نابلس- حتى ساعة متأخرة من مساء الاثنين، واجه أهالي قرية برقة، شمال غربي مدينة نابلس، صعوبة في حصر عدد المنازل التي طالتها الاقتحامات أو عدد المعتقلين الذين اقتيدوا إلى مركز التحقيق الميداني، حيث تعرضت القرية لعملية عسكرية واسعة استمرت أكثر من 20 ساعة، وكانت الأطول منذ بداية العام ضد قرية فلسطينية بالضفة الغربية.
وإلى العاشرة قبيل منتصف الليلة الماضية، تواصل اقتحام القرية في عملية عسكرية إسرائيلية شارك فيها حوالي 300 جندي قدموا من عدة محاور وشرعوا بإغلاق المداخل الرئيسية والفرعية للقرية، وتلك التي توصلها بالقرى المجاورة قبل أن يباشروا باقتحام عشرات المنازل وتفتيشها والعبث بمحتوياتها وتخريبها بشكل كامل.
كما اعتلى جنود الاحتلال منازل المواطنين، واتخذوها نقاطا عسكرية، فيما أفاد الهلال الأحمر الفلسطيني بإصابة 3 مواطنين على الأقل بينهم امرأة جراء اعتداء جيش الاحتلال عليهم بالضرب المبرح.
ورافق عملية الاقتحام للمنازل، التي وصفت بالعنيفة والمباغتة، اعتقال عشرات المواطنين، لا سيما الشباب واقتيادهم إلى منازل حولت لثكنات عسكرية وأخضعوا فيها لتحقيقات ميدانية، حيث أفرجت عن معظمهم فيما أبقت على عدد منهم رهن الاعتقال.
وفيما لم يعرف هدف محدد للعملية العسكرية، إلا أن جيش الاحتلال ألقى منشورات في شوارع القرية وبين أزقتها تحذر المواطنين من استمرار إلقاء “العبوات المتفجرة” محلية الصنع أو ما تعرف بـ”الأكواع”، ويقول أحدها “سيكون مصير برقة وغزة متشابها إذا واصلتم رمي العبوات” وفي أخرى “سوف نبقى هنا كي يزول الإرهاب”.
اقتحام عنيف
وفي الساعات الأولى من العملية اقتحم جنود الاحتلال منزل المواطن إياد أبو عمر، وأخرجوه وعائلته إلى الشارع العام، واحتجزوهم 4 ساعات متواصلة في العراء والبرد الشديد، وشرعوا بتفتيش المنزل بشكل كامل والعبث بمحتوياته.
وقال أبو عمر للجزيرة نت إن “الجنود اتخذوا منازل كنقاط عسكرية لهم، بعد أن احتجزوا أصحابها بداخلها”، ومنها منزل شقيقه الذي تحول لثكنة عسكرية ومركز تحقيق ميداني طوال عملية الاقتحام، مما تسبب بحالة من الهلع والرعب بين أفراد العائلة.
ومن جهته، قال المواطن خير الله حسني ياسين إن عددا كبيرا من جنود الاحتلال اقتحموا منزله عبر حديقة مجاورة، وليس من المدخل الرئيسي، وحاولوا تحطيم البوابة قبل أن يقطع عليهم الطريق ويفتحها لهم.
ولفت ياسين إلى أن بعض الجنود احتجزوه بعيدا عن منزله 3 ساعات، بينما قام جنود آخرون باقتحام المنزل وتفتيشه وتخريب أثاثه بالكامل، وسط حالة من الترهيب لزوجته وأطفاله.
وهو الأسلوب ذاته الذي استخدمه جنود الاحتلال مع المواطن بشار فرعونية، حيث اقتحموا منزله، وعبثوا بجميع محتوياته وسط “ترهيب” غير مسبوق، كما قال للجزيرة نت.
وتأتي هذه العملية الإسرائيلية في ظل استمرار فرض الاحتلال طوقا عسكريا على المداخل الرئيسية للقرية منذ عدة أشهر وإغلاقها بالسواتر الترابية والحجرية، وهو ما تسبب بعزل الحي الغربي منها بالكامل.
ويدّعي جيش الاحتلال أن قواته والمستوطنين يتعرضون للرشق بالحجارة وإطلاق النار وإلقاء العبوات المتفجرة تجاههم خلال اقتحامات القرية أو أثناء تنقلاتهم إلى مستوطنة “حومش” التي أعادوا احتلالها منذ مطلع العام الجاري.
عملية انتقامية تمهد للأخطر
وهذه العملية العسكرية يصفها الناشط في القرية سامي دغلس، بأنها تصب في ترهيب المواطنين لمنعهم من أي عمليات مقاومة لجيش الاحتلال.
وحذر دغلس في حديث للجزيرة نت، من كون العملية “تدريبية وانتقامية” بنفس الوقت، لتهيئة الظروف وتحضيرها لمرحلة أصعب تكون أكثر ترهيبا للمواطنين العزل، “وإيصال رسائل تحذيرية بأن التصعيد والعقاب سيكون أكبر إذا استمر المواطنون بالمقاومة”.
وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي اقتحم جيش الاحتلال قرية برقة في عملية مشابهة وواسعة، استمرت بضع ساعات، وتخللها اغتيال الاحتلال للأسير المحرر منتصر سيف (34 عاما) واعتقال 3 شبان آخرين بعد أن اقتحم الجيش منزل مواطن وسط القرية، وهو الشهيد الثاني في برقة خلال أقل من 3 أعوام.
للقضاء على المقاومة
وفي قراءته للمشهد في قرية برقة اتفق الكاتب والباحث السياسي سليمان بشارات مع الناشط دغلس فيما ذهب إليه من أن الاحتلال يهدف لتهيئة الظروف لمرحلة قادمة أكثر سخونة وخطورة.
وقال للجزيرة نت إن “للحملة العسكرية على برقة هدفين أساسيين الأول يتمثل في موقعها الجغرافي المحاذي للمستوطنات “حومش وشافي شمرون”، وبالتالي محاولة لتوفير حماية مسبقة لهذه المستوطنات في المرحلة المقبلة خشية من أن تتطور عمليات المقاومة بالضفة”.
والهدف الثاني هو امتداد للأول وفق بشارات، وهو نابع من خشية الاحتلال الإسرائيلي توسع عمليات المقاومة بالضفة الغربية بعد أن كانت محصورة في المدن والمخيمات، وبالتالي قد يمتد للقرى والأرياف.
ويضيف بشارات “هذا يذكرنا بالانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية التي شكلت القرى والبلدات امتدادا كاملا لعمليات المقاومة ومخزونا من شبابها المنخرطين بالمقاومة”.
وتوقع المحلل السياسي أن يمتد النشاط الاحتلالي ومثل هذه العمليات العسكرية إلى قرى وبلدات أخرى، ولا سيما تلك المحاذية للمستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية، وقال إن “الأمر يرتبط بعامل الموقع الجغرافي بالنسبة للاحتلال وأن تكون محتضنة لمقاومين”.
واستبعد بشارات أن يكون ما يجري من اقتحام للمناطق الفلسطينية بالضفة الغربية وما يرافقها من ترهيب للمواطنين يرتبط بما يجري بغزة بشكل مباشر، “بقدر ما أنه استغلال للظرف في تعزيز واقع جديد للضفة، وقد يكون تمهيدا لمرحلة سياسية مقبلة لطريقة إدارة الضفة من قبل الاحتلال”.
وتزامنت العملية العسكرية مع إخطار سلطات الاحتلال للمواطنين بقرية برقة بمصادرة نحو 34 دونما (الدونم=ألف متر مربع) من أراضيهم لصالح توسعة جديدة في مستوطنة “حومش”.
وأعادت إسرائيل احتلال “حومش” وتكثيف الاستيطان بها منذ مطلع العام الجاري بتشجيع من الحكومة الإسرائيلية لعودة المستوطنين لـ5 مستوطنات ومعسكرات بشمال الضفة الغربية كانت قد أخليت عام 2005 مع مستوطنات غزة بقرار إسرائيلي أحادي الجانب.