الفلبين.. بين مساندة مسلميها غزة ودعم سلطاتها إسرائيل

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

مانيلا – نظم مسلمون فلبينيون وقفات احتجاجية خلال الأيام الماضية في حديقة رزال وسط العاصمة مانيلا، تضامنا مع أهل قطاع غزة المحاصرين، واستنكارا للعدوان الإسرائيلي على القطاع.

كما نظم آلاف من الأقلية المسلمة وقفة أخرى في مدينة كوتاباتو عاصمة منطقة حكم بنغاسمورو الذاتي لمسلمي ميندانو جنوبي البلاد، تأييدا للشعب الفلسطيني في نضاله لنيل حريته وحقه في المقاومة وتحرير أرضه. وسبق ذلك نشاط طلابي تضامني لمدارس في مدينة مراوي ذات الأغلبية المسلمة.

ويدرك مسلمو جنوبي الفلبين معاناة الشعب الفلسطيني لأنهم أحفاد من واجه الاستعمار الإسباني والأميركي، وقاتلت أجيال منهم خلال عقود مضت حتى نالوا الحكم الذاتي في عدد من الأقاليم ذات الأغلبية المسلمة جنوبي البلاد.

وبينما يسود موقف الأغلبية المسلمة المؤيد للشعب الفلسطيني دولا مجاورة مثل ماليزيا وإندونيسيا، تأتي مواقف التضامن في الفلبين في سياق مختلف، إذ يعلن ساستها تأييدهم لإسرائيل وتمتد علاقاتهم معها لعقود.

وقفة احتجاجية لمسلمي مدينة كوتاباتو جنوبي الفلبين تضامنا مع أهل غزة (مواقع تواصل)

موقف رسمي

ومنذ بداية الحرب على غزة، أعلن الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس موقف بلده المؤيد لإسرائيل ضد “هجمات مسلحي حماس الفلسطينية الإرهابية”، حسب تعبيره. وأكد ذلك خلال لقائه بالسفير الإسرائيلي لدى بلاده إيلان فلاس في القصر الرئاسي بمانيلا قبل أيام، حيث ناقشا التطورات الأخيرة في إسرائيل وغزة.

واستنكر ماركوس مقتل 3 من مواطنيه، وأكد تقديم العون لأسرهم ولكل العائدين من إسرائيل، وقال إن بلاده مع تحقيق السلام حسب قرارات الأمم المتحدة، وفقما جاء في بيان المكتب الإعلامي للرئاسة.

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين قد زار الفلبين في يونيو/حزيران الماضي، والتقى بالرئيس ماركوس في أول زيارة لوزير خارجية إسرائيلي لمانيلا منذ 56 عاما في مارس/آذار 1967 لتعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية، وقد احتفل البلدان في فبراير/شباط الماضي بمرور 65 عاما على العلاقات الدبلوماسية بينهما.

ووصف مجلس الشؤون الأسترالية الإسرائيلية اليهودية، في تقرير له، زيارة الوزير الإسرائيلي الأخيرة مع وفد دبلوماسي تجاري إلى مانيلا وسول بالمهمة والتاريخية.

توقيع اتفاقيات عدة بين الفليبين وإسرائيل خلال زيارة الرئيس الفليبيني الأسبق دوتيرتيه إلى تل أبيب في عام 2018 صورة المكتب الإعلامي للرئاسة الفليبينية
توقيع اتفاقيات خلال زيارة الرئيس الفلبيني السابق دوتيرتي إلى تل أبيب عام 2018 (الرئاسة الفلبينية)

توجه التوسع

واعتبر التقرير ذاته أن زيارة الوزير الإسرائيلي كوهين جزء من توجه دبلوماسي لإسرائيل أُعلن عنه عام 2017 بالتوسع نحو شرق آسيا وجنوبها، وفي مقدمة هذه الدول الصين والهند وهونغ كونغ وتايوان وكوريا الجنوبية وسنغافورة واليابان.

تجاريا، تصدّر إسرائيل إلى الأسواق الفلبينية منتجات إلكترونية وزراعية وغذائية وطبية ودفاعية. وحسب معطيات التقرير، ارتفع التبادل التجاري بين البلدين السنة الماضية بنسبة 70% حيث بلغ 534 مليون دولار أميركي، وذلك بعد تراجع خلال سنوات سابقة، وهي قيمة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات التجارية.

ويأمل الجانب الإسرائيلي -كما جاء على لسان وزير الخارجية في منتدى لرجال الأعمال في مانيلا- رفع التبادل التجاري إلى أكثر من مليار دولار العام القادم.

يأتي ذلك بعد السماح للمواطنين الفلبينيين بزيارة إسرائيل دون تأشيرة، وقبله تأسيس معهد التدريب الزراعي الفلبيني الإسرائيلي عام 2006، إلى جانب الاتفاق على إطلاق رحلات جوية مباشرة بين تل أبيب ومانيلا.

 

لقاء الرئيس الفليبيني ماركوس (يسار) بوزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في مانيلا (الرئاسة الفليبينية)
لقاء الرئيس الفلبيني ماركوس (يسار) بوزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في مانيلا (الرئاسة الفليبينية)

تسليح

وفي الجانب الدفاعي، أبرمت البحرية الفلبينية صفقة عام 2020 بقيمة 195 مليون دولار لشراء 9 زوارق للدوريات البحرية من طراز “شالداغ” إسرائيلية الصنع وذات قدرات هجومية، لاستخدامها في بحر غرب الفلبين، الجزء الشرقي من بحر جنوب الصين. وتسلمت مانيلا منها 4 زوارق، وتحدث قادة البحرية الفلبينية عن رغبتهم في حيازة 15 زورقا من ذلك الطراز لحماية الحدود والمياه الإقليمية للبلاد.

وعام 2014، تم الاتفاق على شراء 28 عربة مدرعة وأسلحة قتالية أخرى، وشراء منظومة صاروخية لسلاح البحرية الفلبيني عام 2018 من شركة رافائيل، حسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.

ونقلت صحيفة هآرتس في يوليو/تموز الماضي سعي مانيلا لحيازة طائرتي مراقبة بحرية ذات منظومات معلوماتية حديثة من شركة إلبيت بقيمة 114 مليون دولار.

وتقول مصادر فلبينية إن قصة بلدهم مع اليهود تعود إلى لجوء 1300 يهودي إليه من ألمانيا والنمسا هربا من النازيين بين عامي 1937 و1941، وكان هناك طموح لدى مانويل كويزون أول رئيس لكومونولث الفلبين لاستقبال نحو 10 آلاف يهودي على الأقل في جزيرة مينداناو جنوبي البلاد، لكن الاحتلال الياباني للفلبين في ديسمبر/كانون الأول 1941 حال دون ذلك.

وتتفق المصادر ذاتها على أن أبرز بدايات العلاقة بين البلدين كانت لحظة التصويت على قرار رقم 181 الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 1947، القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، حيث كانت الفلبين الدولة الآسيوية الوحيدة المؤيدة لهذا القرار مخالفة الموقف الآسيوي حينها.

علاقات دفاعية وتسليح وطيدة تربط إسرائيل والفلبين (الرئاسة الفليبينية)
توقيع 15 اتفاقية بين إسرائيل والفلبين منذ خمسينيات القرن الماضي (الرئاسة الفلبينية)

علاقات دبلوماسية

وتأسست العلاقات الدبلوماسية بشكل رسمي وكامل بين البلدين في أغسطس/آب 1957، وفي فبراير/شباط  1958 وقع البلدان اتفاقية صداقة، قبل أن تُفتتح سفارتان لهما عام 1962 في تل أبيب ومانيلا، وفي السنة  نفسها زارت غولدا مائير العاصمة مانيلا عندما كانت وزيرة للخارجية.

وتوثق الغرفة التجارية الإسرائيلية في الفلبين نحو 15 اتفاقية وقعت بين البلدين منذ خمسينيات القرن الماضي، منها مذكرة تفاهم وقعت عام 1997 لمأسسة الحوار السياسي في مختلف المجالات بين وزيري خارجية البلدين، واتفاقيات أخرى في مجالات شتى كالملاحة الجوية والطاقة والسياحة.

ثم ارتفع مستوى الزيارات الرسمية بزيارة جيجومار بيناي نائب الرئيس الفلبيني إسرائيل ولقائه الرئيس الأسبق شمعون بيريز في القدس في أكتوبر/تشرين الأول 2012.

وكانت ذروة الزيارات المتبادلة في عهد الرئيس الفلبيني الأسبق رودريغو دوتيرتي، الذي زار إسرائيل في سبتمبر/أيلول 2018 ووقع 3 اتفاقيات تعاون، وكانت أول زيارة لرئيس فلبيني لإسرائيل عبّر فيها عن ثقته في تعزيز العلاقات بين البلدين خلال السنوات المقبلة.

نشاط طلابي لمدارس مدينة مراوي ذات الأغلبية المسلمة تضامنا مع غزة
نشاط طلابي لمدارس مدينة مراوي ذات الأغلبية المسلمة تضامنا مع غزة (أسوشيتد برس)

 

دوتيرتي الذي انتهت فترته الرئاسية العام الماضي، قال في بداية عملية “طوفان الأقصى” إنه يقترح على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن “يسحق” حماس ويحوّل غزة إلى “أكبر مقبرة” في العالم، بعد أن يمنح السكان 48 ساعة للخروج منها.

وانتقد رئيس مجموعة “وفاق مورو” دريزا لينيندينغ تصريحات دوتيرتي، ووصفه بغير المطلع على تفاصيل الصراع في فلسطين، وأكد أن هذا الأسلوب من التفكير “ليس له مكان في العالم المتحضر”.

علاقات دين ومصاهرة

واجتماعيا، يعمل في إسرائيل أكثر من 30 ألف فليبني وفلبينية، حسب أرقام وزارة الخارجية الفلبينية، حيث يجدون فرص عمل يرونها مجدية اقتصاديا، ومعظمهم يعملون في رعاية كبار السن، واللافت أن غالبيتهم لا يريدون العودة إلى بلدهم حتى الآن رغم دعوات الإجلاء الرسمية، وذلك بعد مقتل 3 منهم في منطقة “غلاف غزة”.

وعلل إدواردو دي فيغا نائب وزير الخارجية الفلبيني عدم رغبة العاملين الفلبينيين بالعودة بأن كثيرا منهم يعيشون بعيدا عن منطقة غلاف غزة، وأنهم “مرتبطون” بإسرائيل انطلاقا من ديانتهم خلافا لعدد من العاملين التايلنديين الذين فضلوا العودة إلى بلدهم وهم من بلد ذي أغلبية بوذية لا تربطهم علاقة دينية باليهود.

وزعم المتحدث ذاته أن طالبي العودة هم من فقدوا أعمالهم إثر العملية التي شنتها كتائب القسام في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري وبعده.

في المقابل، يعيش 131 فلبينيا على الأقل في غزة، ومعظمهم زوجاتٌ فلبينيات لفلسطينيين من القطاع وأبناؤهن وأحفادهن، وهم يمثلون الوجه الآخر للعلاقة بين مسلمي الفليبين وفلسطينيين أكملوا دراستهم وعملوا في الفليبين وتزوجوا من أهلها، وقد طلبت الحكومة الفلبينية من مواطنيها هناك رسميا مغادرة القطاع لإجلائهم في ظل القصف الإسرائيلي المستمر.

وقد صدر أكثر من بيان عن مجلس الشيوخ الفلبيني، حث فيه الحكومة الفلبينية على بذل كل الوسائل الممكنة لضمان إجلاء من هو في دائرة الخطر وخاصة في قطاع غزة من الرعايا الفلبينيين، مؤكدا ضرورة ضمان سلامة مواطنيهم العالقين في القطاع.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *