الفاشر- في خضم الدمار الذي خلفته الحرب الدائرة حاليا في مدينة الفاشر (عاصمة شمال دارفور) بين الجيش السوداني والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلحة من جهة، والمقاومة الشعبية من جهة أخرى، ضد قوات الدعم السريع، برز دور نشيط للشباب المحلي في محاولة التصدي لهذه التحديات الصعبة.
ورغم تدمير عديد من المرافق الحيوية كالمراكز الصحية والتعليمية، فإن مجموعات شبابية تمكنت من تنظيم مبادرات تطوعية لمساعدة المجتمع والحفاظ على استمرارية الخدمات الأساسية.
وبفضل هذه الجهود المتواصلة والتنسيق الوثيق مع السلطات المحلية، تمكن هؤلاء الشباب من تقديم عديد من الخدمات، من بينها إنشاء مستشفى جديد للأطفال في غضون 4 أيام فقط، بعد أن لحقت بالمستشفى السابق أضرار بالغة جراء القصف.
وبدأ المستشفى عمله بتقديم الخدمات الصحية الأساسية للمحتاجين، ليصبح رمزا لصمود أهل الفاشر وإرادتهم في مواجهة الظروف الصعبة.
من أجل الأطفال
يقول أنور خاطر أحد مؤسسي مبادرة التطوع، للجزيرة نت، إن قرار إنشاء مستشفى بديل جاء بعد خروج مستشفى الأطفال في المدينة عن الخدمة، بسبب وقوع قذيفة بالقرب منه، حيث وقع الاختيار على مركز صحي “سيد الشهداء” في حي الثورة لإعادة ترميمه وتهيئته ليصبح مستشفى جديدا لمعالجة الأطفال المصابين.
وأوضح خاطر أن بعض الشباب المتطوعين في المستشفى يعملون على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين من ويلات الحرب، بينما يحاول آخرون البحث عن مصادر للدعم أو توفير أدوية.
وقال سليمان محمد، وهو أحد الشباب المبادرين في المستشفى، إنه شاهد بعينه معاناة الأطفال جرّاء الحرب، وإن هذا الأمر كان دافعا له وللشباب للتحرك بسرعة لإنقاذهم. وأضاف “لم نكن نملك كثيرا من الإمكانات، ولكننا أوفينا بما استطعنا”.
واعتمد محمد ومن معه على جهود المتطوعين والتبرعات المحلية لإنجاز هذا المشروع في وقت قياسي، وأكد أن هدفهم الأساسي هو تقديم الرعاية الطبية للأطفال وتخفيف آلامهم، وبذل الجهد لتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة، وتوفير الدعم النفسي لهم ولعائلاتهم لمساعدتهم على تجاوز محنة الحرب.
ويضيف زميلهم المبادر الطيب الطاهر، للجزيرة نت، أن هذه المبادرة تأتي ضمن مجموعة مبادرات شبابية في عدة مجالات انطلقت منذ اندلاع الحرب في السودان أبريل/نيسان العام الماضي، وأوضح أنها تواجه تحديات جمة على الصعيد اللوجستي والتمويلي، لكنها تظل مصدر أمل في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها مدينة الفاشر.
وبرأي الطاهر، تعكس هذه الجهود الشبابية الطوعية روح المواطنة والتماسك المجتمعي في مواجهة ويلات الحرب، ولكن نجاحها يتطلب جهد الجميع، بما يعزز من قدرتها على التصدي للتحديات، وتحقيق الأهداف المنشودة لخدمة المدينة.
تحديات الوضع الصحي
تقول الطبيبة مناهل علي إنه بالرغم من التحديات الشاقة، فإن الجهود الطوعية من المبادرين تشجع المواطنين والمؤسسات للانضمام إلى هذه الجهود والمساهمة في دعمها ماديا ومعنويا.
وذكرت أن من أكبر التحديات التي تواجههم النقص في أدوية الطوارئ ومعدات العمليات، بالإضافة إلى صعوبة التخلص من النفايات، مؤكدة أن جميع الكوادر العاملة متطوعون، الأمر الذي يتطلب توفير الدعم اللازم لهم حتى يتمكنوا من القيام بأدوارهم بشكل أفضل.
وفي حديثها للجزيرة نت، روت ممثلة الطاقم الطبي المتطوع في مستشفى الأطفال الجديد عزيزة حسين هاشم تفاصيل المأساة الإنسانية التي شاهدتها داخل المستشفى، ووضحت أنها قررت العمل بشكل تطوعي منذ بداية الحرب، بهدف تضميد جراح المصابين قدر المستطاع.
وذكرت أن المستشفى استقبل أكثر من 100 حالة للأطفال منذ اليوم الأول، مغطيا بخدماته 18 حيا سكنيا داخل الفاشر، بالإضافة إلى مراكز الإيواء والقرى المجاورة، ولفتت إلى أن أغلب الحالات المسجلة هي إصابات بالرصاص العشوائي، بالإضافة إلى بعض الحالات المرضية.
وشددت عزيزة على ضرورة دعم المبادرين في سبيل إكمال أعمال الصيانة والترميم المتبقية داخل المستشفى، لضمان استمرار توفير الرعاية الطبية اللازمة للأطفال المحتاجين. وذكّرت بأهمية التكاتف المجتمعي والدعم الحكومي لتطوير المرافق الصحية في المناطق المتضررة من النزاعات.
القتال في المدينة
تشهد الفاشر منذ أكثر من 8 أيام مواجهات عسكرية دامية بين الجيش وحلفائه من الحركات المسلحة ضد قوات الدعم السريع، أدت إلى مقتل العشرات وإصابة آخرين.
ومع سعي “الدعم السريع” للسيطرة على المدينة الوحيدة المتبقية في إقليم دارفور خارج سيطرتها، تلاحقها اتهامات بتعمد استهداف المدينة المأهولة بالسكان عبر المدافع من الخارج، بعد أن تمكن الجيش والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلحة من السيطرة على المدينة بالكامل.
ودان مدير عام وزارة الصحة بشمال دارفور إبراهيم خاطر -في تصريحات للإذاعة المحلية- استهداف قوات الدعم السريع المرافق الصحية والمدنيين. وأعرب عن شكره وامتنانه للمبادرين والكوادر الطبية والصحية لصبرهم على أداء مهامهم الإنسانية، في ظل الأوضاع الأمنية المحفوفة بالمخاطر، داعيا للتحلي بمزيد من الصبر والثبات والتضحية في أداء مهامهم.
في حين قال المدير الطبي لمستشفى الفاشر للنساء والتوليد الدكتور مدثر إبراهيم سليمان -في تصريح لإذاعة محلية- إن المستشفى تعرض لقصف مدفعي تسبب في تعطل منظومة المياه والكهرباء، بالإضافة إلى تلف جزئي في منظومة الطاقة الشمسية، وتحطيم نوافذ غرف العمليات واستراحة الأطباء.
وأوضح أن الكوادر الطبية والإدارية في المستشفى بذلت جهودا كبيرة لاستعادة الخدمات الطبية قدر الإمكان، إلا أنهم يواجهون تحديات كبيرة، إذ تتزايد المخاوف من توقف المرافق الطبية الحكومية والخاصة في الفاشر عن العمل، نتيجة تعرضها للقصف.
وقال مسؤولون صحيون إن مستشفى الفاشر الجنوبي هو المرفق الطبي الحكومي الوحيد الذي لا يزال يعمل في المدينة، حيث يواجه صعوبات بالغة بسبب تدفق كبير للجرحى، وندرة الأدوية والمعدات الطبية.