بالدموع والأحضان، كان هذا هو المشهد عندما تمكنت إيمان أبو حصيرة أخيرا من رؤية عائلتها لأول مرة منذ قرابة شهر، مع التوقف المؤقت للقتال السائد في قطاع غزة.
بهذه الصورة بدأت مها الحسيني -صحفية وناشطة حقوقية مقيمة في غزة- مقالها في موقع “ميدل إيست آي” حول استغلال الفلسطينيين المفرقين الهدنة للمّ الشمل مع أحبائهم بعد أسابيع من الانفصال.
وقالت إيمان أبو حصيرة “لم أعتقد أني سأراهم مجددا”، في إشارة إلى أبيها وأمها وإخوتها الأربعة.
ولفتت الكاتبة إلى أن إيمان تعيش في حي النصر بمدينة غزة على بعد دقائق من منزل والديها في حي الشيخ رضوان. لكن بعد القصف الإسرائيلي المستمر وانقطاع الاتصالات المتكرر، انفصلت عنهم في الأسبوع الثالث من الهجوم الإسرائيلي الذي بدأ في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ولذلك عندما دخلت الهدنة المؤقتة حيز التنفيذ صباح يوم الجمعة الماضي، لم يكن لدى إيمان (28 عاما) سوى وجهة واحدة في ذهنها.
وقالت إيمان للموقع البريطاني “أخذت أطفالي وذهبت للنوم في منزل عائلتي. وذهب زوجي لزيارة عائلته أيضا للمرة الأولى منذ نحو شهر. ونمت في منزلهم ليومين، ثم لحقت بزوجي”.
وأشارت الكاتبة إلى أنه في الأيام الأولى لحملة القصف الإسرائيلي، كان لا يزال بإمكان إيمان زيارة عائلتها، على الرغم من كل المخاطر المتضمنة.
مخاطرة كبيرة جدا
وقالت إيمان للموقع “تركت أطفالي مع أبيهم في المنزل لأني كنت مدركة أني قد أستشهد في أي لحظة وأنا في طريقي إليهم”، مضيفة أنها كانت قادرة على القيام بهذه الرحلة ثلاث مرات في الأسابيع الثلاثة الأولى. لكنها قالت إنه بعد الأسبوع الرابع كانت المخاطرة كبيرة جدا.
وتفاقمت مخاوف إيمان على والدها المريض بالسرطان والذي يعتمد على دعمها. وقد أدى انقطاع الاتصالات الذي فرضته إسرائيل يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في بداية العمليات البرية لجيش الاحتلال، إلى تفاقم الأمور. وعلقت “كانت هذه هي أكثر الساعات رعبا. ولم أعرف إذا كان والداي وإخوتي ما زالوا أحياء أم شهداء”.
وألمحت الكاتبة إلى إجبار جيش الاحتلال الإسرائيلي أهل غزة على مغادرة شمال القطاع إلى جنوبه، وفي الوقت نفسه يقصف الناس في تلك المناطق المصنفة بأنها “آمنة”.
ومع ذلك اعتقدت هدى غلاييني أن هذا التصنيف قد يعني أمانا نسبيا على الأقل مقارنة بالشمال، فغادرت منزلها يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي مع زوجها وأطفالها الأربعة، ووجدت مأوى بمنطقة الزوايدة وسط القطاع. ولجأ والداها وإخوتها إلى منزل أحد الأقارب في خان يونس جنوبي القطاع على بعد حوالي 13 كيلومترا. وعلى الرغم من قربهم ووجودهم في الجنوب “الآمن”، فإن هدى أبلغت “ميدل إيست آي” أنها لم تتمكن ولا مرة من زيارة والديها.
لم أر أمي ولا مرة
وقالت “عندما جئنا إلى هنا، اعتقدنا أن الاحتلال لن يستهدف سوى أماكن في مدينة غزة، ولهذا طلبوا منا الإخلاء إلى هنا. لكن هذا ليس صحيحا، فقد استهدفت معظم الأحياء هنا ولا نشعر بالأمان مطلقا. وهذا هو السبب في أني لم أستطع زيارة عائلتي كل هذه الأيام”.
وأضافت “جاء أبي لرؤيتي نحو ثلاث مرات، لكنه كان مارا فقط ولم يخرج من السيارة التي وقفت أمام المنزل. ومكث دقيقتين فقط ثم عاد لأنه كان يخشى ألا يتمكن من العودة إلى أمي وإخوتي”.
وتابعت الكاتبة أنه في اليوم الثاني للهدنة، شعرت هدى أخيرا بالأمان لزيارة عائلتها، لكنها لم “تشبع من صحبتهم”، لأن الزيارة كانت قصيرة، واحتمال القيام بزيارة أخرى غير مؤكد.
وتساءلت هدى “طوال تلك الأيام، لم أر أمي مرة واحدة. من يصدق أنني من تزور والديها كل يومين، لن أتمكن من رويتهما 50 يوما تقريبا؟”.
وأضافت “لا أعرف ماذا سأفعل الآن بعد انتهاء الهدنة؟ إذا قضيت 50 يوما أخرى دون رؤيتهم، سأجن”.
وختمت الكاتبة بأنه مثل مئات الآلاف من أهل غزة، رفض أخو هدى، الذي لم تره حتى الآن، الإذعان لأوامر الاحتلال بمغادرة الشمال. وذكرت تعليق هدى “لذلك أعتقد أنني لن أتمكن من رؤيته حتى تنتهي الحرب ويسمح لنا بالعودة إلى منازلنا”.