعة روبافو، وزيارة أخرى لمخيم دائم للاجئين.

8 عقود وكثير من الخسارات أثقلت كاهل السيدة فانيسا، التي وصلت إلى مخيم نكاميرا بعد رحلة شاقة فقدت خلالها ما لا يمكن تعويضه. حيث قتل اثنان من أولادها خلال محاولتهما الهرب من القتال في شرق الكونغو، حين هاجمت “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا” قريتها.

تقول فانيسا للجزيرة نت إن ابنها البكر قتل أولا أمام أعينها، وقتل ابنها الثاني في طريق الهروب دون أن تتمكن من دفنه. تتحاشى الإسهاب في الكلام، وتتفادى الشكوى أيضا، وتقول إن الله وحده يسمع شكوى الأمهات اللواتي فقدن فلذات أكبادهن.

وبينما يلحظ الزائرون لمركز الاستقبال المؤقت أن غالبية اللاجئين فيه هم من الأطفال والقُصّر، يؤكد مدير المركز ديفيد غوانيونغا أن 65% من اللاجئين في مركز الاستقبال المؤقت تقل أعمارهم عن 17 عاما، وقد وصلوا غير مصحوبين بذويهم.

مخيم نكاميرا شمال غرب رواندا
أطفال في مخيم نكاميرا شمال غرب رواندا (الجزيرة)

خطوات متقدمة

ويضيف غوانيونغا -للجزيرة نت- أن القيمين على المكان يحاولون لم شمل هؤلاء الأطفال مع من بقي من عائلاتهم على قيد الحياة بمساعدة الصليب الأحمر. ولحين إيجاد أقاربهم، تتولى عائلات حاضنة في مركز الاستقبال المؤقت مهمة الاعتناء بالأطفال.

تستضيف رواندا قرابة 135 ألف لاجئ، 85 ألفا من جمهورية الكونغو الديمقراطية ونحو 50 ألفا من بوروندي، وجميعهم موجودون في رواندا تحت بند الحماية المؤقتة وفق اتفاقية عام 1951 الخاصة باللاجئين، ويعيشون بغالبيتهم في 5 مخيمات في البلاد، بحسب المتحدثة باسم المفوضية العليا للاجئين في رواندا ليلي كارليسلي.

وعن سياسة الحكومة الرواندية في موضوع اللاجئين، تقول المتحدثة باسم المفوضية، للجزيرة نت، إنه في ظل غياب الإمكانية في المدى المنظور لعودة هؤلاء اللاجئين إلى أوطانهم، اختارت رواندا السير بخطوات متقدمة لدمجهم في المجتمعات المحلية بشكل قانوني. وهذا يعني، بحسب كارليسلي، أن اللاجئين في رواندا ينالون الحق في العمل والتنقل، والحق في العيش خارج المخيمات، وحق الحصول على إثباتات هوية وفتح الحسابات البنكية.

تلعب مفوضية اللاجئين دورا مساندا للحكومة الرواندية، لا سيما على صعيد تمكين اللاجئين اقتصاديا، حيث يخضعون لدورات تدريبية لاكتساب مهارات حياتية تمكنهم من إيجاد فرص عمل، إضافة إلى تقديم مساعدات مالية تتيح للاجئين تأسيس أعمال صغيرة، سواء تجارية أو خدماتية، بحسب المتحدثة باسم المفوضية.

ويعد مخيم نكاميرا مركز عبور مؤقت، يتم استقبال اللاجئين من الكونغو الديمقراطية فيه قبل أن يعاد نقلهم إلى مخيمات أكبر وأكثر تنظيما. لكن انخفاض ميزانية مفوضية اللاجئين ينعكس على سرعة الإجراءات.

وتقدر احتياجات المفوضية في رواندا بنحو 91 مليون دولار للعام الحالي، لكنها لم تنل من إجمالي المبلغ سوى قرابة 19%، مما اضطرها لتخفيض الخدمات التي تقدمها للاجئين، وفق كارليسلي.

شبح الإبادة يلاحق التوتسي

ولتكتمل القصة، كان لا بد من زيارة أحد المخيمات الدائمة للاجئين. فتوجهت الجزيرة نت إلى مخيم ماهاما للاجئين الواقع جنوب شرق رواندا، عند مثلث حدودي يفصل نهر أكاغيرا رواندا عن جارتيها بوروندي وتنزانيا.

يقع المخيم على مساحة مئتي هكتار تقريبا، ويقطنه قرابة 63 ألف لاجئ، 40 ألفا منهم فروا من بوروندي على خلفية انتخابات عام 2015، من بينهم أوسكار ساجوموليمي.

فرّ ساجوموليمي من العنف في بوجومبورا (إحدى أهم المدن البوروندية) في ذلك العام، وهو ابن لناشط قتل في أعمال العنف في بوروندي. ليست وحدها تماسيح نهر أكاغيرا من يحول دون عودته إلى دياره، فخشيته من مسؤول المخابرات في المنطقة الحدودية والذي قال إنه يسعى لقتله انتقاما من نشاط والده السياسي حسب قوله، دفعته للإصرار على البقاء في المخيم.

يحمل ساجوموليمي شهادة في الزراعة، ويعمل منذ وصوله إلى مخيم ماهاما متطوعا في جمعيات إغاثة تختص بمساعدة اللاجئين، للحصول على مدخول لائق لإعالة زوجته وأولاده الثلاثة.

يعيش في ماهاما أيضا كانيي شواري، ذو الـ69 عاما -وهو كونغولي لجأ إلى رواندا عام 1996- مع قرابة 20 ألفا من مواطنيه في المخيم. يقول شواري للجزيرة نت إنه فر من الكونغو الديمقراطية بسبب هجمات تشنها “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا”، ويتهم المجموعة المسلحة باستهداف إثنية التوتسي في الكونغو.

ويضيف “لجأنا إلى رواندا بعد الإبادة الجماعية بحق التوتسي بعامين اثنين، عندما انتقلت المليشيات التي ارتكبت الإبادة في رواندا إلى الكونغو الديمقراطية وبدأت باستهداف التوتسي الكونغوليين على أسس إثنية”.

يعيش شواري مع زوجته وأولاده الأربعة وأحفاده في المخيم، ويقول إن مأساة لجوء الكونغوليين باتت في جيلها الثالث منذ النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي.

لاجئة كونغولية تحمل طلب التقديم على أوراق ثبوتية، مخيم الاستقبال المؤقت، نكاميرا
لاجئة كونغولية وبيدها طلب تقديم للحصول على أوراق ثبوتية في مخيم الاستقبال المؤقت نكاميرا (الجزيرة)

أزمة مزمنة

تؤكد مفوضية اللاجئين ما ذهب إليه شواري، وبحسب المتحدثة باسمها في كيغالي، فإن 34% من اللاجئين الكونغوليين ولدوا في رواندا، مما يجعل من اللجوء أزمة مزمنة حيث تعيش 3 أجيال من العائلات في المخيمات.

يشرح مدير مخيم ماهاما فوغانيسا أندريه، للجزيرة نت، أن اللاجئين يعيشون ضمن 18 قرية داخل المخيم نفسه، وأنهم يديرون شؤونهم بأنفسهم عبر لجان يتم انتخابها لتمثيل كل “قرية” داخل ماهاما ولإدارة المرافق العامة، ويضعون “سياسات مجتمعية” تعمل جنبا إلى جنب مع إدارات رسمية رواندية.

يتاح للاجئين في ماهاما الانخراط في دورات تدريبية على مهارات حياتية مهنية، ضمن خطة رواندا لإدماج اللاجئين في المجتمع وسوق العمل والمؤسسات الصحية والتعليمية والأكاديمية. ويعتمد مخيم ماهاما على نموذج فريد في مسألة توفير احتياجات اللاجئين. إذ يتم توزيع حصص غذائية تشمل أغذية أساسية، وتوفير مبلغ يقدر بنحو 80 دولارا شهريا للفرد في إطار ما يسميه فوغانيسا حق اللاجئين في اختيار النظام الغذائي الذي يرونه مناسبا.

إلى جانب الحق في العمل والتأهيل المهني، ينخرط أبناء اللاجئين في الدراسة الأكاديمية في الجامعات الرواندية، وينتظم الأطفال في مدارس رواندية أيضا مع أقرانهم من الروانديين. وتسجل مفوضية اللاجئين أن أكثر من 90% من الأطفال اللاجئين ينخرطون في صفوف دراسية في مدارس حكومية.

رغم تجربة الإدماج الناجحة، كما تصفها الأمم المتحدة، فإن مأساة اللجوء بذاتها تبقى الذكرى الأكثر قسوة في أذهان عشرات آلاف اللاجئين الذين لا يمكنهم العودة إلى وطنهم، ولا تلوح في أفق معاناتهم أي بارقة أمل على المدى القريب.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *