رام الله- أعلنت الفصائل الفلسطينية عزمها تلبية الدعوة الروسية إلى الحوار أواخر الشهر الجاري، في محاولة من موسكو لإحداث اختراق في ملف المصالحة الفلسطينية المتعثرة منذ سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على قطاع غزة أواسط 2007.
وتتجه الأنظار إلى حركتي حماس والتحرير الوطني الفلسطيني (فتح) باعتبارهما طرفي الانقسام، على أمل أن تكون الظروف الحالية وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حرب إبادة في غزة دافعا للتقارب بين الحركتين.
وبينما خفض محلل سياسي سقف التوقعات من الحوار شددت حركة فتح على ضرورة التزام حركة حماس ببرنامج منظمة التحرير والاتفاقيات الدولية كمقدمة للانضواء تحت مظلتها، فيما تقول حماس إن الاشتراطات المسبقة لا تساعد في الوصول إلى حلول للقضايا الخلافية.
وفي 18 فبراير/شباط الجاري رحب الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال اجتماع للقيادة الفلسطينية بالدعوة الروسية، وأكد على ضرورة الالتزام بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير “وإنهاء إفرازات الانقلاب في العام 2007، والالتزام بمبدأ السلطة الواحدة والقانون الواحد والسلاح الشرعي الواحد والمقاومة الشعبية السلمية”.
وكانت روسيا أعلنت في 16 من الشهر الجاري أنها دعت قادة الفصائل الفلسطينية -بما فيها حماس والجهاد الإسلامي وفتح- إلى محادثات في موسكو يوم 29 من الشهر نفسه “ستمتد حتى الأول أو الثاني من مارس/آذار المقبل”، وفق ما أعلنه ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي.
الكرة في ملعب حماس
بدوره، يقول الناطق باسم حركة فتح حسين حمايل للجزيرة نت إن وفد الحركة إلى موسكو يضم عضوي اللجنة عزام الأحمد وسمير الرفاعي.
وعن أجندة الحوار، قال إن روسيا “ستطرح موضوع المصالحة الداخلية، وأن يكون الجميع تحت الشرعية الدولية ومنظمة التحرير وموضوع الحرب على غزة”.
أما عن سقف التوقعات من الحوار فقال إن “الموضوع متروك عند حركة حماس، نحن كفتح جاهزون، وعندنا استعداد للمرونة إلى أبعد الحدود بشرطين: استقلالية القرار الفلسطيني، والثوابت الوطنية”.
وأضاف حمايل أن من ضمن الثوابت التي “لا يمكن قبول المساس بها” منظمة التحرير، والتزام من ينضوي تحتها بالشرعية الدولية، وذلك “من أجل القدرة على العمل لاحقا، نظرا للهمّ الكبير الذي ينتظرنا ويتطلب حكومة قادرة على العمل، خاصة إعادة إعمار غزة وغيرها”.
وحتى تنجح حوارات موسكو يرى الناطق باسم الحركة أن “المطلوب من حماس أن توافق على المضي قدما في المصالحة دون أي مناورة، والالتزام باتفاقيات منظمة التحرير وميثاقها، نحن لسنا بصدد قضية حزبية بقدر ما هي مصالح وطنية عليا للشعب الفلسطيني”.
وتابع “في النهاية سيكون هناك برنامج وطني موحد، وتعرف حماس أن قضية المناورة الحزبية والخطابات والشعارات لا تجدي نفعا في ظل الدمار الذي لحق بالشعب الفلسطيني في غزة والمخططات الكبيرة للضفة الغربية”.
الشروط لا تُنجح الحوار
من جهته، يقول النائب عن حركة حماس في المجلس التشريعي (البرلمان) المحلول أيمن ضراغمة إن “نجاح الحوار يتطلب التراجع عن الشروط التي وضعها الرئيس أبو مازن، ومنها الاعتراف بالشرعية الدولية لدخول منظمة التحرير”.
وأضاف ضراغمة في حديثه للجزيرة نت “الأصل أن يتم التراجع عنها (الشروط)، وأن يتم الذهاب إلى موسكو بنوايا طيبة، لتشكيل موقف ضاغط على المجتمع الدولي والعربي لوقف العدوان على غزة”.
ووفق ضراغمة، فإن وجود شروط على حركتي حماس والجهاد الإسلامي “لن يساعد” في تحرك عجلة المصالحة، مضيفا “الحركتان مطالبتان بالالتزام ببرنامج منظمة التحرير، ولا أحد يعرف برنامج المنظمة، حتى المقاومة الشعبية التي تتبناها غير موجودة”.
وأضاف أنه “لا رؤيا لدى حركة فتح إلا التمسك ببرنامج المنظمة، هذه الأشياء يجب أن تكون لاغية، ولا حاجة للشروط”.
وتابع “الفصائل التي لها الوزن الأكبر -ويمكن معرفة ذلك بنتائج استطلاع للرأي أجري مؤخرا- يجب أن تكون لها حصة في الرأي حول البرنامج، أو نتوجه إلى الشارع الفلسطيني لإجراء الانتخابات، إذا كانت هناك جدية في الحوار فالأصل أن تكون قيادة موحدة تتكون من الأمناء العاملين للفصائل يرأسها الرئيس باعتباره رئيس اللجنة التنفيذية ويقودون برنامج العمل السياسي وتشكل حكومة متوافق عليها، هذا المقبول حاليا”.
عوامل ضاغطة
خارج خلافات حركتي فتح وحماس، يرى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف أن دعوة موسكو للفصائل “تعكس اهتمامها بالوضع السياسي العام في ظل حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني”.
وشدد أبو يوسف على أن المطلوب أكثر من أي وقت مضى هو “كيفية النهوض بأوضاع شعبنا، سواء في ما يتعلق بوقف حرب الإبادة أو رفض التهجير وعودة الاحتلال من خلال تثبيت وقائع على الأرض”.
وتابع أن الفصائل ستناقش على مدى 3 أيام “القضية الفلسطينية برمتها، وأهمية تضافر الجهود لوقف حرب الإبادة في غزة، ومسألة إنهاء الانقسام والمصالحة الفلسطينية”.
وشدد أبو يوسف على “حاجة الفلسطينيين إلى ترتيب البيت الداخلي في إطار منظمة التحرير الفلسطيني الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وانضواء الجميع في إطارها”.
وأضاف أن المخاطر الماثلة أمام القضية الفلسطينية “كبيرة وجدية”، مؤكدا على أهمية وحدة الفلسطينيين في رفض العدوان وحرب الإبادة “وهذه أولوية لأبناء شعبنا” مع الحفاظ على أهم إنجاز في تاريخ الشعب وهو منظمة التحرير الفلسطينية.
وقال إن “انضواء الجميع في إطار المنظمة التحرير هو حماية لكل القضية الفلسطينية واستمرار لنضال وكفاح شعبنا من أجل الحرية والاستقلال”.
لا جديد يُنتظر
بعيدا عن السياسيين، يجزم المحلل السياسي الدكتور أحمد رفيق عوض رئيس مركز القدس للدراسات بجامعة القدس بأن لقاءات موسكو لن تأتي بجديد “رغم أهميتها”.
وقال عوض في حديثه للجزيرة نت إنه “لا يمكن التعويل كثيرا على لقاء موسكو رغم أهميته كونه يأتي بعد نحو سنة تقريبا من لقاءات العلمين في مصر ويشكل فرصة لتبادل الأفكار”.
وبرأي المحلل الفلسطيني، فإن الفصائل “أكثر ذكاء وحنكة وتقديرا لفكرة أنه لا يمكن الإعلان عن اتفاق في موسكو لاعتبارات جيوسياسية”، و”الأطراف تعرف حجومها وسقوفها ولأي عاصمة تبيع الاتفاق إذا كان هناك اتفاق، ومتى وكيف”.
ويضيف عوض أن موسكو تريد أن تقول إن لها نفوذا وتحافظ على العلاقة مع جميع الأطراف الفلسطينية لتناكف أميركا، مع أنها أقل تأثيرا على الفصائل الفلسطينية من جهات أخرى.
وعن اشتراط حركة فتح التزام حماس ببرنامج منظمة التحرير والتزاماتها بالقوانين والشرعية الدولية، لم يستبعد أن يكون ذلك “شرطا دوليا لقبول الحركة في المنظمة رغم أن القوانين الدولية لم تؤد إلى نتائج عملية، مما يعني أن العالم والولايات المتحدة يريدان إجبار الفلسطينيين على سقوف لحل الصراع”.