القدس المحتلة- لم ينتظر المقدسيون حلول اليوم الأول من رمضان ليكتشفوا إجراءات الاحتلال المخبأة لهم لإعاقة أعمالهم الدينية، لأن سلطات الاحتلال بدأت بالتضييق عليهم منذ الليلة الأولى لحلول الشهر الفضيل.
ففي محيط البلدة القديمة من المدينة المقدسة لوحظ انتشار مكثف لقوات الاحتلال، حيث استخدم الجنود دراجات كهربائية خاصة لتسريع حركتهم، وتنقلوا بها بين شارعي صلاح الدين الأيوبي والسلطان سليمان وحتى باب العامود وبالعكس.
وأمام أبواب المسجد الأقصى كانت السواتر الحديدية والقوات المدججة بالسلاح بانتظار المصلين، وبوصول المئات منهم إلى الأبواب كانت عبارة “ارجع على بيتك” بانتظارهم أيضا.
تضييق واعتداءات
وبينما صلى بضعة آلاف صلاتي العشاء والتراويح بالمسجد الشريف في الليلة الأولى، أدى عشرات الشبان الصلاة أمام الأبواب، ولم يسلم هؤلاء من الاعتداء عليهم ومحاولة تفريقهم وإبعادهم، بينما تمكن نحو 35 ألفا من أداء صلاة التراويح ثانية ليالي الشهر الفضيل.
وصباح اليوم الأول من الشهر الفضيل وعلى مدار 4 ساعات اقتحم ساحات المسجد الأقصى 275 متطرفا ومتطرفة كان لهم حرية التجول وأداء الطقوس التوراتية، كما اعتلى عدد من الجنود بأسلحتهم قبة الصخرة مع صلاة تراويح الليلة الثانية.
وفي المقابل، مُنع المسلمون في أقدس أشهر السنة من حرية العبادة التي ادّعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه سيؤمنها.
المسن المقدسي محمد حسن، قال للجزيرة نت إن المسجد المبارك لم يشهد من قبل وجود أعداد قليلة من المصلين أول أيام رمضان كما كان الحال في صلاة الظهر، وأرجع ذلك إلى الإجراءات الاحتلالية الهادفة لتخويف المقدسيين وثنيهم عن الوصول إلى البلدة القديمة والأقصى.
وأضاف أن الإجراءات شُددت على الأبواب بشكل لافت اليوم السابق لرمضان، إذ تعمدت قوات الاحتلال المتمركزة على الأبواب توقيف المصلين وفحص أرقام هوياتهم الشخصية قبل السماح لهم بالدخول أو إعادتهم أدراجهم قسرا، وتصاعدت حدة الإجراءات قبيل صلاة العشاء عندما منع الرجال دون سن الأربعين من اجتياز الحواجز الحديدية والشُرطية.
وفي محيط المسجد ورغم تعمد التجار فتح أبواب حوانيتهم باكرا أملا في أن يُسهم مرور المصلين بإنعاش الحركة الشرائية مع حلول الشهر الفضيل، فإن الهدوء كان سيد الموقف.
أسيجة فوق السور
أما الانتهاك الأبرز والأخطر فسُجل في منطقة باب الأسباط عندما شرعت قوات الاحتلال -منذ ساعات الصباح- بتثبيت أسلاك شائكة على سور القدس التاريخي المحاذي للباب الذي يدخل منه المصلون.
مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية زياد الحموري قال -في مستهل حديثه للجزيرة نت- إنه يجب ألا يغفل أحد أن الإجراءات الإسرائيلية في محيط المسجد الأقصى والبلدة القديمة ليست جديدة، بل تتكرر قبيل حلول شهر رمضان كل عام.
لكنه استدرك أن هذه الإجراءات تصاعدت وأخذت منحى أخطر بعد اندلاع حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، إذ تمت عسكرة البلدة القديمة والشوارع المحيطة بها بشكل كبير، ومُنع الناس تحت مسمى قانون الطوارئ من الوصول إلى أولى القبلتين.
التصعيد وارد
ورغم محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي للمراوغة والالتفاف على تصريحات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، فإن الحموري يرى أنه وفقا لما جرى من تضييقات ليلة رمضان الأولى فإن أعداد المصلين الذين سينجحون في الوصول إلى المسجد الأقصى ستكون ضئيلة، مرجحا أن تتصاعد الاعتداءات التي ستؤدي حتما لتأجيج الأوضاع.
وقال “إذا بقي الحال على ما هو عليه الآن من منع للمصلين من الوصول إلى هذا المقدس (المسجد الأقصى) واستفزازهم عند أبوابه فإن ذلك لن يؤدي لتأجيج الأوضاع في القدس فحسب بل إن الأوضاع ستنفجر على مستوى قد يشمل العالم العربي وهذا ما خشيت منه أميركا وحذرت منه”.
يذكر أن بيانا صدر عن مكتب نتنياهو قبل حلول الشهر الفضيل بأيام، جاء فيه أن دخول المصلين المسجد الأقصى سيكون متاحا خلال الأسبوع الأول من رمضان، كما كان الحال عليه السنوات الماضية، دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
شرطة الاحتلال تعتلي سطح قبة الصخرة بالسلاح أثناء أداء صلاة التراويح pic.twitter.com/qYRCsxXllt
— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) March 11, 2024
فحص أسبوعي
وجاء هذا البيان بعد اجتماع نتنياهو بكافة القوى الأمنية، وورد فيه أن أعداد المصلين ستكون “كما كانت السنوات الماضية” مضيفا أن تقييم الوضع سيجري أسبوعيا من حيث جوانب الأمن والسلامة، وأن القرارات ستتخذ وفقا لذلك.
ويصر بن غفير على تقييد حرية العبادة والصلاة بالمسجد الأقصى خلال رمضان، ووجه رسالة لنتنياهو أكد فيها معارضته للقرار الذي اتخذه بالسماح للمصلين بدخول المسجد، وألمح إلى أن الشرطة التي تخضع لصلاحياته قد لا تكون قادرة على تنفيذ هذا القرار.
وقال أيضا “بعثت رسالة إلى رئيس الحكومة حذرته فيها من المخاوف من عدم القدرة على التعامل مع الاكتظاظ والازدحام في جبل الهيكل (الأقصى) خلال شهر رمضان”.
وبين إصرار بن غفير ومراوغة نتنياهو، يبقى الميدان شاهدا على أن شيئا لم يتغير عن السنوات الماضية سوى مزيد من التضييق على الأبواب، ومنع الشبان من الوصول لأداء الصلوات في المسجد الأسير.