طهران – مع دخول عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة أسبوعه الرابع، يحتدم النقاش في إيران بشأن ضرورة التدخل المباشر دعما للمقاومة الفلسطينية، وخطورة القرار على أمن طهران القومي.
وبدأ الجيش الإيراني -الجمعة الماضي- مناورات ضخمة على مدى يومين للتدريب وتحسبا لتهديدات محتملة، مؤكدا أنه على أتم الاستعداد لمواجهة التهديدات.
وعلى وقع المظاهرات والفعاليات المتواصلة للتنديد بجرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في قطاع غزة، يتعالى في إيران الخطاب الثوري المطالب بالانخراط في المعركة، ويناشد سلطات طهران الإفراج عن صواريخها الباليستية وأسراب الطائرات المسيّرة، لقلب موازين القوى.
ذلك ما دفع المراسلة الشهيرة في التلفزيون الإيراني آمنة سادات ذبيح بور، أن تغرد “إن المتظاهرين الغاضبين في إيران يقولون، إن الصاروخ الذي لا يطلق اليوم، ليس سوى قطعة حديد متروكة في المستودع”.
وفي تغريدة أخرى، على منصة إكس، كتبت المراسلة، أنه مع وصول شحنات الأسلحة الأميركية إلى تل أبيب، فإن “الأحرى بمن يريد إرسال مساعدات إنسانية إلى غزة، أن يمدها بالصواريخ”، قبل أن تختم سلسلة تغريداتها بوسم “الأطفال تحت الركام بينما الصواريخ مكدسة في المستودعات”.
وبينما تجاوز عدد المتطوعين الإيرانيين لخوض المعركة إلى جانب المقاومة الفلسطينية -وفقا للتلفزيون الرسمي- 6 ملايين شخص، أظهرت نتائج استطلاعات الرأي أن نحو 77% من الإيرانيين يؤيدون عملية “طوفان الأقصى”.
ووفقا لمركز استطلاعات الرأي التابع لمعهد “الثقافة والفن والعلاقات”، فإن أكثر من 68% من المستطلعين يؤيدون دعم طهران للفلسطينيين بمواجهة إسرائيل، بينما أعرب 70% عن اعتقادهم أن إسرائيل عدوة لبلادهم، و64% يرون في إسرائيل خطرا على أمن بلادهم القومي، وذلك حسب الاستطلاع الذي جرى في الفترة من 17 إلى 20 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
خطر داهم
في سياق متصل، حذّر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي من أن “جرائم النظام الصهيوني تجاوزت الخطوط الحمراء، الأمر الذي قد يدفع الجميع إلى التحرك”، مضيفا، في تغريدة بمنصة إكس، أن الولايات المتحدة وجهت رسائل إلى محور المقاومة، لكنها واجهت ردا عمليا وعلنيا على الأرض.
وانطلاقا من تصنيف المؤسسة العسكرية الإيرانية إسرائيل كونها “التهديد الأكبر للجمهورية الإسلامية”، وإعلان المتحدث باسم وزراة الدفاع رضا طلائينك -الشهر الماضي- أن بلاده لديها أسلحة إستراتيجية مخصصة لضرب إسرائيل”؛ تتسائل شريحة من الإيرانيين عن سبب عدم استخدام تلك الأسلحة الإستراتيجية لتحييد الخطر المحدق ببلادهم؟
من ناحيته، أكد نائب القائد العام للحرس الثوري العميد علي فدوي، أمام حشد من طلبة جامعة طهران، الذين نظموا تجمعا لدعم غزة، أن “يد جبهة المقاومة على الزناد، وأن بلاده قادرة على التحرك العملي والمباشر من خلال كبسة زر تنهال بعدها الصواريخ نحو الأراضي المحتلة”.
وردا على سؤال أحد الطلبة، حول إمكانية تحرك طهران بشكل عملي في عملية “طوفان الأقصى”، قال العميد علي فدوي إن “بعض الناس يرى أن التحرك العملي يتمثل في إطلاق الصواريخ مباشرة نحو حيفا. نعم سوف ننفذ ذلك بكل تأكيد وحرية في حال لزم الأمر”.
ورهن القائد العسكري الإيراني، اتخاذ بلاده خطوات عملية لخوض أي معركة بالحصول على الإذن والتكليف الشرعي، في إشارة إلى أن قرار الحرب والسلم بيد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، كونه القائد العام للقوات المسلحة.
وكانت طهران قد حذرت -على لسان مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة سعيد إيرواني- أنها لن تتردد في ممارسة حقوقها الأصيلة للرد بشكل حاسم في حال تعرضت لأي تهديد أو هجوم أو عدوان.
خطورة التدخل
في المقابل، وعلى وقع الخطابات والأناشيد الثورية، ومنها “أغنية وين الملايين” التي تبث باستمرار في التلفزيون الإيراني هذه الأيام، تحذر شريحة من الأوساط الإيرانية من “مغبة الوقوع في الفخ الذي ينصبه الأعداء في غزة، وتطالب بتحكيم العقلانية لتفويت الفرصة على المتربصين بالجمهورية الإسلامية”.
لذلك، يرى السياسي الوزير السابق للطرق والتنمية الحضرية، عباس آخوندي، أن “خوض إيران الحرب مع إسرائيل وأميركا مطلبا إسرائيليا وروسيا ولكل منهما مصالحه”، مضيفا في تغريدة أن “إسرائيل تبحث عن مخرج للتخلص من ضغوط الرأي العام العالمي المتواصلة؛ بسبب حربها غير المتكافئة بحق الفلسطينيين وخوض معركة تقليدية، في حين تسعى روسيا لصرف الأنظار عن حرب أوكرانيا”.
بدوره، يعتقد أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة الخوارزمي يد الله كريمي بور، أنه “لا خيار أمام الجمهورية الإسلامية سوى النأي بنفسها من معركة غزة”، مضيفا أن خوض طهران المعركة قد يوسع رقعة الحرب إلى أبعد من دول الطوق؛ مثل: العراق واليمن، ناهيك عن احتمال إشعال جبهتي جنوب لبنان وغرب سوريا.
وفي حديثه للجزيرة نت، رأى الأكاديمي الإيراني أن توسيع نطاق الحرب عقب دخول طهران علی خط النزاع سيؤدي إلى إشعال فتيل حرب إقليمية قد يستدعي خطوات عالمية لإخمادها، مشيرا إلى أن ذلك قد يمهد إلى انخراط الولايات المتحدة وحلف الناتو في الصراع.
وأشار الأكاديمي ذاته إلی أن انخراط إيران في معركة غزة قد يرفع احتمال نشوب احتجاجات داخلية وتحركات قومية وطائفية في بعض مناطق البلاد، وحينها سترى السلطات نفسها مجبرة على توظيف جزء من قدراتها الردعية لضمان الأمن في الداخل.
لعبة الشطرنج
من ناحيته، يعزو النائب السابق لقائد فيلق القدس بالحرس الثوري، العميد منصور حقيقت بور، عدم تدخل بلاده لنصرة ما سماه “بضعة العالم الإسلامي” إلى “ثقتها بنجاعة عقيدة المقاومة وقدرتها على مواجهة العدو”، مستدركا أنه لولا الدعم الأميركي والأوروبي لقضت المقاومة الإسلامية حتى الآن على إسرائيل.
ولدى إشارته إلى النقاش المستمر في الأوساط الإيرانية بشأن التدخل المباشر في معركة غزة، أوضح العميد حقيقت بور أن “الجمهورية الإسلامية دولة مؤسسات، وأن القرارات الإستراتيجية المرتبطة بالأمن القومي تخضع لعوامل ومحددات عديدة”.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح بور أن “الدعم الإيراني للقضية الفلسطينية لم يتوقف يوما طوال أكثر من 4 عقود على شتى المستويات”، مشبها الشرق الأوسط برقعة لعبة الشطرنج وأن مشهد الصراع في المنطقة لا يحتاج من بلاده سوى “ترتيب قطع اللعبة”.
وفي السياق نفسه، يعتقد الكاتب والباحث السياسي كيومرث أشتري، أن الخيار العسكري قد يسوغ تدخل طهران في المعركة عندما يكون التهديد الإسرائيلي محدقا من الجنوب (الإمارات) ومن الشمال (أذربيجان)، مضيفا في مقال له نشرته صحيفة “شرق” تحت عنوان “الخيار العسكري في فلسطين” أن الخيار العسكري قد يكون مفيدا في الردع وإبعاد شبح التهديد من حدود الجمهورية الإسلامية، إلا أن مستوى المجازفة سيكون أعلى مقارنة مع التهديدات المحتملة.
ورغم انقسام الإيرانيين بين من يرى التدخل العسكري ضرورة لتحييد الخطر الإسرائيلي، ومن يحذر من خطورة القرار، تبقى عيونهم شاخصة إلى فلسطين لمتابعة قدرة بلادهم على “ترتيب قطع الشطرنج في مشهد النزاع المتواصل في الشرق الأوسط”.