طهران- بشكل مختلف عن المشاهد المعتادة لتوقيع رؤساء ومسؤولي البلدين الاتفاقيات الثنائية، ومستوى التقدم في العلاقات الإيرانية الروسية خلال السنوات الأخيرة، تفاجأ الرأي العام الإيراني -الثلاثاء- بإعلان مسؤول بالخارجية الروسية أن اتفاقا جديدا مع طهران للتعاون الشامل جرى تعليقه مؤقتا بسبب مشاكل تواجه الشركاء الإيرانيين.
وفي ضوء تصنيف الجانب الإيراني علاقاته مع روسيا بأنها إستراتيجية، سارع السفير الإيراني لدى موسكو كاظم جلالي إلى نفي ما تناولته الصحافة الروسية مؤكدا أن “طهران لم تعلق اتفاق التعاون الجديد مع موسكو”.
واستدعى هذا الموقف الإيراني تأكيد الكرملين استمرار العمل بشأن اتفاق التعاون مع إيران “على الرغم من احتمال تغيير الجدول الزمني المحدد لبعض الأمور”.
في حين عاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خطوة للوراء، بإعلانه أن “موسكو ستكون قادرة على توقيع الاتفاق بمجرد أن تحل طهران القضايا الإجرائية” ليلقي بذلك الكرة في الملعب الإيراني.
علامات استفهام موسكو
لم يتغير الموقف الإيراني بعد بشأن اتفاق الشراكة الشاملة مع موسكو لمدة 20 عاما، وهو ما أكده القائم بأعمال وزير الخارجية علي باقري، على هامش اجتماع الحكومة الأربعاء، حين علق على الأنباء المتضاربة بشأن الاتفاق، بالقول إنه لا صحة للتقارير التي تتحدث عن تجميد العمل بالاتفاق، وإن العمل جار لاستكماله.
ورغم وضوح الموقف الرسمي لطهران، فإن الإعلان الروسي عن تجميد الاتفاق ثم التراجع عنه أثار تفاعلا واسعا بالأوساط الإيرانية. فقد نشرت صحيفة آرمان أمروز -في نسختها الصادرة صباح الأربعاء- تقريرا بعنوان “فك شفرة تجميد الاتفاق بين إيران وروسيا” ربطت فيه بين الإعلان الروسي الأول والمفاوضات الإيرانية الأميركية الجارية.
ونقلت الصحيفة عن عبد الرضا فرجي راد السفير الإيراني الأسبق بالنرويج وسريلانكا والمجر قوله إن التعامل الأميركي طوال الأشهر التسعة الماضية مع إيران قد أثار شكوكا لدى الجانب الروسي، وإن سلوك واشنطن حيال الهجوم الإيراني بمئات الصواريخ على إسرائيل “تحول إلى لغز في موسكو”.
ويعتقد الدبلوماسي الإيراني السابق أن ضبط الولايات المتحدة نفسها وإحجامها عن الرد على الهجوم الإيراني وعدم نصرة حليفتها إسرائيل، في وقت تقدم واشنطن 60 مليار دولار لأوكرانيا وتسمح لها باستخدام الأسلحة الأميركية لمهاجمة العمق الروسي، يرسم علامات استفهام لدى موسكو.
ولدى إشارته إلى تراجع الحملات الإعلامية الغربية ضد طهران حول نقلها السلاح إلى روسيا منذ فترة، يعتبر أستاذ الجغرافيا السياسية عبد الرضا فرجي راد أن المفاوضات بين طهران وواشنطن تؤرق الجانب الروسي، خشية أن يكون الجانبان الإيراني والأميركي قد اتفقا على خفض نقل السلاح من طهران إلى موسكو.
ورأى فرجي راد أن امتناع روسيا -الاثنين الماضي- عن التصويت على المشروع القرار الأميركي بشأن الهدنة في غزة، ثم تسريب الأنباء عن تجميد الاتفاق الشامل مع طهران، قد يوحيان بحدوث مشكلة جدية على صعيد العلاقات بين طهران وموسكو.
ولدى إشارته إلى قرب موعد الانتخابات الرئاسية المبكرة والمقررة يوم 28 من الشهر الجاري، واحتمال إقصاء التيار السياسي المدافع عن الروس والمناهض للدول الغربية، قال فرجي راد إن الجانب الروسي قد استشعر إمكانية تعديل طهران علاقاتها مع القوى الشرقية والغربية.
وقد غرد الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه على منصة “إكس” قائلا إن رسالة الروس من تجميد المفاوضات حول الاتفاق الإستراتيجي واضحة، فقد قالوا إن كل شيء يتوقف على نتيجة الانتخابات المقبلة، وطالب المرشحين الستة للانتخابات الرئاسية بأن يعلنوا عن برامجهم لضمان الاستقلال الوطني في السياسة الخارجية.
ظروف خاصة
يعتقد السفير الإيراني السابق في روسيا محمد باقر بهرامي أن الاتفاقات الإستراتيجية ترتكز على دعائم متينة لا تتزعزع بتغيير الحكومات، ولا تتأثر بتقارب القوى الدولية أو توتر علاقاتها، مؤكدا -في تصريح للجزيرة نت- أن المعلومات المتوفرة لديه عن سير المفاوضات الرامية لاستكمال الاتفاقية الشاملة بين طهران وموسكو لا تؤيد الشائعات حول تجميد الاتفاق، ولا تعليق المفاوضات بشأنه.
كما أوضح رئيس مؤسسة “راهبرد بجوهان جهان معاصر” للدراسات الإستراتيجية شعيب بهمن أن المباحثات بشأن الاتفاقية الإستراتيجية الشاملة بين إيران وروسيا قد أشرفت على النهاية، وكان التوقيع عليها مدرجا على جدول أعمال الجانبين في المرحلة الراهنة.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى بهمن أن حادث سقوط المروحية الرئاسية في 19 من الشهر الماضي ووفاة الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان قد أربك ما كان مخططا بشأن هذه الاتفاقية.
وخلص إلى أن التوقيع على الاتفاقيات الإستراتيجية والشاملة عادة يتم بواسطة كبار مسؤولي الحكومات، على مستوى رئيس الجمهورية ووزير الخارجية، وهو ما يتعذر بالمرحلة الراهنة بسبب الظروف الخاصة التي أعقبت سقوط المروحية.
وقد اتسمت العلاقات بين الإيرانيين والروس تاريخيا بالتأرجح بين الصداقة والعداء، حيث كان الاصطدام المباشر أثناء الحرب العالمية الثانية، ورغم شعار “لا شرقية ولا غربية” الذي رفعته الثورة الإيرانية عام 1979 إلا أن علاقة طهران بالقوى الشرقية وعلى رأسها الصين وروسيا تعززت على حساب علاقاتها مع الدول الغربية.
وانطلاقا من الهموم المشتركة، وعلى رأسها العقوبات الغربية على كل منهما، تعززت العلاقة بين طهران وموسكو عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن ذلك لا يمنع طيفا من الإيرانيين بأن يستشرفوا خلافا بينهما، كمثل الإرباك الذي جرى بخصوص الاتفاق. ووفقا لهذا الطيف، فإنه لا يمكن استبعاد فرضية أن تكون مطالبة طهران بتعديل بعض البنود الواردة في الاتفاق سببا في هذا التضارب.