واشنطن- تعرضت الإدارة الأميركية لحرج كبير تسبب فيه اضطرار وزارة الدفاع (البنتاغون) إلى تعليق إدخال المساعدات الإغاثية إلى قطاع غزة على خلفية انهيار جزء من الرصيف العائم الذي بناه الجيش الأميركي قبالة ساحل القطاع المحاصر.
وأشارت بيانات البنتاغون إلى أن الطقس السيئ وارتفاع الأمواج في شرق البحر المتوسط تسبب في انهيار أجزاء من الرصيف العائم، وانفصال 4 سفن حربية أميركية كانت تُستخدم لتثبيته.
وفي حديث للجزيرة نت، أفاد مسؤول عسكري أميركي سابق بأن “سياسات البنتاغون كانت السبب المباشر في وقوع هذه الفضيحة المدوية”.
مجرد إضافة
وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الثلاثاء الماضي، إنهم “ممتنون لأن الولايات المتحدة بنت الرصيف العائم، لكنه لا يمكن أن يحل محل فتح المعابر البرية”.
وقال إن نحو 97 شاحنة محملة بالمساعدات دخلت عن طريق الرصيف، وهي “مجرد إضافة صغيرة إلى ما نحتاجه بالفعل”.
كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟
منذ بدء عدوانها على غزة عقب عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تسيطر إسرائيل على عملية إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع عبر المعابر البرية.
ومع عرقلة الاحتلال إدخالها، لجأت الولايات المتحدة أولا لعمليات الإسقاط الجوي للمساعدات، وهو ما لم يثبت أي نجاح، ثم إلى فكرة الميناء المؤقت والرصيف البحري.
استغرق بناء الرصيف شهرين بتكلفة 320 مليون دولار، وشارك قرابة ألف جندي أميركي في بنائه. ويتكون الميناء من جزأين:
- جسر مزدوج المسارات يقع على الشاطئ، جرى تركيبه من طرف الجيش الأميركي، ورصيف ترابي في شواطئ غزة.
- والجزء الثاني هو منصة في عرض البحر على بعد 5 كيلومترات من شاطئ غزة، يصل طولها إلى 270 قدما وعرضها 72 قدما، وهي مخصصة لاستقبال وتفريغ حمولة السفن الكبيرة التي لا يمكن أن تصل المياه الضحلة قرب الشاطئ. وتم استخدام هذه الآلية لأسبوع فقط قبل أن تنهار أجزاء منها.
وذكر بيان صدر عن البنتاغون، الثلاثاء الماضي، أن “4 سفن تابعة للجيش الأميركي تدعم مهمة المساعدات الإنسانية البحرية في غزة تأثرت بحالة البحر العاتية يوم السبت 25 مايو/أيار الحالي، مما أدى إلى تحرك أجزاء تُستخدم لتثبيت الرصيف من مراسيها بسبب انقطاع الطاقة ومن ثم ابتعادها عن الشاطئ”.
وأضاف البيان ذاته أنه “سيتم خلال الـ48 ساعة القادمة إزالة الرصيف من موقعه الراسي على الساحل وسحبه إلى ميناء أسدود الإسرائيلي، حيث ستُجري القيادة الوسطى الأميركية إصلاحات فيه. وستستغرق عملية إعادة بنائه وإصلاحه أكثر من أسبوع على الأقل، وسيكون من الضروري، بعد اكتماله، إعادة تثبيت رسوه على ساحل غزة”.
سياسات تقشف
وفي حديث للجزيرة نت، قال خبير الشؤون الدفاعية مايكل بيك إنه مع وجود رصيف مؤقت، هناك دائما خطر حدوث ضرر من سوء الأحوال الجوية. وهو ليس بديلا عن ضرورة وجود ميناء دائم، وكذلك ليس بديلا موثوقا به لقوافل المساعدات عبر الطرق البرية.
وبرأيه، فهو أفضل بكثير من الإمدادات الجوية. مضيفا أنه “لحسن الحظ” تم تصميم هذه الهياكل المؤقتة ليتم إصلاحها بسرعة إلى حد ما. “ومن المفارقات أن يجري إصلاح الرصيف في إسرائيل”.
وأشارت تقارير إلى أن بين سفن التثبيت الأربع التي انفصلت في وقت سابق من هذا الأسبوع، طفت 2 منها شمالا وهبطتا على شاطئ في ميناء أسدود، بينما لا تزال السفينتان الأخريان راسيتين على الشاطئ قرب الرصيف البحري قبالة قطاع غزة.
يتطلب الرصيف المؤقت ظروفا بحرية جيدة جدا للعمل. ولا يمكن تشغيله بأمان إلا في موجات لا ترتفع أكثر من 3 أقدام كحد أقصى ورياح أقل من 15 ميلا في الساعة تقريبا.
من ناحيته، يقول ديفيد دي روش، أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، والمسؤول السابق بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، إن تدمير الرصيف البحري هو نتيجة مباشرة لبعض التدابير المضللة لخفض التكاليف من قبل الجيش الأميركي تحت قيادة وزير الدفاع السابق مارك إسبر ورئيس الأركان السابق الجنرال مارك ميلي.
وفي حديث مع الجزيرة نت، اتهم دي روش أكبر مسؤولين عسكريين في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بالتسبب غير المباشر في ما اعتبرها “فضيحة كبيرة”.
طريقة مكلفة
ووفق الأكاديمي دي روش، فإن المسؤولين السابقين بادروا ببحث كيفية تخفيض ميزانية وبرامج ومعدات القوات البرية، وقرروا تقليل أعدادها. ومن هذه التخفيضات كانت سفن مائية تابعة للقوات البرية.
وأضاف أنهم احتفظوا بهذه اللوجستيات المشتركة فوق الشاطئ (تم استخدام 4 منها في رصيف غزة البحري) وبعض سفن الإنزال، لكنهم تخلصوا من القاطرات والسفن الكبيرة الأخرى اللازمة لنقل المعدات ووضعها في مكانها.
وحسب دي روش، فإنه كان بالإمكان إسناد مهمة بناء الرصيف للقوات البحرية الأميركية. وقال “لقد كانت لدينا هذه القدرات اللازمة دون الحاجة لمعدات التثبيت لمواجهة حالات الطقس السيئ”.
ورجح أنه لن يكون لإدخال المساعدات بهذه الطريقة تأثير كبير على الوضع الإنساني في غزة، بل ستكون عرضة (بمجرد وصولها إلى القطاع) للوقوع في أيدي حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
ويرى أنها طريقة مكلفة للغاية لنقل البضائع إلى غزة “وسيكون من الأجدر نقلها بالشاحنات عبر المنافذ الحدودية، التي يمكن أن تكون تحت إشراف الجانب الإسرائيلي”.
يُذكر أنه قبل 5 أعوام، طلب الكونغرس من القوات البرية الأميركية وقف خططها لخفض أعداد قطعها البحرية الضخمة من سفن الإنزال البرمائية ومراكب الإنزال ومجموعة متنوعة من الأصول البحرية الأخرى، والتي يشار إليها أيضا باسم “بحرية القوات البرية”.
جاء ذلك بعد أن تم عرض سفينة الدعم اللوجستي من فئة “يو إس إيه ف إس إس جي تي” (USAV SSGT روبرت تي كورودا) للبيع، وبعد رفع مؤقت من موقع المزاد الخاص بإدارة الخدمات العامة بوزارة الدفاع، عادت سفن وأصول بحرية تخص القوات البرية مرة أخرى لتُعرض للبيع، مما يدل على أن خطط التصفية تمضي قدما كما هو مخطط لها مسبقا على الأقل.