السنغال في دوامة أزمة سياسية من جديد

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

عاد التوتر من جديد عنوانا للساحة السياسية في السنغال، وبدت بوادر الخلاف بين الحكومة والمعارضة تشكل فصلا آخر للأزمة، لكن هذه المرة مع تبادل الأدوار حيث تحول النظام القديم إلى معارضة في حين تمسك المعارضة القديمة بزمام الحكم اليوم.

كان من المتوقع أن يستتب الأمر للحكومة الجديدة بقيادة الوزير الأول عثمان سونكو بعد تنصيب باسيرو ديوماي فاي رئيسا للبلاد في أبريل/نيسان 2024، لكن رياح المعارضة جرت بما لا تشتهيه سفن الحكومة الجديدة.

ووقفت المعارضة المسلحة بغالبية برلمانية وفي بعض المجالس المحلية بقوة في وجه السلطة الحالية لإعاقة برامجها.

ولم يكن الخلاف بين السلطة التشريعية والتنفيذية إلا جزءا من فصول أزمة وصراع سياسي تدور محاوره حول سعي الحكومة الجديدة إلى فتح تحقيق حول ملفات عقود النفط والغاز ومساءلة الضالعين في الاختلاس وسوء التسيير، وهو الأمر الذي ترى فيه المعارضة محاولة لاستهدافها والقضاء على إرثها السياسي.

وقد أدى تضارب وجهات النظر بين النظام والمعارضة إلى تأزيم الوضع السياسي فاستخدم كل طرف وسائله، إذ تم تعطيل برامج الحكومة وحل البرلمان وفتح ملفات التحقيق وحظر السفر على عدد من المسؤولين.

باسيرو فاي تعجل بحل البرلمان لعدم انسجامه مع البرنامج الذي تقدم به للشعب (رويترز)

برلمان معارض

ولم يكن تغيير البرلمان من أولويات الرئيس باسيرو فاي إلا أن عدم الانسجام مع البرنامج الذي تقدم به للشعب كان وراء التعجيل بحله، فخلال مناقشة مشروع الميزانية العامة للدولة في يونيو/حزيران الماضي انسحب تحالف نواب المعارضة لمنع اعتمادها.

وكان تحالف عثمان سونكو وعبد الله واد، بحاجة إلى انضمام 3 نواب من أجل الحصول على أغلبية مطلقة، بعد إحرازهما معا 80 مقعدا من أصل 165 هي عدد مقاعد البرلمان السنغالي.

وفي 3 سبتمبر/أيلول الماضي عرضت الحكومة مشروع تعديل دستوري على المجلس التشريعي يقضي بإلغاء هيئتين استشاريتين هما “المجلس الاقتصادي والاجتماعي” و”المجلس الأعلى للجماعات المحلية” لكن تحالف نواب “بينو بوك ياكار” الذي يمتلك أغلبية من عهد الرئيس السابق ماكي سال أسقط مشروع التعديل.

وترى الحكومة أن المؤسستين بلا جدوائية وفي حالة إلغائهما ستوفر الميزانية العامة مبلغا يزيد على 70 مليار فرنك أفريقي، أي حوالي 114 مليون يورو في كل 5 سنوات.

وبعد رفض التعديلات وتلويح النواب بحجب الثقة عن برنامج الحكومة أصدر الرئيس يوم 12 سبتمبر/أيلول مرسوما رئاسيا بحل البرلمان، وأعلن عن تنظيم انتخابات في 17 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

قال فاي إنه يتوجه إلى الشعب ليعطيه الوسائل المؤسسية التي تتيح له تجسيد برنامجه الذي انتخب من أجله، معتبرا أن العمل مع الجمعية الوطنية (البرلمان) لتنفيذ برامجه والإصلاحات الاقتصادية التي وعد بها أصبح صعبا.

وصدر مرسوم حل البرلمان بعدما أفتى المجلس الدستوري بقانونية الخطوة التي تندرج ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية.

Members of the National Assembly look on at the start of the examination of the proposed amnesty law in Dakar on March 6, 2024. (Photo by JOHN WESSELS / AFP)
مرسوم حل البرلمان صدر بعدما أفتى المجلس الدستوري بقانونية الخطوة (الفرنسية)

ملفات الفساد

وتعكس الأزمة القائمة بين جناحي المعارضة والنظام خلافات عميقة وتباينا في الرؤى بين أنصار النظام الجديد والقديم إزاء العديد من الملفات أبرزها قضايا الاقتصاد وخاصة مراجعة عقود النفط والغاز التي تمت في عهد الرئيس السابق.

ففي أغسطس/آب الماضي قال رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو إن حكومته شكلت لجنة تضم خبراء قانونيين لمراجعة عقود المحروقات والعمل على مواءمتها بما يتماشى مع مصالح البلاد.

وقد أثارت تلك الخطوة حفيظة النواب وعدد من المسؤولين المحسوبين على نظام ماكي سال، وبرر النواب رفضهم لتعديل الدستور وعدم التصويت على برامج الحكومة بأن النظام الجديد يريد القضاء على الإرث السياسي للنظام السابق.

وفي نهاية سبتمبر/أيلول الماضي أعلن سونكو نتائج التقييم المالي للبلاد، وقال إن من كانوا يديرون الأمور قبله انتهجوا سياسة استدانة تفتقر للضوابط وعملوا على تزوير الأرقام التي كانت تقدم للشركاء الدوليين، وزعم أن النظام المنصرف مارس الاستخدام غير الشفاف للموارد.

وسبق أن توقع مراقبون أن يتسبب الشروع في الإصلاحات المالية والاقتصادية بتسريع المواجهة بين النظام الجديد وجيل الأنظمة السابقة الذي ما زال يتحكم في مفاصل الدولة.

وفي مقال له بالجزيرة نت حول فرص وتحديات الرئيس السنغالي الجديد، قال الدبلوماسي السوداني عطا المنان بخيت إن حزب باستيف الحاكم سيصطدم بجيل الدولة العميقة ويدخل معه في معركة كسر العظام، إذا شرع في برامج مكافحة الفساد.

سونكو (في الوسط يسار) وسال (بالمنتصف) وعلى يمينه باسيرو فاي بالقصر الرئاسي (الفرنسية)

معركة الترشيح

أعلنت لجنة الانتخابات عن 41 قائمة تم قبولها لخوض انتخابات البرلمان البديل، وتضم اللائحة العديد من الأحزاب والائتلافات والكتل السياسية التي تسعى للبقاء في المشهد السياسي.

وستنطلق الحملة الانتخابية 27 أكتوبر/تشرين الأول الجاري وتنتهي يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني القادم، وبعد يوم الصمت الانتخابي سيكون الاقتراع يوم 17 من الشهر نفسه.

وقد بدا المشهد السياسي المحلي مرتبكا بسبب ضيق الفترة الزمنية المقررة للانتخابات، وسيكون من الصعب التنسيق بين الأحلاف السياسية التي تغيّرت مواقعها وتضاربت مصالحها.

ويريد الرئيس السابق ماكي سال دخول المشهد السياسي من جديد، ولكنه في هذه المرة من بوابة المعارضة التي سبق أن أوصلته للسلطة عام 2012، وشكل تحالفا جديدا يدعى “تاكو والو سنغال” (أنقذوا السنغال)، ويضم حزب التحالف من أجل الديمقراطية (الحزب الحاكم سابقا) والحزب الديمقراطي السنغالي برئاسة كريم واد نجل الرئيس السابق عبد الله واد.

وسيكون سال على رأس لوائح التحالف الجديد لمواجهة خصومه الذين أخرجوه من السلطة في الانتخابات الرئاسية الماضية، ومن أجل ذلك قدم استقالته من منصبه كمبعوث خاص لميثاق باريس من أجل الشعوب والكوكب الذي كلفه به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أواخر عام 2023 وذلك قبل خروجه من رئاسة السنغال بـ3 شهور.

وفي خطوة تصب في اتجاه التصعيد ورفع وتيرة المنافسة، تقدم تحالف “تاكو والو سينغال” بطلب إلى المجلس الدستوري لمنع ترشيح رئيس الوزراء عثمان سونكو على رأس لوائح حزب “الوطنيون الأفارقة من أجل الأخلاق والعمل” (باستيف).

لكن الدستوري رفض الطعن الرامي لإلغاء ترشيح رئيس الوزراء لأنه ليس صادرا عن إدارة الانتخابات التي تنفرد بحق الاعتراض ضد ترشيح الأشخاص.

ويعتبر سونكو ملهما للشباب السنغالي لأنه استطاع قلب الكفة وتغيير الموازين منذ أن دخل المعترك السياسي عام 2014 رافعا شعار محاربة الفساد وإشراك الشباب، حتى استطاع حزبه كسب السباق الرئاسي عن طريق تحالف المعارضة في الجولة الأولى من السباق، وهي سابقة في تاريخ البلاد.

وعلى صعيد الترحال السياسي وإعادة التموقع أدار مرشح الأغلبية السابقة للرئاسيات أمادو باه ظهره لرفيق دربه ماكي سال، وقرر خوض الانتخابات على رأس تحالف السلام والازدهار والمعروف بـ”جام آك نجارين”.

أمادو باه خاض الانتخابات على رأس تحالف السلام والازدهار (رويترز)

المحاكمة والحصانة

يراهن قادة الحكومة على كسب الأغلبية المريحة في البرلمان من أجل إتاحة الفرصة لتنفيذ برامجها، وسيتيح لها كسب الرهان الانتخابي الشروع في محاكمة المسؤولين الساميين في العهود السابقة مثل رئيس الجمهورية الذي لا يمكن أن يحاكم إلا من طرف محكمة خاصة يصادق عليها البرلمان.

ونقلت صحيفة “سنا ويب” عن وزير البنى التحتية مالك ندياي أن حزب باستيف إذا فاز في الانتخابات فسيطلب من الجمعية الوطنية تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة الرئيس ماكي سال والوزراء السابقين.

كما نقلت الصحيفة تصريحات أدلى بها عثمان سونكو يقول فيها إن سال إذا أصبح رمزا سياسيا من جديد سيسهم ذلك في إفلاته من العقاب، وذلك ما يعني أن النظام القائم يتجه للتحقيق معه.

ولكسب الرهان دفعت الحكومة الحالية بعدد من أعضائها إلى الترشح في عدد من الدوائر لاستقطاب المصوتين وإقناعهم بالالتحاق بمشروع حزب باستيف الذي يقوده الشباب، وفي المقابل يريد الرئيس السابق الذي أدار البلاد 13 عاما أن يبقى في دائرة النفوذ والسياسة، ويكسب حصانة جديدة عن طريق البرلمان.

ويسعى سال ورموز المعارضة أن يمنعوا النظام من كسب الأغلبية التي تسمح له بتشكيل المحكمة السامية عن طريق البرلمان التي يخولها القانون وحدها بمحاكمة أصحاب المناصب السامية عن فترة إدارتهم للبلاد.

سال يسعى ورموز المعارضة أن يمنعوا النظام الحاكم في السنغال من كسب الأغلبية التي تسمح له بتشكيل المحكمة السامية (الفرنسية)

تهم بالقمع

ويتهم سال ورموز نظامه بقمع المظاهرات والاحتجاجات الذي راح ضحيته عدد من القتلى والجرحى، وحسب معطيات محكمة العفو الدولية فإن النظام السابق قتل 60 شخصا بسبب القمع السياسي في الفترة الممتدة بين 2021-2024.

وقد نقلت صحيفة لوموند الفرنسية عن مصادر من داخل حزب مكي سال أن النظام سحب جوازات أكثر من 50 شخصا بينهم وزراء ونواب سابقون ومديرون تنفيذيون.

ووصفت الصحيفة الانتخابات المرتقبة بأنها عبارة عن جولة ثانية بين حزب باستيف وماكي سال الذي أطيح به في الشوط الأول من الانتخابات الرئاسية الماضية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *