يحذر مقال في موقع “ذا ناشونال إنترست” من أن ما أسماه “الانقلاب الأخير” في تشاد يختبر الالتزامات والقيم الغربية، على غرار سلسلة الانقلابات السابقة في غرب ووسط أفريقيا.
ويستعرض كاتب المقال ويسلي ألكسندر هيل الخبير في شؤون أفريقيا والصين في مستهل مقاله أحداث العنف التي جرت ليلة 28 فبراير/شباط الماضي في تشاد، عقب إعلان الجدول الزمني للانتخابات الرئاسية المقبلة واعتقال زعيم “الحزب الاشتراكي بلا حدود” يايا ديلو جيرو وقتله.
ووصف الكاتب “هذا الانقلاب” بأنه محيّر وعنيف، قائلا إن ديلي جيرو كان وزيرا سابقا في عهد الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي والد الرئيس الحالي محمد إدريس ديبي، وكان موثوقا به من قبل الاثنين، الأب وابنه.
“انقلاب ذاتي”
وأوضح المقال أن كثيرين في تشاد يعتقدون أن أعمال العنف التي جرت ليلة الانقلاب أثارتها الحكومة، كما يعتقد كثيرون في تشاد أيضا أن الهدف من أعمال العنف تلك هو إبعاد أقوى خصوم الرئيس وتشتيت بقية المعارضة، ومن المقرر أن يفوز الآن محمد ديبي بسهولة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقال الكاتب إن ما جرى في تشاد تصفه الأدبيات الأكاديمية بـ “الانقلاب الذاتي”، حيث يستولي رئيس الدولة على المزيد من السلطة من داخل جهاز الدولة.
اختبار محرج
ثم تناول المقال موقف الغرب عموما، وخاصة فرنسا، من الوضع في تشاد، قائلا إنه هذا الوضع يضع الدول الغربية أمام اختبار لالتزاماتها وقيمها، وهو اختبار محرج في وضع معقد.
وأوضح أن تشاد كانت شريكا أمنيا حيويا في منطقة مضطربة، حيث ساعدت في محاربة “الجهاديين الإسلاميين” في الساحل واحتواء عدم الاستقرار الناشئ عن ليبيا والسودان المجاورتين.
وتحافظ فرنسا على علاقات وثيقة مع تشاد وتساعد في تطوير صناعة النفط الوليدة فيها. كما تدعم الولايات المتحدة تشاد بسخاء من خلال المساعدة العسكرية والتدريب ومجموعة من برامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
هذه العلاقة الوثيقة بين تشاد والغرب، يقول هيل، جعلت نجامينا نقطة جذب للتدخل الروسي. وكان الراحل الروسي الشهير زعيم مليشيا فاغنر، يفغيني بريغوجين قد طلب من مرتزقته “الاستعداد لأفريقيا”، وحرّض على عدم الاستقرار في جمهورية إفريقيا الوسطى والسودان والنيجر ومالي وبوركينا فاسو.
علاقة متقلبة مع روسيا
وكانت بين روسيا وتشاد علاقة متقلبة، ففي أبريل/نيسان 2023، أظهرت وثائق مسربة أن روسيا كانت تحاول إنشاء قواعد تدريب في جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة في “مؤامرة متطورة للإطاحة بالحكومة التشادية”. وكانت تشاد فيما بعد واحدة من الدول التي تجاهلت روسيا خلال قمة روسيا وأفريقيا في يوليو/تموز الماضي.
وعندما وقع الانقلاب في النيجر المجاورة، الذي كان يحمل أيضا بصمات روسية، سافر محمد إدريس ديبي إلى النيجر للقاء الرئيس المخلوع ومحاولة الوساطة. وبعد أشهر فقط، في يناير/كانون الأول الماضي، ذهب محمد إدريس ديبي إلى موسكو للتحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقبل الانقلاب، كانت تشاد تحدها دولتان صديقتان لروسيا (جمهورية أفريقيا الوسطى والنيجر) وأخرى ساعد فيها النفوذ الروسي على إحداث الفوضى (السودان).
خيارات الغرب المحتملة
وقال هيل إن انقلاب تشاد وضع الغرب في موقف لا يحسد عليه. فبإمكان الغرب تجاهل تجاوزات الحكومة التشادية والحفاظ على دعمه لها باسم النفعية الجيوسياسية، وفي هذه الحالة يتم تبرير الإستراتيجية الروسية للسعي إلى تصوير الديمقراطية على أنها لا معنى لها ونفاق.
كما يمكن للغرب أيضا أن يختار إدانة الانقلاب والوقوع في شبكة الإستراتيجية الروسية المزعزعة للاستقرار من خلال تقويض دولة هشة بالفعل وفتحها على النفوذ الروسي.
واستمر يقول إنه في حين لا تتوفر استجابات جيدة لهذه الأزمة، فإنها يمكن أن تكون بمثابة درس. والولايات المتحدة والغرب هما المدافعان عن النظام الدولي ويستفيدان من السلام والاستقرار العالميين. وبغض النظر عمن يتسبب في ذلك، فإن عدم الاستقرار هو لعنة ليس فقط للمبادئ الإنسانية الأساسية ولكن للمصالح الأميركية.
وختم بأنه يجب على أميركا القيام بدور سبّاق في مواجهة “عملاء عدم الاستقرار الروس” واستخدام مؤسسات المساعدات والتمويل الأجنبية بشكل أكثر ديناميكية لمواجهة الفوضى في تشاد.