إعادة الإعمار بعد زلزال الحوز.. خطوات أولى وصعوبات جمة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

كماسة/ إقليم شيشاوة- مع إرسال الشمس أشعتها الأولى، ينهمك المغربي عمر واهدي في ترتيب وحدات الطوب والإسمنت وقضبان الحديد والأحجار الصلبة، قرب منزله بدوار “تقليت” بجماعة كماسة (قرية جبلية) في إقليم شيشاوة، ويمسح على جبينه قليلا من العرق، بينما يشعر بانتعاش حين يلفح وجهه ريح باردة قادمة من جهة الجبال القريبة.

وفي زاوية قصية، تعد زوجته وجبة الفطور له ولعامل البناء ومساعده قبل أن يشرع الجميع في حفر الأساسات لإعادة بناء منزل واهدي المتضرر من زلزال 8 سبتمبر/أيلول الماضي.

يقول المواطن الخمسيني، مع علامة رضا ممزوجة بحزم واضح، للجزيرة نت إنه من المحظوظين الذين حصلوا سريعا على الدعم ورخصة البناء، مبرزا أنه مضطر للمساعدة لخفض تكاليف البناء، ومتلهف لعودته إلى منزل دافئ بعدما عانى شهورًا من الحر حينا، ومن البرد أحيانا في خيمة لم يألف العيش بها.

بدء إعادة إعمار منازل هدمها الزلزال المدمر في إقليم شيشاوة (الجزيرة)

بداية صغيرة

يتلقى المواطنون دعما أوليا مقدرا بـ20 ألف درهم لبناء منازلهم، ويشرح رئيس الجماعة في كماسة محمود بوعدي للجزيرة نت، أن المصالح المختصة منحت عددا من رخص البناء والتصاميم مجانا للمتضررين من أجل البدء في إعادة بناء منازلهم، مشيرا إلى أن العملية في تقدم مستمر، وقد وصلت إلى أكثر من 50% في جماعته.

بدوره، يقول المواطن علي أوبيهي من “جماعة تلات نيعقوب” الجبلية بإقليم الحوز للجزيرة نت، إن شخصا واحدا بدوار الدوكوج بدأ إعادة بناء منزله، مبينا أنه أول حالة بالجماعة، وقد تتبعها حالات أخرى بعد حصول مواطنين على رخص البناء. واعتبرها “بشارة خير” وخطوة مهمة وإن كانت صغيرة.

في حين يؤكد رئيس الجماعة عبد الرحيم أيت داود أن 13 مواطنا استفادوا من رخصة البناء حاليا في انتظار أن تمنح رخص أخرى بعد إنهاء فحص الطلبات من قبل اللجنة التقنية.

ويسعى المغرب إلى إعادة إعمار المناطق المتضررة من الزلزال مع الحفاظ على الخصوصية المعمارية المحلية، لكن هذا الأمر يواجه صعوبات على الميدان.

تصاميم عبد الغني بلوط/ دوار تقليت جماعة كماسة، مواطن ومقاول بناء، الساكنة استفادت من تصاميم بناء مجانية
مواطن ومقاول بناء في دوار تقليت بجماعة كماسة حيث يستفيد المواطنون من تصاميم بناء مجانية (الجزيرة)

دعم الدولة

يتبع الراغبون في إعادة بناء منازلهم مسطرة مبسطة جدا، لا تكلفهم درهما واحدا من أجل الحصول على رخصة البناء. ويؤكد المهندس أحمد أرجاني للجزيرة نت، أن الشروع في البناء يتطلب الحصول على الدعم الأولي، ووضع طلب لدى السلطة المحلية قبل الحصول على رخصة البناء.

ويبيّن أن المهندس الطوبوغرافي يعمل على تحديد حدود المسكن بدقة مستعملا طائرة مسيّرة، حفاظا على حقوق المالكين، وعند التأكد من قابلية البناء في المكان المحدد، يقوم المهندس المعماري بوضع تصميم له، فيما يؤشر المختبر المتخصص على تصميم الخرسانة وفقا للقانون المضاد للزلازل، ويُدرَس الملف كله من قبل “شباك المواكبة” المكون من مختلف المصالح المتدخلة، والموافقة عليه في أقل من 24 ساعة.

ويتابع المهندس المعماري أشغال البناء وفق شروط السلامة، قبل أن تسلم شهادة نهاية الأشغال وهي بمثابة رخصة السكن. ويقول المصدر ذاته إن الدولة حددت مذكرة تلزم باحترام الخصوصية المحلية، علما أن غالبية المناطق المتضررة بنيت مساكنها بالطين.

ويشير إلى أنه مع صعوبة البناء بالطين؛ نظرا إلى قلة المواد المحلية وتكلفتها العالية، وندرة الحرفيين المتخصصين، فقد ألزمت الدولة أن تحافظ الواجهة على الأقل على المظهر الحضاري للقرى، من حيث الطلاء بالطين وتصميم الأبواب والنوافذ والفناءات والممرات.

طوب طيبي عبد الغني بلوط/ دوار بوهماوش جماعة أيت أيمور، مواطن يحتفظ بالطوب الطيني في انتظار رخصة البناء..
مواطن يحتفظ بالطوب الطيني في انتظار رخصة البناء (الجزيرة)

مجازفة

وفي المقابل، وطول الطريق من “تحناوت” في جماعة كماسة إلى أمزميز ثم إلى “تلات نيعقوب” بإقليم الحوز، وفي مداخل القرى (مناطق جبلية)، ما تزال الأزرق والأصفر والأبيض (ألوان الخيام) تسيطر على المنظر العام.

ويبرز الشاب معاذ الغزواني من منطقة أمزميز الجبلية للجزيرة نت، أن العملية ما تزال في بدايتها، وأن الخيام في تزايد مستمر حيث لم يجد السكان مكانا آمنا في دورهم المتضررة.

ويجازف البعض في المبيت بمساكنهم المتضررة كما هو الحال بالنسبة للمواطنة نعيمة جلالي من دوار بومهاوش بجماعة أيت إيمور، التي تضطر، وهي حامل، مع أبنائها الثلاثة وزوجها المريض، للمبيت في منزلها المتشققة جدرانه.

في حين تقول السيدة اجميعة سوفير (90 سنة) من الدوار نفسه، وهي تظهر للجزيرة نت وثائق منزلها التي تحتفظ بها في كيس بلاستيكي إنها اضطرت إلى العيش في الخيمة بعدما لم يعد منزلها صالحا للسكن. وقد جربت مرة أن تبيت داخله، لكن الخوف سيطر عليها طيلة تلك الليلة، وأعاد إليها ذكرى 8 سبتمبر/أيلول قبل أن تقرر تركه نهائيا.

خيام عبد الغني بلوط/ دوار تقليت جماعة كماسة ، عائلات مازالت في الخيام في انتظار بناء منازلها المهدمة كل الصور بعدسة المراسل
عائلات ما تزال في الخيام بانتظار بناء منازلها المهدمة (الجزيرة)

قانون

صادق المغرب على مرسوم صادر سنة 2013 على ضوابط البناء المضاد للزلازل، والتي تُطبق على المباني التي تم تشييدها وفق التقنيات المحلية التقليدية التي يستعمل في دعاماتها الأساسية الطين والقش والخشب وسعف النخيل والقصب أو مواد مشابهة أخرى.

ويمنع تشييد هذه المباني في الأراضي الرخوة والقابلة للتمدد، والموجودة في مناطق المستنقعات والمعرضة لأخطار الفيضانات والانزلاق، أو تلك التي توجد فوق فرشات مائية سطحية، أو على بُعد مسافة تقل عن كيلومترين من تصدعات جيولوجية نشطة معروفة.

ويؤكد المهندس والخبير المعماري محمد شرقاوي، أن التقنيات والحلول المبتكرة للبناء بالطين الموروثة عبر العصور تهدف إلى تثمين خواص المواد المحلية، ولا سيما مادة الطين المستعملة في البناء، حيث يمثل البناء بالطين تراثا اجتماعيا وثقافيا لأجيال عديدة وشاهدا على أصالة تقاليد المغرب المعمارية.

لذلك، يقول شرقاوي، إنه من الضروري تثمين فعالية البناء بالطين حتى يظل من بين حلول أخرى، الحل الاقتصادي والإيكولوجي المعتمد للبناء في الوسط القروي.

بدء إعادة الإعمار بعد زلزال الحوز...خطوات أولى وصعوبات جمة
مرسوم مغربي يضبط عملية البناء لتصبح المنازل والأبنية مضادة للزلازل (الجزيرة)

شروط صعبة

ويحدد المرسوم شروطا ومعايير للسلامة دقيقة جدا، قد لا يستطيع أي مواطن عادي الالتزام بها. ولا يرى المواطن عمر واهدي مانعا في البناء بالإسمنت المسلح، مشيرا إلى أن الطابع المعماري للدوار في طريقه إلى التحول، في حين يحتفظ المواطن عبد الرحيم أيت موحا بطوب الطين المخلّف من داره المهدمة بالزلزال بجماعة أيت أيمور، ويقول للجزيرة نت إنه مستعد لبناء منزله بها، لكنه ينتظر المساعدة.

ويشير الخبير شرقاوي إلى أن إعادة الإعمار مناسبة جيدة لتفعيل القانون غير المفعل أساسا، ويبرز أن المرسوم يشير إلى أن المغرب يتميز بتنوع معماري كبير وثقافات في مجال البناء معترف بثرائها الذي يمثل عاملا مهما لجذب السياح.

ويؤكد أن هذا التنوع المعماري يمثل الهوية الجامعة للمملكة وتراثا ثقافيا وجب الحفاظ عليه، إذ إن البناء بالطين ليس ذا جودة جمالية كبيرة فحسب، وإنما يمثل كذلك تكييفا ملحوظا مع الظروف المناخية، ويعتبر بالتالي “هندسة معمارية خضراء” ذات جودة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *