الخرطوم – كشف مفاوضون من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أسباب انهيار المحادثات غير المباشرة بينهما التي استمرت أكثر من شهر في مدينة جدة السعودية، بشأن الملف الإنساني وتنفيذ خطوات بناء الثقة وإنهاء المظاهر العسكرية في العاصمة.
وحصلت الجزيرة نت على تصريحات خاصة من مصادر في وفدي الجيش والدعم السريع إلى مفاوضات جدة، لكنهما اشترطا عدم الكشف عن هويتهما، وتكشف التصريحات رأي كل طرف في أسباب توقف المفاوضات.
تراجع الدعم السريع
وقال عضو في وفد الحكومة المفاوض للجزيرة نت، إن سبب تعثر المفاوضات هو تمسك وفد قوات الدعم السريع بمقايضة خروجها من منازل المواطنين في الخرطوم، عبر وضع نقاط تفتيش في الطرقات وقرب المؤسسات الحكومية ومواقع الخدمات “مياه وكهرباء” والمستشفيات، عقب انسحابهم منها بعد اعترافهم باحتلال منازل المواطنين.
وأوضح العضو -الذي طلب عدم الكشف عن هويته- أن موقف الدعم السريع يعتبر تراجعا عن “إعلان جدة” الموقع في الطرفين في مايو/أيار الماضي، والتزم فيه الطرف الآخر بالخروج من منازل المواطنين والأعيان المدنية ومواقع الخدمات، ولم يكن هناك أي شرط مقابل ذلك.
ورأى أن وجود نقاط تفتيش للدعم السريع في الطرق وقرب المؤسسات الحكومية والمواقع المدنية يشكل خطرا على المواطنين، كما أن تلك النقاط من مسؤولية الشرطة وليس من مسؤولية القوات العسكرية، ويخالف “إعلان جدة” بإنهاء المظاهر العسكرية في العاصمة.
واتهم المتحدث قوات الدعم السريع بالفشل في تنفيذ بنود بناء الثقة بين الطرفين، بالقبض على عناصرها التي فرت من السجون في الأسبوع الثاني من الحرب في منتصف أبريل/نيسان الماضي، حيث اقتحمت عدة سجون في العاصمة؛ وهو ما أدى إلى خروج نحو 20 ألف سجين، بينهم عشرات من “المتمردين” المحكوم عليهم في قضايا قتل ومخدرات، ويقاتلون ضمن قوات الدعم السريع حاليا، منهم قادة ميدانيون بارزون.
وأضاف أن الدعم السريع لم يلتزم بوقف التصعيد الإعلامي وظلت تشن حملات إعلامية وخطاب الكراهية، وترافق ذلك مع تصعيد عسكري في دارفور (غرب)، وهو ما يشير إلى عدم رغبتها في التهدئة والتواصل إلى اتفاق يؤدي إلى وقف الحرب.
كما اتهم المتحدث الحكومي قوات الدعم السريع بالسعي إلى دعم قواتها بالعتاد والأسلحة عبر المفاوضات، بطلبها توصيل الإغاثة والمساعدات الإنسانية إلى إقليمي دارفور وكردفان عبر مطاري نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور والجنينية عاصمة غرب دارفور، بعد سيطرتها على المدينتين إثر انسحاب الجيش منهما لتقديرات تكتيكية.
ورأى أن الدعم السريع يحاول استنساخ تجربة عملية “شريان الحياة” للمساعدات الإنسانية الأممية في جنوب السودان قبل انفصاله، التي تحولت إلى شريان لدعم متمردي الحركة الشعبية بقيادة الراحل جون قرنق، ووثق موظفون كبار في المنظمة الدولية تجاوزات العملية واستغلالها لنقل الأسلحة، مشيرا إلى أن قيادات في حركة قرنق سابقا هم من يقفون خلف موقف الدعم السريع في هذا الشأن.
ثقة مفقودة
في المقابل، حمّل عضو في فريق الدعم السريع المفاوض، وفد الجيش المسؤولية في تعثر جولة المفاوضات، برفضه تنفيذ إجراءات بناء الثقة وتحقيق مكاسب عسكرية عبر طاولة المفاوضات “بعدما عجز عن ذلك في ميدان القتال”، وفق وصفه.
وذكر عضو الفريق المفاوض -طلب عدم كشف هويته- أن قواتهم تسيطر على غالبية ولاية الخرطوم ويحاول الجيش إخراجهم بعدما فشل عبر العمليات العسكرية، مبينا أن قواتهم هي الأكثر انتشارا على الأرض في العاصمة، وأن تغيير الواقع الحالي مرتبط بمستقبل الترتيبات الأمنية والعسكرية.
واتهم المتحدث الجيش بـ”الفشل في توقيف نحو 30 من قيادات نظام الرئيس المعزول عمر البشير فروا من السجون، ويساهمون في تأجيج الحرب”، مشيرا إلى تسليم وفدهم الوساطة قائمة بأسمائهم وطلب وفد الجيش منحه مهلة مرتين لتوقيفهم ولم يلتزم بذلك.
وأفاد أن وفد الجيش رفض فتح مطارات نيالا والجنينة والفاشر لنقل المساعدات عبرها إلى المتضررين من الحرب في ولايات دارفور كردفان، وتمسك بتوصيل المساعدات عبر مطار بورتسودان في شرق السودان فقط، كما عرقل عمل منظمات أجنبية وضيّق عليها وظل يماطل في منح موظفيها تأشيرات لدخول البلاد.
وأضاف أن الجيش لم يلتزم أيضا بوقف الحملات الإعلامية عبر وسائل الإعلام الحكومية والمنصات المرتبطة به، واتهم عناصر إسلامية ضمن وفد الجيش بعرقلة المفاوضات والتراجع عمّا تم الاتفاق عليه في جولة المفاوضات السابقة، وهو ما دفع الوسطاء إلى تعليق الجولة وطلبهم من الوفدين العودة إلى قيادتيهما للتشاور.
وكان رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، قال -أمس الأحد- إن أي مفاوضات سلام لا تلبي رغبة الشعب السوداني لن تكون مقبولة، مشددا على أنه “لا حلول ستفرض علينا من الخارج”، بحسب تصريحاته في منطقة “ود مدني” عاصمة ولاية الجزيرة وسط البلاد.
واستؤنفت المفاوضات بين الجيش والدعم السريع في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد توقفها أكثر من 4 أشهر برعاية أميركية سعودية، وانضم إليهما ممثل للاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في دول شرق أفريقيا “إيغاد”، ومنع الوسطاء الوفدين المتفاوضين من الإدلاء بأي تصريح بشأن سير عملية التفاوض، على أن تتولى الوساطة إبلاغ وسائل الإعلام عن نتائجها متى ما رأت أن ذلك ممكنا.