اللاجئون في بريطانيا بين قوارب الموت والإبعاد إلى رواندا

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

تتواصل مناقشات قانون الهجرة غير الشرعية في بريطانيا المتضمن ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا بين رافضين ومتحمسين للمشروع وبين متحفظين يخشون من تداعياته والآثار التي يمكن أن تترتب عليه، خصوصا ما يتعلق بتعارض المشروع مع القوانين البريطانية التي ظلت تدعو لها وتحرص على تطبيقها.

في أبريل/ نيسان 2023 أعلنت الحكومة البريطانية عزمها إرسال طالبي اللجوء، إلى رواندا حيث تقرر الحكومة الرواندية في طلبات لجوئهم هناك، مما أثار عاصفة من الانتقادات والرفض والاستهجان، وبدأ ماراثون التقنين والتشريعات من أجل تمريرها وتنفيذ ما تعتبره الحكومة البريطانية أنه يخدم دافعي الضرائب.

وعُرض المشروع للقراءة في 29 يناير/كانون الثاني الماضي وتعرض لانتقادات شديدة، ولكن ما تزال الحكومة تعتقد أن المشروع لابد وأن يجد الموافقة ويدخل حيز التنفيذ، رغم أنه جوبه بعاصفة من الانتقادات والرفض لكونه يتعارض مع جملة من المواثيق والقوانين الدولية والمحلية.

بداية القصة

وبدأت قصة البحث عن حلول لقضية المهاجرين وطالبي اللجوء في بريطانيا، حين وافق البرلمان في 27 أبريل/ نيسان 2023 على مشروع قانون جديد للجنسية والحدود، يهدف بالدرجة الرئيسية، لمراجعة قوانين الهجرة والمواطنة، وتمت الموافقة عليه بأغلبية 212 صوتا مقابل 157 صوتا.

وسيكون أول أهداف المشروع الجديد منع دخول المملكة المتحدة مَن لا يحمل التأشيرة، مما يسمح وفق هذه التشريعات بإمكانية الإبعاد الفوري دون الحاجة إلى انتظار طويل أمام المحاكم.

كما يسمح التشريع الجديد للحكومة نزع الجنسيات من الأشخاص دون علمهم، إذا اعتقدت الحكومة أنهم مؤهلون للحصول عليها في مكان آخر.

قواعد التعامل مع المهاجرين

يقول الكاتب البريطاني المهتم بقضايا اللاجئين “برنارد أندونيان” إن القانون البريطاني الجديد يسن قواعد جديدة ضد المهاجرين واللاجئين صارمة وقاسية.

ويوضح الباحث البريطاني المهتم بقضايا اللاجئين برنارد أندونيان أهم بنود القانون البريطاني الجديد والقواعد الصارمة ضد المهاجرين:

  • تطبيق نظام جديد أكثر صرامة بغرض زيادة مستوى الصعوبات أمام الأشخاص الذين يحاولون دخول البلاد بشكل غير قانوني.
  • استخدام تقنيات متقدمة مثل تقنيات التعرف على الوجه لتحديد الأشخاص الذين يحاولون دخول بريطانيا دون جواز سفر أو تأشيرة صالحة.
  • تشديد الفحوصات للذين يدخلون البلاد بشكل قانوني، بحيث تصبح أكثر صرامة.
  • زيادة عدد مراكز الاحتجاز المستخدمة لاحتجاز المهاجرين غير الشرعيين.
  • تسريع عملية ترحليهم إلى دولة ثالثة عبر استعجال البت في ملفات اللاجئين خاصة تلك المتعلقة بالقضاء.
  • إدخال قوانين أكثر صرامة في التعامل مع أصحاب العمل الذين يوظفون المهاجرين غير الشرعيين بعقوبات تصل إلى سجن وغرامات باهظة.
  • كما يسمح القانون للسلطات بالتخلص من الأعداد التي ظلت عالقة في المحاكم تنتظر الفصل في ملفاتها.

دوافع القانون الجديد

تقول وزارة الداخلية البريطانية إن أعداد المهاجرين الوافدين إليها في تزايد مطرد في السنوات الأخيرة، وترتفع الشكوك لديها بأن جلهم قد لا يكون مضطرا للجوء أو تنطيق عليه مواصفات قوانين اللجوء.

وتضيف أن أعداد المهاجرين عبر القوارب الصغيرة إلى بريطانيا بلغ 45 ألفا و700 في 2022، بزيادة قدرها 60% مما كان عليه الوضع في 2021 والذي كان 28 ألفا و500، بينما ذهبت التوقعات أن يصل عدد المهاجرين في 2023 إلى 65 ألفا.

وعند الحديث عن تكاليف المهاجرين واللاجئين تتحدث وزارة الداخلية البريطانية أن ذلك يكلف الدولة ما يقرب من 3 مليارات جنيه إسترليني سنويا، وحوالي 6 ملايين جنيه يوميا.

كما يبلغ عدد الفنادق المستأجرة للمهاجرين 398 فندقا وأن عدد ساكنيها يبلغ 56 ألفا و42 مهاجرا، حيث يبلغ جملة عدد طالبي اللجوء في بريطانيا 74 ألفا و751 شخصا.

إجراءات وتدابير

وإلى حين إنهاء الجوانب القانونية لمشروع مكافحة الهجرة الذي تبنته الحكومة البريطانية، فإن مسؤوليها وعلى رأسهم رئيس الوزراء ووزارة الداخلية، شرعوا في تدابير محددة:

  • أولها: احتجاز المهاجرين:

تقرر احتجاز المهاجرين إلى حين ترتيب أمر ترحيلهم، والاستفادة من القواعد العسكرية القديمة كمواقع للاحتجاز، واستخدام سجون سابقة أو استخدام المراكب العائمة لاستيعاب الآلاف من طالبي اللجوء.

ولكن جمعية مجلس اللاجئين البريطانية تقول إنه نظرا لعدم توفر أماكن كافية لاستيعاب أكثر من 190 ألف شخص فإن الحملة تتطلب تكلفة تصل إلى 9 مليارات جنيه إسترليني.

ولتطبيق نظرية احتجاز المهاجرين فقد استأجرت وزارة الداخلية بارجة في ميناء بورت لاند لإيواء المئات من طالبي اللجوء، وذلك من أجل تقليل الضغط على نظام اللجوء في المملكة، وتقليل التكاليف، وحسب تصريح وزير الهجرة “روبرت جينريك” الذي قال:” لن نُعلي مصالح المهاجرين غير الشرعيين على حساب الشعب البريطاني الذي انتخبنا لخدمته”.

  • ثانيا: الإبعاد إلى رواندا:

كانت رواندا أحد الخيارات التي لجات إليها السلطات البريطانية كملاذ للاجئين الذين ترفض منحهم حق اللجوء وفق التشريعات الجديدة.

وتم عرض مشروع رواندا على البرلمان وما زال في مرحلة القراءات والمناقشات، وتعرض لانتقادات شديدة، لكن مع ذلك فقد جرت أولى محاولات الإبعاد في يونيو/حزيران 2023 ولكن بعد رفض المبعدين ومحاميهم وعدد من المنظمات الطوعية العاملة في مجال اللاجئين تم إيقاف الإبعاد مؤقتا.

  • ثالثا: التعامل مع الطعون:

تتضمن التدابير، وضع حد للطعون القضائية التي تأخذ وقتا طويلا، والتي يستخدمها المهاجرون كتكتيك لتأخير الترحيل.

  • رابعا: صلاحيات الاحتجاز:

يعزز مشروع القانون صلاحيات الاحتجاز لفترة طويلة حتى لا يحصل المهاجرون واللاجئون على كفالة من المحكمة إلا بعد 28 يوما مما يعطي الحكومة فرصة للترحيل قبل البت في الحكم.

أصداء ومواقف من القانون

واجه القانون معارضة قوية كونه يعارض الميزة التي ظلت المملكة المتحدة تلتزم بها طيلة تاريخها، كما أنه يتعارض مع حقوق الإنسان باعتراف مسؤولي وزارة الداخلية بعد قرار المحكمة الأولي بقانونية الخطط الحكومية الجديدة، ولكن المهاجرين المستهدفين والمنظمة المتعاطفة معهم رفعوا شكاوى ضد الإجراء الحكومي.

  • منظمات المجتمع المدني

قبل القراءة الأخيرة لمشروع سلامة رواندا (اللجوء والهجرة)، أصدر ما يزيد على 265 منظمة مجتمع مدني وكيانات أخرى على مستوى المملكة المتحدة بما فيها منظمة مراقبة الدولة، بيانا دعت فيه البرلمان إلى رفض مشروع القرار.

ودفعت هذه المنظمات بعدد من الأسباب التي ترى أن المشروع يؤسس لها، ومنها تقويض حماية حقوق الإنسان، والتجاوز على دور السلطة القضائية وسيادة القانون، إضافة إلى التعارض مع المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وأخيرا تقويض النظام الدولي لحماية اللاجئين والقانون الدولي.

  • المفوضية السامية لشؤون اللاجئين

اتهمت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة حكومة ريشي سوناك بإسقاط الحق في طلب الحماية، وعبرت عن قلقها البالغ إزاء مشروع قانون الهجرة غير الشرعية الذي قدمته حكومة المملكة المتحدة، وقالت إنه يرقى إلى مستوى حظر اللجوء.

وترى المفوضية أن القانون يحرم اللاجئين من حق الحماية وفرصهم في طرح قضاياهم، وهو ما يشكل حسب المفوضية انتهاكا واضحا لاتفاقية اللاجئين لعام 1951، ومن شأنه أن يقوض التقليد الإنساني القديم الذي يفخر به الشعب البريطاني.

وتعتقد المفوضية بأن الفارين من الحروب والاضطهاد لا يستطيعون الحصول على جوازات السفر والتأشيرات وبالتالي لا توجد طرق آمنة وقانونية ليسلكوها، وحرمانهم من اللجوء على هذا الأساس يقوض الهدف الذي أنشئت من أجله اتفاقية اللاجئين.

  • الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي

اتهمت الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي حكومة المملكة المتحدة بتصنيف اللاجئين وضحايا الاتجار بالبشر بشكل خاطئ، بأنهم مجرمون وقد يتعرضون بهذه الطريقة لخطر انتهاكات التزاماتهم الدولية، وسيادة القانون.

وتضيف الجمعية أن الاتجاه الجديد للمملكة، يثير مخاوف كثيرة بالإصرار الشديد على إدخال تعديلات جوهرية على تفسير القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان.

وأكدت أن المشروع البريطاني الجديد يخلط بين المهاجرين واللاجئين والمجرمين وهو ما يجرد الفئات الأكثر ضعفا من إنسانيتهم.

وأوضحت أن المملكة بتنفيذها التشريعات الجديدة تجد نفسها في تناقض مع 5 اتفاقيات أوروبية مختلفة ذات صلة.

قرار المحكمة العليا

في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قضت المحكمة العليا في المملكة المتحدة، ببطلان وعدم قانونية الخطط الحكومية الخاصة بترحيل اللاجئين إلى رواندا، وقالت إنها غير قانونية.

وجاء في تبرير الحكم أن القضاة يرون أن رواندا لا يمكن اعتبارها آمنة لإرسال طالبي اللجوء إليها بسبب وجود خطر إعادتهم إلى البلدان التي فروا منها.

ورغم كل التحفظات والمخاوف من تداعيات المشروع المطروح، تصر حكومة ريشي سوناك على تمرير المشروع رغم التكاليف الأخلاقية والسياسية التي يمكن أن تلحق بالمملكة المتحدة، وشعارهم في ذلك” لن نُعلي مصالح المهاجرين غير الشرعيين على حساب الشعب البريطاني الذي انتخبنا لخدمته”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *