دكار- أيام قليلة تفصل الناخبين السنغاليين عن موعد الاقتراع لاختيار خامس رؤساء البلد الأفريقي الذي حافظ منذ استقلاله عن فرنسا عام 1960 على تقاليد ديمقراطية راسخة، في صدارتها مبدأ التناوب المدني على السلطة، حيث يتنافس المرشحون ضمن حملة رئاسية مكثفة لجذب أصوات السنغاليين، في انتخابات يصعب التكهن بنتائجها، لا سيما في ظل غياب استطلاعات رأي عام رسمية.
وتأتي الانتخابات الحالية لتعيد الهدوء من جديد إلى الشارع السنغالي، بعد سنوات من الاضطرابات السياسية كانت أحدث حلقاتها قبل أسابيع، وتسببت في أزمة سياسية ودستورية غير مسبوقة.
وتشهد هذه الانتخابات أكبر عدد من الترشيحات الرئاسية في تاريخ السنغال، وصلت إلى حد 19 مرشحا، في مشهد يعكس انقسامات سياسية داخل كل من السلطة والمعارضة، تجسدت في غياب مرشح موحد لأي من الطرفين، كما تشير كثرة وتنوع الترشيحات إلى صعوبة حسم نتائج الاقتراع من الجولة الأولى للانتخابات.
تداعيات التأجيل
تم تحديد الموعد النهائي للاقتراع بيوم 24 مارس/آذار الحالي، بعد تأجيل متكرر استمر لأسابيع، ويلقي الموعد الجديد عبئا إضافيا على كاهل السلطات في ما يتعلق بتنظيم العملية الانتخابية، كما يضع تحديا إضافيا أمام المرشحين لإقناع الناخبين في حملة انتخابية مقتصرة على أسبوعين بدلا من 3.
ورغم تأكيد الوزير الأول السنغالي صدّيقي كابا جاهزية السلطات لتنظيم الاقتراع، داعيا إلى طمأنة السنغاليين بشأن التحضير للانتخابات، ومؤكدا على أن بطاقات التصويت جاهزة، فإن تداعيات الأزمة السياسية التي تسبب بها قرار التأجيل قبل أن يتم التراجع عنه من قبل الرئيس ماكي سال لا تزال تلقي بظلالها على المشهد السياسي.
ويزيد من تعقيد الوضع أن آخر انتخابات كانت قد نظمتها السنغال، وهي الانتخابات التشريعية عام 2022، شهدت تضاربا في التصريحات بين السلطة والمعارضة بشأن إعلان النتائج الأولية للاقتراع.
وفي مؤشر إضافي على غياب الثقة بين السلطة والمعارضة في ما يتعلق بتنظيم الانتخابات، يأتي تصريح المعارض عثمان سونكو في الحملة الانتخابية الجارية الذي اعتبر أن “الرئيس مسؤول عن أي اضطرابات قد تقود إليها الانتخابات الحالية”، مطالبا بضمان نزاهة وشفافية الاقتراع.
وعود المرشحين
ويعكس خليط المرشحين الرئاسيين مختلف أجيال وتوجهات السياسة السنغالية منذ عقود، على صعيد الأسماء والخلفيات الحزبية والمهنية، في ظل حضور وزراء وإداريين سابقين بتجارب سياسية تمتد لعقود، إلى جانب حضور صوت المرشحين الشباب، لاسيما في صفوف المعارضة.
ويدخل الائتلاف الحاكم الانتخابات الرئاسية وسط انقسامات حزبية داخلية، وبغياب إجماع انتخابي، لاسيما بعد خسارة مدن رئيسية في الانتخابات البلدية، وعدد من المقاعد البرلمانية في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ويمثل الائتلاف بشكل أساسي الوزير الأول السابق أمادو با، ويهيمن على خطابه الوعود بالسير على إرث ولايتي الرئيس السابق ماكي سال، وتطويره على مستوى خطاب السلطة.
وتعهد مرشح الائتلاف الحاكم أمادو با بتوفير مليون فرصة عمل في حال فوزه بالرئاسة، مضيفا في تجمع لحملته الانتخابية “أنا ملتزم بأن أكون رئيسا لتشغيل الشباب”، كما أشار إلى “الحاجة لبذل المزيد من الجهد، وترسيخ المكاسب، وتعزيز الوحدة”.
من جهتها، تتمثل مشاركة المعارضة بالانتخابات بالمرشح الشاب باسيرو ديوماي فاي، بديلا عن عثمان سونكو الذي ينظر إليه كزعيم للمعارضة، بعد أن تم استبعاده من قائمة المرشحين بسبب إدانته بـ”التشهير”، ويتصدر خطاب المعارضة الوعود بإحداث التغيير وإصلاح المؤسسات.
ولمح المرشح المعارض باسيرو ديوماي فاي إلى “ضرورة تقليص صلاحيات الرئيس، ومنح صلاحيات أوسع للوزير الأول”، معتبرا في تصريحات صحفية أن “سلطات الرئيس تسحق صلاحيات السلطتين التشريعية والقضائية”، كما أشار إلى محورية “تحقيق السيادة النقدية” للسنغال في برنامجه الانتخابي.
أما العمدة السابق للعاصمة دكار خليفة سال، فقد ركز في خطابه الانتخابي على الوعد بـ”إعادة بناء اقتصاد السنغال، اعتمادا على الزراعة والثروة الحيوانية والصيد البحري”، كما تعهد بـ”تحقيق المصالحة، وإصلاح المؤسسات والقوانين”، معتبرا أن الاضطرابات الأخيرة أضرت بسمعة السنغال، و”يجب أن لا تتكرر”.
من يحسم السباق الانتخابي؟
يعتبر الباحث والمحلل السياسي السنغالي عبد الرحمن كان أن أبرز ما يلفت الانتباه في خريطة الترشيحات الرئاسية في الانتخابات السنغالية: هو استبعاد كل من عثمان سونكو وكريم واد من المنافسة، واللذين يعتبران -وفق رأيه- من أبرز المعارضين السياسيين في السنغال، منذ فترة حكم الرئيس السابق عبد الله واد.
ويلفت كان إلى وجود تطابق بين برامج المرشحين أحيانا، معتبرا أن المرشح “الشيخ التيجاني جاي” يحمل نفس توجهات وأفكار المرشح “باسيرو ديوماي فاي”، ويشير إلى أن الانقسامات الحاصلة في المشهد الانتخابي ربما تلعب دورا في حسم الجولة الثانية، مستبعدا أن يتم حسم السباق الرئاسي من الجولة الأولى، “نظرا لوجود توازن الكثرة بين المعارضة والسلطة”، واختلاف وتنوع التوجهات السياسية.
ويؤكد الباحث كان أن مجموعة من الأولويات والقضايا تؤثر في توجيه قناعات الناخبين السنغاليين، تأتي في صدارتها “محاربة غلاء الأسعار والفقر، ومعالجة المظالم وتحقيق العدالة”، إلى جانب مطالب “محاربة الرشوة والفساد المالي”.
كما يشير إلى دور الانشغالات الاقتصادية في التأثير على الأصوات، لاسيما الوعود الانتخابية ذات الصلة “بالنهوض بالزراعة، وتحقيق التنمية الصناعية وتعزيز البنية التحتية في السنغال”.
ويرى المتحدث ذاته أن المعارضة تراهن على العبور إلى جولة ثانية في الانتخابات، في ظل صعوبة تحقيق مرشح السلطة فوزا في الشوط الأول، مضيفا أن “خطاب المعارضة تجاه الناخبين يركز على الحديث عن التراجع المشهود بصيرورة مؤسسات الدولة وفق المطلوب، ومواجهة الفساد المالي، واستغلال السلطة والقضاء لأغراض سياسية”.
ويبدو واضحا في المشهد السياسي السنغالي أن الانتخابات الرئاسية الحالية تمهد لمرحلة جديدة، قد تفضي إلى قطيعة مع ما سبقها من أحداث واضطرابات، وتتيح فرصة لكل من السلطة والمعارضة لالتقاط الأنفاس من جديد، بعد موسم سياسي طويل ومشحون، وإعادة ترتيب الأرواق تحت قيادة رئيس جديد للبلاد.