دمشق- تشهد مدينة الرقة منذ يومين اعتصامات عدة نظمها فلاحو المدينة أمام مبنى المجلس التنفيذي، احتجاجا على قرار أصدرته الإدارة الذاتية التابعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” صباح الأحد الماضي، والقاضي بتحديد سعر القمح بـ31 سنتا أميركيا للكيلوغرام الواحد، وهو أقل من السعر الذي حددته العام الماضي حيث كان 43 سنتا أميركيا.
هذا القرار أشعل غضب الفلاحين في المناطق التابعة لسيطرة الإدارة الذاتية في منطقة شمال وشرق سوريا، ونظموا اعتصامات واحتجاجات رافضة له وتعبيرا عن حالة اليأس والإحباط التي تسيطر على الأهالي في تلك المنطقة، حيث يقول أحد الفلاحين المعتصمين: “هذا أمر فوق طاقة تحمّلنا، هذه سرقة تعبنا وأرزاقنا وقوت أولادنا”.
ونظّم الفلاحون والأهالي في مناطق عامودا وبعض مدن الحسكة اعتصامات واحتجاجات مماثلة، تطالب المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية بمراجعة قراره، وتعديل سعر بيع القمح، بهدف تنشيط قطاع الزراعة، ومساعدة الفلاحين على بيع محصولهم، بدلا من الضغط عليهم وزيادة مشاكلهم الاقتصادية.
استياء بسبب الإجحاف
يدير المجلس التنفيذي التابع للإدارة الذاتية الهيئات والمكاتب الإدارية في المدينة، ويشرف على تسيير الأمور من النواحي الخدمية والإدارية، ويشترك في الإدارة عناصر من قوميات مختلفة كالعرب والتركمان والكرد، لكن الكلمة الأقوى تبقى للعضو الكردي حسب ما ينقل ناشطون.
يقول جاسم -وهو رئيس جمعية فلاحية، وفضل عدم الإفصاح عن اسمه الكامل- إنّ الهيئة أو المكتب الإداري في أي قطّاع حكومي في الإدارة الذاتية يتكون غالبا من عنصر عربي أو تركماني في الرئاسة، مع نائب أو نائبة كردية لهذا الرئيس، أو العكس، “وفي الغالب تكون النائبة هي صاحبة الكلمة الأقوى، وهي صاحبة النفوذ الأكبر” حسب قوله.
وعند سؤاله عن القطاع الزراعي وسبب الاعتصامات، ردّ بأنهم حاولوا حشد أكبر عدد ممكن من الفلاحين ومن أعضاء الجمعيات الزراعية في المنطقة، وقال: “لبّى الدعوة كثيرون، فالسعر الذي حددته الإدارة غير معقول، وفيه إجحاف كبير بحقنا، لكنّ أحدا لم يسمع مطالبنا”.
ويقول الفلاحون المحتجون إن السعر المحدد لا يغطي تكاليف زراعة القمح، ويوضح جاسم أن “الأمور هذا العام تبدو مختلفة، فالمجلس التنفيذي لا يريد الاستماع إلى مطالبنا، ولن نبيع بخسارة”، مؤكدا أنهم سيقومون بتخزين القمح ما أمكنهم ذلك، ولن يبيعوه، “حتى لو اضطررنا إلى المواجهة” حسب قوله.
اعتصام واعتقال
يقول ياسين، وهو أحد المشاركين في الاعتصام: “أرسلوا لنا بعضا ممن يدّعون أنهم من وجهاء العشائر، وحاولوا تفريق المعتصمين واستمالة الفلاحين بهدف فضّ الاعتصام، بالترغيب مرّة وبالترهيب مرّة أخرى”، لكنه أكد أنهم لن يتوقفوا عن الاعتصام والمطالبة بحقوقهم، وقال: “الكلام يبقى كلاما ما لم يقترن بقوانين تنصفنا”.
كما أكّدت شبكات محلية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي رفض المسؤولين في مجلس الرقة المدني وهيئة الزراعة الاستماع إلى مطالب الفلاحين المتمثلة بزيادة سعر كيلو القمح؛ ولفت ناشطون محليون إلى اعتقال عناصر قوات سوريا الديمقراطية الصحفي عبد الله الخلف، رغم أنه يعمل مع وكالة إعلامية مرخّص لها بالعمل داخل الرقة.
وفي هذا الصدد أصدرت وكالة “روزنة” الإعلامية بيانا تتضامن فيه مع الخلف وبقية الصحفيين، وتدعو إلى حماية الصحافة والصحفيين، وقالت فيه إنه جرى مصادرة هاتف الصحفي والاعتداء عليه لفظيا، وإن محتجين طالبوا بخروج الخلف من المبنى، وظهر ذلك في مقطع مصور جرى تداوله عبر مواقع التواصل، ليعود الخلف لاحقا إلى منزله بعد إجباره على مسح جميع المقاطع التي صورها ضمن تغطيته.
يقول محسن، وهو فلاح مشارك في الاعتصام في عامودا: “لن نسامح من يحاربنا في أرزاقنا، ولن نسكت عن المطالبة بحقوقنا وثمرة جهدنا وتعبنا، نحن من نتعب طوال الموسم، من أجل أطفالنا وأسرنا، لن نصمت أبدا”.
قلة خبرة
يبدي كثير من الفلاحين استياءهم من طريقة إدارة قطاع الزراعة داخل منطقة سيطرة الإدارة الذاتية، فهناك أمور كثيرة يتم التعامل معها بطرق خاطئة تشير إلى “غياب الرؤية وعدم الخبرة في مجال الإدارة لدى المسؤولين” حسب وصفهم.
ويقول أحد الفلاحين إن هذا السعر المحدد أقل بكثير من تكلفة زراعة الدونم الواحد من الأرض، “فتكلفة زراعة دونم واحد أكثر من 100 دولار، وبالتالي فإنّ تكلفة زراعة كيلو القمح 38 سنتا أميركيا، فكيف نبيعه بـ31 سنتا؟!”.
لذا يرفض الفلاحون بيع محصولهم بهذا السعر، وينظمون وقفات احتجاجية يوميا لعلّ الإدارة تتراجع عن قرارها، وتجنبهم خسائر مادية، لا تقل عن خسارتهم الجهد والتعب طوال الموسم.
ويرى ناشطون أنّ هذه الممارسات من قبل مسؤولي هيئة الزراعة والري والقائمين على الإدارة، قد تؤثر سلبا على قطاع الزراعة في المدينة مستقبلا، وعلى الواقع الاقتصادي المتهالك مسبقا.
ويؤكد الناشطون أن المجلس التنفيذي رفض مطالب المحتجين، حيث أصدرت هيئة الزراعة والرّي بيانا، مساء الثلاثاء، أكدت فيه أنّ السعر المحدد لن يتغير؛ وهو ما من شأنه أن يدفع لاستمرار الاعتصام وتزايد حركة الاحتجاج، لتأخذ منحى آخر لا يقتصر فقط على واقع الفلاحين، ومشكلتهم في بيع محصولهم من القمح.
وذكرت شبكات محلية أنّ الإدارة الذاتية تشتري المحاصيل الزراعية من الفلاحين في مناطق سيطرتها وتبيعها للنظام السوري، وقالت إنه ربما يلعب دورا كبيرا في تحديد سعر شراء القمح وخفض قيمته نتيجة حالة الإفلاس التي يعاني منها وعدم قدرته على دفع سعر القمح الذي يحتاجه في مناطق سيطرته.
هموم أخرى
لا يقتصر الأمر على تحديد سعر القمح، حيث زادت بعض القرارات الصادرة من المجلس التنفيذي في الرقة من سخط الأهالي ورفضهم لها، كرفع سعر الخبز، الذي أفادت صفحات محلية أنّ هيئة الاقتصاد التابعة للإدارة الذاتية رفعت سعر ربطة الخبز من ألف ليرة سورية إلى 1500، بينما خفضت وزن الربطة من 1200 غرام إلى 1100 غرام.
كما أدى الواقع الاقتصادي المترهل إلى انتشار البطالة بشكل واسع وخاصة بين فئة الشباب وطلاب المدارس، واتسعت ظاهرة إدمان المخدرات مع عدم الجديّة في مكافحتها من قبل قوات سوريا الديمقراطية، وعدم وجود مراكز صحية مجهزة للعلاج، ويدفع هذا الحال بالكثير من الأهالي إلى مغادرة المدينة بحثا عن مستقبل أفضل.
ويعاني أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة داخل المدينة من التضييق وعدم القدرة على التعامل مع قوانين الإدارة الذاتية، يقول إبراهيم، وهو مدرس لغة عربية متقاعد، إنه وبعد خروج عناصر الدولة الإسلامية من الرقة اشترى شقة مهدّمة وقام بترميمها ومن ثمّ بيعها، ليبدأ عمله في ترميم المباني وبيع وشراء العقارات، لكنه الآن متوقف عن العمل “لأني يجب أن أدفع ضرائب غير معقولة وغير منطقية أبدا” على حد قوله.
من جهته، يقول مؤيد الأحمد، وهو صاحب محل للبقالة في أحد الشوارع الرئيسية، إن موظفي الإدارة الذاتية يدخلون ويطلبون دفع الضريبة، لكنهم يحددونها بشكلٍ عشوائي بدون الرجوع إلى الدفاتر والسجلات، وحين سؤالهم عن سبب دفع هذا المبلغ يجيبون: يبدو أنك تكسب كثيرا، “لا أعرف كيف يقومون باحتساب الضرائب، هذا أمر غير عادل”.