قالت صحيفة واشنطن بوست إن مقاطع الفيديو والوثائق والرسائل النصية التي قدمها لها مسؤولو جهاز الأمن الأوكراني، وكذلك الأوكرانيون الذين اتصل بهم من يمثلون الأجهزة الروسية الخاصة، أظهرت لها أن الروس استخدموا الابتزاز في كثير من الحالات لإجبار الأوكرانيين على العمل لديهم، وذلك بتهديد أفراد أسرهم الذين يعيشون تحت السلطة الروسية أو الذين تم أسرهم.
واستعرضت الصحيفة -في تقرير بقلم إيزابيل خورشوديان وكوستيانتين خودوف- قصة جندي أوكراني كان يقاتل الروس في ساحة المعركة، عندما قبض الروس على والديه في شرق أوكرانيا، وعذبوهما ثم اتصل به عميل روسي ووجه له إنذارا نهائيا، قائلا: غيّر جانبك وتجسس لصالح روسيا، وإلا ستعاني عائلتك المزيد من الأذى.
وقالت الصحيفة إن الجندي الذي وافق في النهاية على مساعدة الروس، خطط -حسب جهاز الأمن الأوكراني- لإضافة مادة سامة إلى إمدادات المياه في مجمع الغسيل الذي يستخدمه كبار الضباط، بناء على تعليمات من مدربه الروسي، ولكن مؤامرة الجندي أحبطت، واتُهم بالخيانة وهو يواجه عقوبة السجن مدى الحياة.
ابتزاز مباشر
ويسلط هذا الحادث الضوء -حسب الصحيفة- على التكتيك الذي تستخدمه أجهزة الأمن الروسية لتجنيد الأوكرانيين، حيث كانت خطة موسكو الأولية هي جعل عملائها يتسللون إلى أعلى مستويات المجتمع الأوكراني قبل غزوها، ومن ثم الاستيلاء على السلطة من الداخل، لكن معظم هؤلاء العملاء، إما تم التخلص منهم أو فروا من تلقاء أنفسهم في الأشهر الأولى بعد بداية الحرب.
ومع أن الابتزاز ليس أسلوبا جديدا لدى أجهزة الأمن الروسية، تقول الصحيفة، فإنه أصبح أكثر انتشارا بعد أن سيطرت روسيا على ما يقرب من 20% من أوكرانيا وأخذت آلاف السجناء، وقال مسؤولو جهاز أمن الدولة إن الروس يرسلون صورا ومقاطع فيديو إلى أفراد عائلات أسرى الحرب، ويظهرون أحيانا السجين والمسدس مصوب إلى رأسه.
واستعرضت الصحيفة قصة يانا التي أسرت والدتها في منطقة خاركيف، حيث قالت إنها تلقت رسائل من هاتف والدتها وعدتها بعدم التعرض لها بأي أذى، ولكنها في المقابل تطلب الحصول على معلومات عن أي معدات عسكرية في حي خاركيف الذي تعيش فيه.
وقالت يانا إن رسالة تقول إن “الروس غاضبون” وصلتها عندما لم ترد، وبعد ذلك تلقت مكالمة من والدتها وقالت لها إنها “بحاجة للرد على الرسائل لأن حياتها تعتمد على ذلك”.
وفي النهاية -كما تقول الصحيفة- أطلق سراح والدة يانا بعد أن استعادت أوكرانيا معظم منطقة خاركيف في سبتمبر/أيلول 2022، لكن الروس أخذوا معهم سجناء أوكرانيين أثناء انسحابهم، من بينهم رجل مسن تلقى ابنه رسالة على تليغرام من رقم مجهول تحتوي على صورة الرجل العجوز، وقال: “بدا نحيفا للغاية كما لو كان في معسكر اعتقال”، لتأتي الرسالة التالية قائلة: “إذا كنت تريد أن يعيش والدك فستعمل لدينا”.
قلق وخوف
ولو لم يتدخل جهاز الأمن الأوكراني -كما قال الابن- لكان فعل ما طلبه الروس، مشيرا إلى أنه يعيش في خوف الآن، ويشعر بالقلق من أن الروس سيكتشفون أنه تحدث إلى سلطات إنفاذ القانون الأوكرانية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الأوكرانيين الذين يوافقون على التجسس لصالح روسيا يواجهون عقوبة السجن القاسية، رغم أنهم فعلوا ذلك تحت ضغط الابتزاز.
وقال ضابط مكافحة التجسس في جهاز الأمن الأوكراني الذي حقق في مثل هذه الحالات إنه “يشعر بالأسف” تجاه الأشخاص الذين يتعرض أفراد أسرهم للتهديد، لكنه كان يتعين عليهم -حسب قوله- الاتصال بالسلطات بمجرد اتصال الأجهزة الخاصة الروسية، ليعاملوا كضحايا لا كخونة.
من جهة أخرى، أشارت الصحيفة إلى أن بعض الأوكرانيين لا يحتاجون إلى الضغط لخيانة بلادهم، واستعرضت مثال دميترو لوغفينوف (60 عاما) الذي قال والده إنه كان دائما “من محبي روسيا”، ولذلك أصبح مواطنا روسيا، ثم ما لبث أن اتصل بابن عمه، وهو ضابط روسي سابق في بيلغورود، وعرض عليه مساعدة “الغزاة”.
وبالفعل أرسل دميترو للروس مقطع فيديو يتحدث فيه عن الطقس الرائع في خاركيف، حيث احترق مبنى في الخلفية بسبب ضربة صاروخية، وهو تأكيد للروس بأن هدفهم قد أصيب، وفي مناسبة أخرى، قال دميترو، الذي كان يعمل حارسا أمنيا، إن الأجانب يعيشون في أحد فنادق خاركيف، وهو ما جعل الموقع هدفا.
وألقي القبض على دميترو من قبل جهاز أمن الدولة بعد فترة وجيزة من ذلك، وحُكم عليه بالسجن 15 عاما بتهمة الخيانة، ولكن ضابط جهاز الأمن الأوكراني، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته قال إن الروس ينسون هؤلاء الأشخاص عند إلقاء القبض عليهم، وينتقلون للبحث عن شخص آخر.