طهران– مع انطلاق التصويت في الانتخابات الإيرانية لاختيار البرلمان الـ12 ومجلس خبراء القيادة بدورته السادسة، تجوّلت الجزيرة نت في 3 مقرات انتخابية بالعاصمة طهران، وحاورت عددا من الناخبين في مسوغاتهم للمشاركة في انتخابات، ويبدو المحافظون الأوفر حظّا للفوز فيها، وفقا لاستطلاعات الرأي.
وفي مركز الاقتراع الأول بشارع شريعتي، حيث حسينية “إرشاد” الشهيرة شمالي طهران، تشكلت طوابير طويلة أمام صناديق الاقتراع، في حين يبدو حضور الناخبين في مسجد الجواد الكائن في ساحة “هفت تير” مركز العاصمة أقل بكثير من الانتخابات السابقة. أما في بلدة ري جنوبي طهران فقد كانت المشاركة الشعبية كثيفة جدا كما دأبت عليه المنطقة المحافظة طوال عقود.
وفي المحطة الأولى، قال محمد رضا (40 عاما) إنه صوّت بالورقة البيضاء لمجلس خبراء القيادة بعد إبعاد مرشحه المفضل من السباق الانتخابي، وإنه اختار 15 مرشحا مستقلا و11 معتدلا وإصلاحيا و4 من المرشحات الشابات للبرلمان المقبل.
مسوغات التصويت
وعن مسوغاته للتصويت في العملية الانتخابية التي أبعدت العديد من مرشحيه المفضلين، يذكّر رضا -في حديث للجزيرة نت- بحقه الدستوري في إطار الديمقراطية النسبية في بلاده، مؤكدا أنه على قناعة بأن مقاطعته كفيلة باستمرار الوضع الراهن.
أما في ساحة “هفت تير”، فقد قالت الشابة الإيرانية “مهسا” للجزيرة نت، إنها جاءت للتصويت لصالح المرشحات اللواتي أعلن عزمهن مواجهة القوانين المجحفة بحق المرأة الإيرانية، مضيفة أنها تصوّت لأول مرة في الانتخابات بعد بلوغها سن الـ18.
وانتقلت الجزيرة نت إلى بلدة “ري” والتقت الحاج عبد الله (78 عاما) الذي اصطحب زوجته ثريا (68 عاما) وابنتيهما معصومه (21 عاما) وفاطمة (23 عاما) إلى مركز الاقتراع. واعتبر عبد الله المشاركة في الانتخابات “تكليفا شرعيا لتأمين البلاد والمساهمة في بنائها بما يناسب تحديات المستقبل التي قد تؤرق أجيال الشباب”.
ترشح النساء
أما ثريا، فتؤكد أن أسرتها تصوّت لصالح المرشحين المحافظين لمعرفتها بسيرتهم وحرصهم على “ضمان المصالح الوطنية”، في حين أثارت الفتاتان قضية مشاركة المرأة في الانتخابات وحقوقها التي لطالما شكلت أبرز القضايا الساخنة في الجمهورية الإسلامية.
وفي مفارقة لافتة، تتسم الانتخابات الحالية بإقبال واسع للإيرانيات على الترشّح في الانتخابات البرلمانية، في حين يقتصر التنافس على مقاعد مجلس خبراء القيادة بين المرشحين الرجال دون النساء.
وكانت نائبة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة والأسرة إنسية خزعلي، قد كشفت عشية التصويت عن ترشح 1700 امرأة إيرانية للانتخابات التشريعية، “بما يوازي عدد المرشحات في 6 دورات انتخابية ماضية”.
بدوره أكد مجلس صيانة الدستور على لسان المتحدث باسمه هادي طحان نظيف أن “6 مرشحات يتنافسن على كل مقعد برلماني”.
أسباب الإقبال
وأرجعت المرشحة الإصلاحية عفيفه عابدي، سبب إقبال المرأة الإيرانية على خوض المعترك الانتخابي إلى تطورات خريف وشتاء 2022 التي أعقبت وفاة مهسا أميني (22 عاما) إثر توقيفها من جانب “شرطة الأخلاق” في طهران، مؤكدة أن تصاعد المشهد الاحتجاجي في البلاد يحث المرأة على القيام بواجبها لإحداث تغيير قانوني وتحسين الظروف السياسية والاقتصادية على شتى الصعد.
وأوضحت أنها تخوض السباق الانتخابي نيابة عن شريحة من المجتمع الإيراني المنتقد للظروف الراهنة، وأن لديها برنامجا مدونا لمتابعة مطالب المحتجين، منها حق المرأة لاختيار كيفية حجابها، وأضافت أنها لا ترى خيارا لقضية الحجاب سوى الحلول الاجتماعية والثقافية.
ولدى إشارتها إلى أن عدد النائبات في البرلمان الراهن لم يتجاوز 17، توقعت عابدي أن تفرز انتخابات اليوم عددا أكبر من النساء لمتابعة حقوق المواطن الإيراني في نبذ سياسة تقييد الإنترنت وقضية الحجاب والمشاركة في إدارة البلاد ومراقبة أداء الحكومة.
غضب المرأة
من ناحيتها، ترى الباحثة السياسية والناشطة في مجال المرأة برستو بهرامي راد، أن احتجاجات مهسا سلطت المزيد من الضوء على المطالب الاجتماعية للمرأة الإيرانية وسبب إقصائها عن ممارسة حقها في اتخاذ القرارات لإدارة البلاد، متهمة أعضاء لجنة المرأة والأسرة في البرلمان الـ11 بمسايرة “السياسات الرجولية” وتلك التي تتنناقض وحقوق المرأة.
وفي حديثها للجزيرة نت، ترى بهرامي راد أن أغلب المرشحات للبرلمان المقبل يتناقضن في أهدافهن من الترشح، بين فئة متطرفة تريد العمل على حرمان المرأة من أبسط حقوقها، وأخريات يصنفن في دائرة الاعتدال السياسي ويعتزمن مواجهة الإحباط السياسي الناجم عن سلوك الطيف الأول منهن، وتراجع العقلانية السياسية على مستوى البلاد.
وقالت إن شريحة كبيرة من الإيرانيات غاضبات إزاء بعض القضايا في البلد وإن المجتمع الإيراني يتطلع إلى تغييرات سياسية واجتماعية كبيرة.
وعبّرت عن أسفها للسياسات الوطنية “التي لطالما غضت البصر عن حقوق المرأة” التي تشكل نصف المجتمع، على حد قولها، وطالبت بتشكيل لوبي نسوي قوي في البرلمان المقبل بما يتناسب وتطلعات المجتمع.
مشاركة الشباب
وعلى وقع الجدل المتواصل في إيران حول تعريف “الرجل السياسي” وحق المرأة في الترشح لانتخابات الرئاسة ومجلس خبراء القيادة، نقلت وكالة إرنا الرسمية عن حسين علي سعدي، رجل الدين وعضو مجلس خبراء القيادة والمرشح في الانتخابات، قوله إنه تم إلغاء “شرط أن يكون عضو المجلس رجلا” في التعديل الأخير للتنظيم الداخلي لمجلس خبراء القيادة، مؤكدا أنه لا يوجد ما يمنع المرأة من الترشح للمجلس.
وبالعودة إلى مبررات المرأة الإيرانية لخوض المعترك الانتخابي وعزم شريحة من المرشحات متابعة مطالبات “حركة مهسا” التي عرفت بالحضور اللافت لجيل زد في احتجاجاتها، تبيّن للجزيرة نت من خلال تجولها في عدد من مراكز الاقتراع، أن هذا الجيل كاد أن يختفي بالكامل عن مراكز التصويت ما عدا مركز “جامع الإرشاد” القريب من ساحة “نماز” جنوبي العاصمة.
وكان وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي، قد أعلن أن 3 ملايين و500 ألف شاب إيراني يحق لهم المشاركة لأول مرة في انتخابات مطلع مارس/آذار 2024 مع تجاوزهم سن 18 عاما.
واستطلعت الجزيرة آراء عدد من الشباب الذين يحق لهم التصويت لأول مرة بعد بلوغهم 18 عاما في بلدة “ري”، حيث أعربوا عن فرحتهم للحق الذي يكفله لهم الدستور الإيراني بالمشاركة في انتخابات البلاد، والقيام بالواجب الديني لاختيار مرشحين مناسبين لتمثيلهم في المؤسسات الرسمية.