مع بدايات القرن الـ20 وتزامنا مع ظهور “الحركة الخمسينية” في الولايات المتحدة وإنجلترا، شهدت أفريقيا ظهور حركات دينية داعية إلى إنشاء كنائس مستقلة تعكس الهوية والخصوصية الأفريقية.
استجابة لذلك، برزت الكنائس الخمسينية الأفريقية التي اتخذت من المعتقدات الأفريقية وتعاليم العهد القديم أساسا لها، مؤكدة على الزواج بين الثقافة الأفريقية والمسيحية.
هذه الكنائس، التي نشأت من قلب المجتمعات الأفريقية، كانت تهدف إلى خدمتها والتحرر من التأثيرات الاستعمارية والتبشيرية الغربية، وهو ما جعلها تجسد روح الاستقلالية في المال والمؤسسات، لكنها تحولت إلى داعم لإسرائيل في القارة.
يسعى هذا التقرير إلى الإجابة عن سؤال: كيف تسهم الكنائس الخمسينية بجانب اليهود الأفارقة في دعم السردية الإسرائيلية؟
التاريخ والانتشار الجغرافي
بدأت حركة كنيسة الخمسينية الكاريزماتية عام 1905 في الولايات المتحدة وإنجلترا، بانبثاقها من الكنيسة الرسولية، لتصل إلى جنوب أفريقيا عام 1908 وساحل العاج عام 1914. وظهرت النسخة المعدلة أفريقيا أولا في غانا ونيجيريا خلال ثلاثينيات القرن الـ20، وشهدت زيادة في عدد أعضائها ابتداءً من ثمانينيات ذلك القرن.
وفي دراسة بموسوعة أكسفورد بعنوان “تاريخ الخمسينية الأفريقية”، تقول الخبيرة النيجيرية ميمي تاكامبو: “لقد ساهمت الخمسينية في جعل المسيحية ديانة أفريقية؛ استوعبت الإنجيل، ثم طورت الإيمان ليتناسب مع حساسياتهم الثقافية واهتماماتهم، وعدلت النصوص لتتماشى بشكل صحيح مع خرائطهم الأصلية للكون…”، وبحسب الدراسة، فإنها بدأت صغيرة الحجم لكنّها نمت بوتيرة سريعة، وتمتاز بشبكات واسعة تمتد حتى الأرياف البعيدة.
وفي عام 2015، تم تقدير عدد الخمسينيين (المجددين) في أفريقيا بحوالي 202 مليون و92 ألف شخص، وهو ما يمثل تقريبا 35% من مجموع المسيحيين في القارة البالغ عددهم 574 مليونا و52 ألفا، ونحو 17% من العدد الكلي لسكان القارة الذي يصل إلى 1.19 مليار نسمة.
وفي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وحدها، تُمثّل الخمسينيّة 36% من المسيحيين البالغ عددهم 564 مليونا و5 آلاف. وهو نموٌ ملحوظ مقارنة مع عام 1970، حيث كانوا يشكلون فقط 13% من المسيحيين في المنطقة.
التعاون مع المؤسسات الإسرائيلية
وتبدي البنية الأساسية لهذه الكنائس انسجاما أوثق مع العقيدة اليهودية مقارنة بالطوائف الدينية الأخرى. ويستند انجذاب الخمسينية نحو اليهودية إلى تفسير مباشر للكتاب المقدس، رافضين ما يُعرف بنظرية “استبدال الشعب”، التي تقول إن اليهود فقدوا مكانتهم كشعب مختار نتيجة رفضهم للمسيح”، مصرين على أنّ العهد الإلهي مع اليهود ما زال ساريا، وينظرون إلى النظرية كمغالطة تم ترويجها عبر الكنائس التبشيرية الغربية.
وتعتقد الخمسينية كذلك بأن الكنائس الغربية تلاعبت بالنصوص، لذا فإن من مهامهم كشف الزيف، والمقاصد الإلهية الحقيقية. وينطوي هذا المعتقد على نتائج مهمة على الصعيد السياسي، مثل الاعتقاد بأن دعم اليهود وإسرائيل يجلب البركات الإلهية، استنادا إلى “عهد الله لإبراهيم في سفر التكوين” ودورهم الأساسي في مقدمات النهاية.
الخمسينية في نيجيريا
تبرز نيجيريا كمثالٍ رئيسي لنمو الحركة الخمسينية في أفريقيا، حيث تأثير قادة دينيين مثل كريس أوياخيلومي، تي بي جوشوا، وإينوخ أديبويه، يمتد عالميا. هؤلاء القادة، الذين يجذبون ملايين المتابعين، أجروا زيارات إلى إسرائيل، ناقلين تجاربهم عبر وسائل الإعلام، مثل تي بي جوشوا الذي حاز على لقب “سفير حسن النيات السياحية” من وزير السياحة الإسرائيلي بعد تنظيم صلاة في الناصرة.
أما القس الخمسيني الشهير إينوخ أديبويه فعلق خلال زيارته للمستوطنات الإسرائيلية قائلا: “المشاكل بين اليهود والعالم تنشأ لأنهم مفضلون عند الله. كونك مميزا لدى الله يعني أن الشيطان كذلك لن يحبك”، في إشارة إلى خصومتهم مع العرب والفلسطينيين.
وهذا الانجذاب لإسرائيل، يشمل أصحاب المناصب الكبيرة في السلطة، فالرئيس السابق غودلاك جوناثان (2010-2015)، اعتمد على هويته المسيحية الخمسينية للوصول إلى السلطة، مستفيدا من نفوذ كبار رجال الدين للتأثير على الجماهير. وخلال فترة رئاسته، أجرى “عدة زيارات حج إلى إسرائيل”، مصطحبا معه وفودا من المسؤولين والقساوسة.
وفي السياق الدولي، خلال عضويتها في مجلس الأمن الدولي (2014-2015)، لعبت نيجيريا دورا محوريا في التصويت على قرار يطالب بانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكن بعد مكالمة هاتفية من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لجوناثان امتنعت نيجيريا عن التصويت في ديسمبر/كانون الأول 2014، وهو ما أتاح للولايات المتحدة تجنب استخدام الفيتو، في خطوة أثارت دهشة المراقبين.
حالة أوغندا
في يناير/كانون الثاني 2016، أقيم في أوغندا “مؤتمر التوبة” لدعم إسرائيل، واستمر 5 أيام بجزيرة بوسي غرب بحيرة فيكتوريا، وشارك فيه ناداف بيلدمان نائب السفير الإسرائيلي في كينيا، وجوس فان ويستينغ مدير التمويل والتطوير في المنظمة العالمية للصهيونية.
وشهد المؤتمر لحظات عاطفية؛ حيث طلب الضُبّاط -في بكاءٍ- العفو من بيلدمان باسم الشعب اليهودي مما اقترفوه في عهد عيدي أمين، فيما وُصف بأنه “لحظة فارقة” تعكس الإيمان بقبول التوبة والسماح الإلهي.
ونظم المؤتمر الفرع الأوغندي لمنظمة المسيحيين دعما لإسرائيل بإشراف دريك كانابو منذ تأسيسها عام 2009، وحضره أكثر من 150 ضابطا من قوة الدفاع الشعبي الأوغندية (UPDF)، وكان موجها للدعاء والصيام والتكفير عن تصرفات أوغندا تجاه إسرائيل خلال حكم الرئيس السابق المسلم عيدي أمين دادا.
ونشطت المنظمة، التي تتخذ من كمبالا مقرا إستراتيجيا بالقرب من البرلمان الأوغندي، في تنظيم رحلات حج إلى الأرض المقدسة والاحتفال بذكرى قيام إسرائيل على أرض عربية مغتصبة عام 1948.
حالة غانا
ومنذ إعادة فتحها في أكرا عام 2011، أصبحت السفارة الإسرائيلية في غانا نشطة في تعميق العلاقات بين البلدين، ليس فقط على المستوى الحكومي، بل وكذلك الشعبي، مع التركيز بشكل خاص على الروابط مع المجتمعات المسيحية ويهود غانا المعروفين بـ”بيت إسرائيل”.
ودعمت السفارة فعاليات مبادرة إسرائيل-أفريقيا، واستضافت قادة هذه المبادرة، وشاركت في تنظيم مؤتمراتهم الدينية وفعاليات الصلاة. ومن أبرز الشخصيات الدينية المشاركة في فعاليات السفارة الأسقف نيكولاس دنكان وليامز، مؤسس وزارات العمل المسيحي للإيمان، حتى إن المتحدثة باسم السفارة الإسرائيلية لدى غانا شاني كوبر زوبيدا أكدت على هدف تعميق العلاقات بين البلدين عبر مسارات الدين.
وفي عام 2018، أعلن الرئيس الغاني نانا أفوكو أدو الذي ينتمي إلى الخمسينية عن خطط لإنشاء كاتدرائية وطنية متعددة الطوائف تعبيرا عن الوحدة والتناغم الروحي.
ولتعزيز هذا الفكر، تأسس تحالف غانا إسرائيل جي آي إيه ( GIA). وفي الخامس من مارس/آذار 2020، وُضع حجر الأساس للكاتدرائية الوطنية بالعاصمة أكرا بحضور قادة دينيين ومسؤولين حكوميين ودبلوماسيين، بما في ذلك السفيرة الإسرائيلية.
وقد استُورد الحجر الأساس من القدس المحتلة، والذي قدمته زوبيدا كهدية، ويمتاز -بحسبها- بطاقة روحانية مميزة، “ويُتوقع أن يُسبغ الحجر بركاته على الكاتدرائية والمنطقة المحيطة بها، مؤكدا على أهمية القدس للمسيحيين ومعززا العلاقات الثنائية بين غانا وإسرائيل”.
الخمسينية والدفاع عن جرائم إسرائيل
وعلى غرار غانا، توغلت إسرائيل في المجتمعات المسيحية في شرق أفريقيا ووسطها وجنوبها بالتعاون مع اليهود الأفارقة والكنائس الخمسينية.
هذا الميل إلى اليهودية تجلى تأثيره في موقف الكنائس الخمسينية في أفريقيا من الأحداث الأخيرة في غزة، مع امتناعها عن إدانة الأعمال الإسرائيلية، بل وانتقل بعض أعضائها للدفاع عن العمليات الإسرائيلية بشراسة عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ويعد هذا السلوك هو التطبيع مع العنف الذي بلغ مستوى ما وُصف بـ”الإبادة الجماعية”، إذ يرون في تبريرهم أنه دفاعٌ إسرائيلي عن النفس ضد جماعات تُكنُّ العداء لليهود لكونهم، حسب وصف القس أديبيوه، “المختارين من الله”.