نيودلهي- ظلت قضية المادة 370 من الدستور الهندي، التي ضمنت الاستقلال الذاتي لكشمير، قضية ساخنة في الهند، إذ استمرت الحركة الهندوسية السياسية تطالب بإلغائها بلا هوادة منذ 1947، كونها حجر عثرة دون اندماج الكشميريين في الهند.
وألغت حكومة مودي هذه المادة فجأة في 2019، والآن جاءت المحكمة العليا لتؤيد تلك الخطوة، التي عدّها خبراء القانون خاطئة؛ لأنها اتُخذت دون مراعاة الخطوات التي يتطلبها الدستور الهندي، ودون استشارة الشعب الكشميري عن طريق جمعيته التشريعية، فما خلفية هذه المادة وتداعيات إلغائها؟
-
ما المادة 370 وكيف دخلت إلى الدستور الهندي؟
قضت وثيقة الانضمام إلى الهند التي وقّع عليها مهاراجا كشمير هاري سينغ في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1947، بأن إمارة جامو وكشمير بعد انضمامها للهند ستتمتع باستقلال ذاتي، ولن تخضع للهند إلا في مجالات الدفاع والاتصالات والمالية.
ولإعطاء هذا التعهد شكله القانوني استحدثت الهند المادة 370 في الدستور الهندي، التي قضت بأن ولاية جامو وكشمير ستتمتع بالاستقلال الذاتي، وسيكون لها علمها الخاص ومجلسها التشريعي الخاص ودستورها الخاص، كما قضت المادة أنه لا يجوز للهند إلغاء الاستقلال الذاتي للولاية إلا بطلب من جمعيتها التأسيسية، وانتقلت هذه الصلاحية إلى الجمعية التشريعية بعد انتهاء مدة الجمعية التأسيسية.
-
هل راعت الهند متطلبات إلغاء الاستقلال الذاتي الدستورية أو قامت به دون مراعاة الدستور الهندي؟
قامت حكومة مودي فجأة في 5 أغسطس/آب 2019 بإلغاء المادة 370 من الدستور الهندي، فحرمت ولاية جامو وكشمير من استقلالها الذاتي، كما أنها لم تراعِ متطلبات الدستور، إذ لم يصدر قرار من جمعية الولاية التشريعية يطالب بإلغاء استقلال الولاية الذاتي، بل اكتفت الحكومة الهندية بطلب من حاكم الولاية الذي تعيّنه الحكومة الهندية بنفسها.
ولم تكتف الحكومة الهندية بهذا فقط؛ بل ألغت صفة “الولاية” لإقليم جامو وكشمير، ومن ثم جعلتها منطقة تابعة مباشرة للحكومة المركزية، كما قسّمت الولاية إلى قسمين، أحدهما: جامو وكشمير، والآخر لداخ.
وسجنت الحكومة الهندية -أيضا- غالبية الزعماء السياسيين الكشميريين، أو وضعتهم تحت الإقامة الجبرية في بيوتهم، منهم من أطلق سراحه بعد شهور طويلة، ومنهم من لا يزال مسجونا، أو موضوعا تحت الإقامة الجبرية.
وبدأت الحكومة الهندية منذئذ تتخذ الإجراء تلو الآخر لتغيير الأوضاع في كشمير، كإعطاء التابعية الكشميرية لمئات الألوف من الهندوس والسيخ، الذين لجؤوا إليها من باكستان عند التقسيم في 1947، بعد أن ظلت حكومات جامو وكشمير المتعاقبة ترفض إعطاءهم إياها.
كما طردت الهند مئات الموظفين الكشميريين المسلمين من وظائف حكومية، بحجة أن لهم ميولا إرهابية أو معادية للهند، وحرمت مئات الألوف من الكشميريين المسلمين من أراضيهم وبيوتهم، بحجة أنها أراض حكومية، كما حرمت الإقليم من خدمات الهاتف والإنترنت لشهور طويلة، حتى أصبحت كشمير أكثر منطقة في العالم تعاني من انقطاع الإنترنت.
وتلاعبت الحكومة في عدد الدوائر الانتخابية لجامو (الهندوسية) وكشمير (المسلمة) لإحداث نوع من التساوي، وذلك لفتح المجال أمام الهندوس للحصول على منصب كبير وزراء الولاية حين تقام الانتخابات في الإقليم.
وكانت حكومة مودي قد مهدت لهذه الخطوة الكبيرة بإسقاط حكومة الولاية المنتخبة في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، وفرضت الحكم المركزي المباشر على الولاية، وهي خطوة غيرعادية تتخذها الحكومة المركزية في حالة سقوط الأمن والنظام في ولاية ما، وهو شيء لم يحدث في جامو وكشمير، بل كان تمهيدا للخطوة الكبيرة القادمة في كشمير، وهو إلغاء استقلالها الذاتي وتجريدها من صفة “الولاية”.
وفي حالة فَرَض الحكم المركزي حاكم الولاية (الممثل للحكومة المركزية)، فإنه يصبح هو الحاكم الفعلي للولاية بدلا عن حكومتها المنتخبة، وهذا ما سهّل لحكومة مودي الحصول على طلب من “حكومة جامو وكشمير” لإلغاء الاستقلال الذاتي، و”حكومة جامو وكشمير” في هذه الحالة هو حاكم الولاية المعيّن من الحكومة المركزية، وليس كبير وزراء الولاية المنتخب.
-
كيف وصلت القضية إلى المحكمة العليا؟
رفعت شخصيات وأحزاب وجمعيات كشميرية 23 قضية في المحكمة العليا الهندية ضد قرار الحكومة المركزية بإلغاء الاستقلال الذاتي للولاية، وظلت المحكمة العليا تعكف على هذه القضايا، إلى أن قررت النظر فيها في سبتمبر/أيلول الماضي، بسبب ضغط الرأي العام والانتقادات الموجهة إلى المحكمة العليا، بأنها تحابي الحكومة المركزية.
وقد أعلن مجلس قضائي مكوّن من 5 قضاة، بما فيهم رئيس المحكمة العليا تشاندرشود، قراره في 12 ديسمبر/كانون الأول الحالي، بقبول قرار الحكومة المركزية بإلغاء الاستقلال الذاتي لكشمير، وقالت المحكمة في قرارها، إنه ليس لإقليم جامو وكشمير حقوق خاصة بعد انضمامها إلى الاتحاد الهندي.
وقد صدم هذا القرار جميع الأطياف السياسية فى كشمير وكذلك الحقوقيين في الهند، إذ إن تعهد الاتحاد الهندي وقبوله بالاستقلال الذاتي للإقليم، ثم إدخاله إلى الدستور ليس بأمر هيّن حتى تأتي أي حكومة وتلغيه بجرة قلم، ولم يكن قرار غير هذا متوقعا من المحكمة العليا، إذ عُرف عن القضاة أنهم لايعارضون الحكومة المركزية في قضايا مهمة، أو التي للحكومة المركزية توجّه خاص بشأنها.
وقد ظهر ذلك بوضوح حين قرر قضاة المحكمة العليا إعطاء أرض المسجد البابري للهندوس في 2019، رغم وجود كل الأدلة لصالح المسلمين، وقال كبير وزراء كشمير الأسبق فاروق عبد الله، إن “المحكمة العليا قالت: لتذهب كشمير للجحيم”.
وقالت محبوبة مفتي كبيرة وزراء سابقة للإقليم، إن ” قرار المحكمة العليا ليس النهاية بل هو مرحلة من المراحل الكثيرة التي مرت بها كشمير، إن قرار المحكمة العليا هزيمة لهذه البلاد، وهو ليس أكثر من رأي سياسى”.
وقال كبير وزراء كشمير السابق عمر عبد الله، إنه محبوس في بيته، ولا يُسمح للإعلام بالوصول إليه، ولذلك عبّر عن أحاسيس مماثلة بقوله، إن “قرار المحكمة العليا هزيمة للدستور الهندي، وتنكر للوعود التي قدمتها الهند لشعب كشمير عند الانضمام وبعده”.
وقد عبّر مودي عن فرحته عقب صدور قرار المحكمة قائلا، إن “هذا يوم فخر وبهجة لكل الهنود”، ويرى مؤيدو الحركة الهندوسية أن تأييد المحكمة العليا لإحدى مطالبهم دليل على صحة ذلك المطلب، وإدانة لمواقف الحكومات السابقة التي لم تكن مستعدة لإلغاء تلك المادة.
وفي الوقت نفسه قرّر القضاة إعادة وضع الولاية للإقليم، وأمروا الحكومة الهندية بإجراء انتخابات في الولاية قبل 30 سبتمبر/أيلول القادم، إلا أن المحكمة العليا لم تأمر الحكومة بإعادة صفة “ولاية” لإقليم جامو وكشمير.
يعدّ قرار المحكمة العليا ضربة للنظام الفدرالي في الهند، فهو يعني أن أي حكومة مركزية تستطيع سحب صفة “ولاية” من أي ولاية في النظام الفدرالي الهندي، وتحولها إلى منطقة تابعة للحكومة المركزية، وهو ما أثار انتقادات واسعة في أنحاء الهند، خاصة في ولايات الجنوب.
-
ما سر اهتمام مودي بإلغاء الاستقلال الذاتي لإقليم كشمير؟
ظلت الحركة الهندوسية السياسية تعارض الحكم الذاتى لكشمير، لدرجة أن أحد زعمائها شياما براساد موخارجى، وهو وزير سابق في حكومة نهرو، ذهب إلى كشمير في 1953 ليعمل على إلغاء الاستقلال الذاتي لكشمير، وهناك التقاه رئيس وزراء كشمير الشيخ محمد عبد الله في السجن حيث مات، ويزعم زعماء الحركة الهندوسية أن عبد الله قتل موخارجي في السجن.
وظلت الحركة الهندوسية تقول، إن المادة 370 من الدستور الهندي عائق في وجه اندماج كشمير في الهند، وهي السبب في الإرهاب هناك، وإلغاؤها سيؤدي إلى اندماج الإقليم في الهند والقضاء على الإرهاب.
وكان حزب الشعب الهندي في كل منشوراته الانتخابية عبر العقود الماضية يكرر أنه إن وصل للسلطة سيلغي هذه المادة، ولذلك لم يكن غريبا أن ألغاها مودي بعد فوزه في انتخابات 2019.
-
ما خطة مودي المستقبلية لكشمير؟
ما إن صدر قرار المحكمة العليا مؤيدا موقف الحركة الهندوسية بشأن كشمير، حتى أعلن وزير الداخلية أميت شاه (الذراع اليمنى لمودي) عن خطوتين قادمتين بشأن كشمير، أولاهما وعده “باستعادة كشمير المحتلة” (إشارة إلى كشمير التي تقع تحت سيطرة باكستان) خلال سنتين، والثانية تخصيص 24 مقعدا في المجلس التشريعي لولاية جامو وكشمير لسكان “كشمير المحتلة”.
ولا يُعرف كيف سيتمكن مودي من استعادة كشمير التي تقع تحت سيطرة دولة نووية، وكان غريبا -كذكل- أن وزير الداخلية أميت شاه تجاهل أن يذكر شيئا عن الجزء الثالث من كشمير، وهو “أقصاى تشين”، الذي يشكّل نحو 15% من كشمير، ويقع تحت سيطرة الصين منذ 1962.