طهران- رغم الجمود والتوتر اللذين سادا العلاقات الإيرانية المصرية عقب انتصار الثورة الإيرانية فإن الرغبة في تطبيع العلاقات ظلت تراود طهران طوال العقود الماضية، في حين شكلت الوساطات الإقليمية منذ عام منعطفا في مسار ردم الهوة بين قوتين كبيرتين بالمنطقة.
وبعد الوساطة العراقية عُقد اجتماعان بين ممثلين عن الجانبين الإيراني والمصري في بغداد مطلع العام الجاري، وساهمت الوساطة العمانية وزيارة سلطان عُمان هيثم بن طارق إلى طهران في مايو/أيار الماضي في سرعة ذوبان الجليد في العلاقات السياسية بين البلدين.
وكان المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي قد رحب خلال استقباله السلطان هيثم بن طارق باستئناف العلاقات الدبلوماسية مع مصر.
وتحدثت تقارير إيرانية خلال الأشهر الأخيرة عن اقتراب تطبيع العلاقات السياحية بين طهران والقاهرة، وذلك في ضوء التطورات السياسية في المنطقة، منها الاتفاق الإيراني السعودي على استئناف العلاقات بينهما، ويهدف هذا التطبيع السياحي إلى تعزيز التمثيل الدبلوماسي بين البلدين.
ترحيب رسمي
وفي السياق، كشف أمين اتحاد مكاتب خدمات السفر بمحافظة خراسان الرضوية شمال شرقي إيران فرهاد دوائي عن إبرام مذكرة تفاهم بين اتحادات مكاتب خدمات السفر الإيرانية والمصرية بوساطة عراقية، لتسيير رحلات سياحية من إيران إلى شرم الشيخ بحلول أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وبعد مرور أيام قليلة فقط على نجاح الوساطة القطرية في تبادل السجناء بين إيران وأميركا التقى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ونظيره المصري سامح شكري الأربعاء الماضي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لتتجه الأنظار في طهران مجددا إلى الوساطات الإقليمية وقدرتها هذه المرة على إحداث نقلة نوعية لاستعادة العلاقات بين البلدين.
وعقب اللقاء عبرت طهران رسميا عن رغبتها في تطبيع العلاقات مع مصر، إذ أكد عبد اللهيان تطلع بلاده إلى تطوير علاقتها مع القاهرة وإعادتها إلى مسارها الطبيعي، فيما كشف الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي -خلال مؤتمر صحفي في نيويورك- أن بلاده أبلغت مصر أنه لا توجد مشكلة في إقامة العلاقات، معتبرا أن اللقاء الأخير “قد يمهد الطريق لاستعادة العلاقات”.
وكانت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قد قُطعت عام 1980 بسبب نجاح الثورة الإيرانية ولجوء الشاه المخلوع محمد رضا بهلوي إلى القاهرة، وتفاقم تدهور العلاقات بعد اتفاق كامب ديفيد بين القاهرة وتل أبيب، وتم استئناف العلاقات عام 1991 على مستوى القائم بالأعمال ومكاتب المصالح.
خطوات تطبيعية
ومنذ تبني الحكومة الإيرانية الحالية سياسة توطيد العلاقات مع دول المنطقة ظهر أول المؤشرات بشأن تحسين العلاقات الدبلوماسية بين طهران والقاهرة، وأخذ منحى تصاعديا عقب لقاء وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على هامش مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة الذي عقد في الأردن ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويمثل لقاء وزيري خارجية إيران ومصر “خطوة أولية مباركة في سبيل تذليل العقبات والارتقاء بالعلاقات الدبلوماسية إلى مستوى السفراء”، وفق النائب البارز في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني فدا حسين مالكي الذي توقع أن تتبعها زيارات مكوكية لوفود سياسية واقتصادية وسياحية بين البلدين في المحطة الثانية لمسار التطبيع.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح النائب الإيراني أن لقاء عبد اللهيان وشكري سوف يسرع وتيرة تطبيع العلاقات بين بلديهما، وعبر عن أمله في أن يجتمع الرئيسان الإيراني والمصري خلال الخطوة الثالثة للإعلان عن إقامة العلاقات الشاملة وتبادل السفراء بين البلدين.
وخلص مالكي إلى أن الرغبة في الارتقاء بالعلاقات الثنائية بين إيران ومصر موجودة على صعيد الجهات الدبلوماسية والبرلمانية، لكن لا يمكن الحديث عن قرب حسم جميع الملفات العالقة في الوقت الراهن، لأن هناك من يسعى حثيثا لعرقلة التقارب بين الحضارتين العريقتين الفارسية والمصرية.
تحديات حقيقية
ورغم المساعي الحثيثة التي تبذلها جهات برلمانية وحديث الخارجية الإيرانية عن “آفاق جديدة في العلاقات مع القاهرة” فإن مراقبين في الجمهورية الإسلامية يرون أن التفاؤل الرسمي “مبالغ فيه”، لأن العلاقات الإيرانية المصرية تحكمها إشكالات وتحديات حقيقية على المستويين الإقليمي والدولي، ناهيك عن معارضة بعض الأوساط الداخلية.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح الباحث في معهد الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية علي نجات أنه على الرغم من موقف المرشد الإيراني من إقامة العلاقات مع القاهرة وتحييده معارضة صقور المحافظين الذين يعتبرون تطبيع العلاقات مع القاهرة طعنة في ظهر القضية الفلسطينية فإن الأوساط الأمنية المصرية لا تزال ترفع شماعة التحديات المحتملة في وجه المؤسسات الرسمية الراغبة بمواكبة موجة خفض التصعيد في المنطقة.
ويلقي نجات الكرة في ملعب الأجهزة الأمنية المصرية التي تنظر إلى الجانب الإيراني عبر نظارة متشائمة انطلاقا من احتمال نفوذ طهران على الأقلية الشيعية والتيارات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين في مصر، وتحويل صحراء سيناء إلى معقل للحركات الفلسطينية القريبة من إيران مثل الجهاد الإسلامي وحماس.
آفاق العلاقة
واعتبر الباحث الإيراني أن كيان الاحتلال الإسرائيلي يحظى بتأثير كبير على مسار العلاقات بين طهران والقاهرة، ويرى أن أي تقارب حقيقي بينهما يهدد أمنه القومي، مضيفا أن الاقتصاد المصري المتدهور يجعل بعض الأطراف الخارجية في مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة تفرض ضغوطا على الجانب المصري ومستوى علاقاته مع طهران لموازنة القوى بالمنطقة.
بدوره، يخلص برسام محمدي الخبير في الشؤون الإقليمية في مقاله تحت عنوان “آفاق وتداعيات عودة العلاقات بين إيران ومصر” -الذي نشره على موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية- إلى أن “الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني والمراكز والتيارات القريبة من الوهابية لا تتفق مع تحسين العلاقات بين طهران والقاهرة، وتقيّمها ضد مصالحها الإقليمية”، على حد قوله.