الخرطوم- يعد السودان الآن بؤرة لأكبر أزمة نزوح في العالم، سواء داخل السودان أو في الدول المجاورة، خاصة النساء والأطفال، حيث يفر الملايين بسبب الهجمات المروعة التي تسببها الأطراف المتحاربة، وفقا لما أكده الممثل الأعلى للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في بيان بمناسبة مرور عام على الحرب المستعرة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ونبّه بوريل -في بيانه- إلى أن ممارسات الأطراف في الحرب السودانية تشمل التطهير العرقي والقصف العشوائي والعنف الجنسي والاتجار بالبشر والاحتجاز التعسفي والتجنيد القسري والنهب.
ويأتي توصيف بوريل مشابها لتصريحات أغلب المسؤولين الدوليين الشارحة للوضع الإنساني بالغ السوء الذي أفرزته الحرب في السودان. ووفقا للأمم المتحدة، فإن الاشتباكات المسلحة في السودان مسؤولة عن “أكبر عدد من النازحين في العالم”.
ومع مرور عام كامل على اندلاع الحرب في السودان واستمرار القتال العنيف المتمدد في مساحات شاسعة بالسودان، تقول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن الدول المجاورة للسودان تعيش أيضا واحدة من أضخم الأزمات الإنسانية وأزمات اللجوء وأكثرها تعقيدا على مستوى العالم.
نزوح مستمر
ويصعب على الوكالات الأممية والسلطات المحلية تقديم أرقام جازمة بعدد النازحين واللاجئين الفارين من مناطقهم مع اتساع القتال وانقطاع خدمات الاتصال والإنترنت في أجزاء واسعة من البلاد بالترافق مع اشتداد المعارك.
وتقول مصادر في ولاية شمال دارفور للجزيرة نت إن الهجمات التي تنفذها قوات الدعم السريع على قرى غرب الفاشر أدت إلى نزوح ما يزيد على 6 آلاف شخص خلال الأيام الثلاثة الماضية.
وأفادت مفوضية اللاجئين، في أحدث تقاريرها في التاسع من أبريل/نيسان الجاري، بأن عدد السودانيين المجبرين على الفرار تجاوز الآن عتبة الـ8.5 ملايين شخص، عبّر 1.8 مليون منهم إلى خارج حدود البلاد.
وتقول المنظمة الدولية للهجرة إن نحو 10.7 ملايين شخص نزحوا بسبب النزاع في السودان، منهم 9 ملايين داخل البلاد، بينما فرَّ 1.7 مليون إلى دول الجوار.
والحرب التي انطلقت شرارتها في العاصمة الخرطوم يوم 15 أبريل/نيسان 2023، لم تلبث أن تمددت إلى 4 من ولايات دارفور الخمس، ثم إلى ولايات كردفان والجزيرة المتاخمة وسنار، كما لم تسلم حدود ولاية القضارف الواقعة شرق السودان والمتاخمة لولاية الجزيرة من معارك متفرقة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ومع كل اتساع لدائرة القتال، يتضاعف عدد الفارين الباحثين عن الأمان حيث تتكدس ولايات البحر الأحمر، وكسلا، والقضارف، علاوة على الولايات الشمالية والنيل الأبيض بآلاف النازحين الذين اضطروا لمغادرة منازلهم تحت وطأة القصف أو هربا من الانتهاكات التي تمارسها قوات الدعم السريع، لا سيما في ولايات دارفور والجزيرة.
النساء والأطفال
وحسب المتحدث باسم الحكومة السودانية جراهام عبد القادر، فإن عدد النازحين في البلاد بلغ أكثر من 11 مليون شخصا، وأفاد في تصريحات خلال فبراير/شباط الماضي بأن “أكثر النازحين من النساء والأطفال، حيث بلغ عدد النساء 4 ملايين امرأة نازحة، بينما بلغ عدد الأطفال النازحين 3 ملايين”.
وأفاد عبد القادر بأن 90% من النازحين من ولاية الخرطوم والجزيرة وولايات دارفور، مؤكدا التزام الحكومة بإيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين عبر إجراءات وترتيبات تضمن سيادة البلاد.
وذكرت الفرق الميدانية لـ”مصفوفة تتبع النزوح” التابعة لمنظمة الهجرة الدولية أن 12 ولاية في السودان شهدت موجات نزوح، وأفادت بنزوح أكثر من 8.6 ملايين شخص بسبب القتال داخل السودان، يعيش ما يزيد على 6.6 ملايين منهم بشكل رئيسي مع المجتمعات المضيفة في 7076 موقعا عبر ولايات السودان الـ18.
ومن بين مليوني شخص فروا من البلاد، لجأ نحو 1.8 مليون شخص إلى البلدان المجاورة، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان حتى 31 مارس/آذار الماضي، وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ومع نزوح ما يقرب من 4 ملايين طفل، يواجه السودان أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم. وينتمي النازحون داخليا في الأصل إلى 12 ولاية، وأغلبهم -نحو 3.6 ملايين شخص أو 54% من جميع النازحين بعد أبريل/نيسان- من الخرطوم.
ومع تمدد الصراع إلى الجزيرة في ديسمبر/كانون الأول، اضطر أكثر من نصف مليون شخص إلى الفرار في شهر واحد، وكان عديد منهم قد نزحوا للمرة الثانية من الخرطوم في السابق.
عبور الحدود
ما زال الآلاف من السودانيين وحاملي جنسيات أخرى -كان السودان يستضيفهم- يعبرون الحدود يوميا، وتقول مفوضية الأمم المتحدة للاجئين إن أكثر من 1800 شخص يصلون إلى جنوب السودان، مما يزيد الضغوط التي تتعرض لها البنى التحتية المستنزفة أصلا، ويفاقم الاحتياجات الإنسانية الكبيرة.
فقد استقبلت البلاد العدد الأكبر من الفارين من السودان (نحو 640 ألف شخص)، كثير منهم لاجئون جنوب سودانيون عادوا إلى بلادهم بعد سنوات طويلة.
وتشهد تشاد المحاذية لحدود السودان الغربية أكبر تدفق للاجئين في تاريخها، حيث تم نقل معظم اللاجئين إلى مواقع جديدة وموسعة، لكن أكثر من 150 ألفا منهم ما زالوا في مناطق حدودية، وسط ظروف غير صحية تتسم بالاكتظاظ، وفقا للمفوضية.
في جمهورية أفريقيا الوسطى، وصل أكثر من 2200 شخص من السودان مارس/آذار الماضي وحده إلى مناطق يصعب الوصول إليها، وتعوق التحديات اللوجستية إيصال مواد الإغاثة إليها.
وازداد عدد اللاجئين السودانيين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين في مصر 5 أضعاف خلال العام الماضي، بمعدل يومي يتراوح بين ألفي و3 آلاف لاجئ وطالب لجوء قصدوا مرافق استقبال المفوضية في القاهرة الكبرى ومدينة الإسكندرية.
من جهتها، تقدر السلطات المصرية عدد الذين عبروا الحدود منذ الحرب بنحو 400 ألف سوداني، لكن آلافا آخرين وصلوا القاهرة ومحافظاتها عبر التهريب وهو ما ليس مشمولا في الإحصاءات الرسمية للدولة.
أما إثيوبيا -التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين على مستوى القارة الأفريقية- فقد أبلغت عن استمرار وصول لاجئين جدد تجاوز عددهم مؤخرا 50 ألف شخص.
وخلال العام الماضي، استقبلت أوغندا 30 ألف لاجئ سوداني، بما في ذلك أكثر من 14 ألفا منذ بداية العام. ويأتي أغلب السودانيين الواصلين من الخرطوم، وهم من الحاصلين على المستوى الجامعي من التعليم.
وتظهر إحصاءات مفوضية اللاجئين الأممية تزايدا في تحرك اللاجئين السودانيين صوب أوروبا مع وصول 6 آلاف شخص إلى إيطاليا، انطلاقا من ليبيا وتونس منذ بداية عام 2023، وهي زيادة بـ6 أضعاف مقارنة بالعام السابق.