إضرابات المُدرسين تهدد مستقبل التلاميذ المغاربة وتثير غضب الأسر

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

الرباط- يدرس أبناء المغربية أسماء العلمي في المدرسة الحكومية، ابنتها الكبرى في مستوى البكالوريا وابنها في السنة التاسعة إعدادي، وهما سنتان حاسمتان في مسار التلاميذ المغاربة، بسبب ارتباطهما بامتحانات إشهادية تحدد المستقبل الدراسي.

تقول أسماء للجزيرة نت بنبرة حزينة ويائسة “منذ أكثر من شهر وأبنائي غير منتظمين في دروسهم، بسبب إضراب المعلمين، ولا أفهم إلى متى سيظلان في المنزل”.

تضيف العلمي “لا يدرس أبنائي إلا 3 أيام في الأسبوع واليومين الآخرين يدرسان فيهما ساعات معدودة”.

لتفادي الأسوأ، قررت تسجيل ابنتها في مؤسسة للدروس الخصوصية. أما ابنها الثاني، فيمكث أيام الإضراب في المنزل.

تبدو أسماء في حيرة من أمرها فهي لا تعرف ما العمل، وكيف ستعوض الدروس التي فاتت أبناءها، ولا تعرف من تخاطب لطلب التدخل لإيجاد حل لهذه المشكلة.

يخوض العاملون في قطاع التربية إضرابات واحتجاجات منذ أزيد من شهر رفضا لقانون جديد وضعته وزارة التربية الوطنية أطلقت عليه “النظام الأساسي”، وصادق عليه المجلس الحكومي بتاريخ 27 سبتمبر/أيلول الماضي، ونشر في الصحيفة الرسمية بتاريخ 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ويتضمن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية 98 مادة تحدد هيئات ومهام ومسؤوليات وتعويضات الموظفين في القطاع فضلا عن العقوبات التأديبية.

وبينما يدافع وزير التربية الوطنية عن النظام كونه سيحسن وضعية موظفي التعليم، تقول النقابات والتنسيقيات الممثلة لهؤلاء الموظفين إنه مخيب للآمال، ويحرمهم من مكتسباتهم.

 

 

الآباء غاضبون

لا حديث في المجالس الأسرية إلا عن إضرابات واحتجاجات أساتذة المدارس الحكومية.

ويتفاقم غضب الأمهات والآباء، بسبب ضبابية المشهد، ويظهر هذا الغضب في النقاش الدائر بمواقع التواصل الاجتماعي، والذي انتقل إلى الواقع على شكل وقفات احتجاجية نظمها الآباء والأمهات مع أبنائهم أمام المدارس في عدد من المدن.

يستغرب أحمد فوناس رئيس الرابطة الوطنية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بالمغرب تجاهل الوزارة الضرر الذي لحق بالأسر وأبنائها، بسبب الإضرابات المتتالية، ويقول للجزيرة نت “نخاف من تأثير الإضراب على المستوى الدراسي لأبنائنا، ونخشى سنة بيضاء”.

بالنسبة لفوناس، فإن ما يحدث في قطاع التعليم يكرس عدم تكافؤ الفرص والتمييز وغياب العدالة الاجتماعية، ويقول “تلاميذ المدارس الخصوصية منتظمون في دراستهم، بينما المدارس الحكومية مغلقة، ولا تستقبل التلاميذ، بسبب الإضرابات والاحتجاجات”.

ويضيف “نحن نتفهم مطالب الأساتذة في تحسين وضعيتهم وظروف عملهم، لأنهم عنصر أساسي في المنظومة التربوية لذلك نطالب الوزارة بسحب النظام الأساسي ثم فتح حوار مع نقابات التعليم، حتى يعود الأساتذة والتلاميذ لفصولهم”.

وكانت الرابطة قد وجهت قبل يومين رسالة لرئيس الحكومة طالبته فيها بسحب النظام الأساسي الذي تسبب في احتقان كبير بين المهنيين، وأشارت إلى أن 195 يوما من الزمن المدرسي ضاع خلال الأربعة مواسم الدراسية الماضية، وأن التلاميذ حرموا من الدراسة منذ أكثر من شهر ونصف منذ بداية السنة الدراسية الحالية.

من جهته، قال نور الدين عكوري رئيس فدرالية آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بالمغرب، “إن 70% من الأساتذة مضربون عن العمل، مؤكدا للجزيرة نت أن التلميذ هو الضحية في الاحتقان الحاصل بين الأساتذة والوزارة”.

ويرى عكوري أن مسؤولية عودة الحياة المدرسية إلى طبيعتها تتحمله الحكومة داعيا إياها إلى العمل بجدية من أجل تسريع عودة التلاميذ إلى فصولهم ومنبها من خطورة ضياع الزمن التعلمي؛ إذ إن انقطاع الاستمرارية البيداغوجية سينتج -في نظره- مشكلات أخرى.

وأوضح الفاعل التربوي أن “توقف العديد من التلاميذ عن التعلم في المدرسة لأوقات طويلة سيتسبب في تراجع مستواهم، مما سيؤدي إلى انقطاع عدد منهم عن الدراسة ورفع معدلات التسرب المدرسي”.

أولياء الأمور يحتجون على استمرار إضرابات الأساتذة أمام إحدى المدارس بمدينة آسفي (الجزيرة)

إصلاح أم تراجع؟

منذ مصادقة الحكومة عليه في سبتمبر/أيلول الماضي، دافع وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى عن النظام الأساسي، وقال في تصريحات صحفية “إنه يتضمن تحفيزات استثنائية، وسيعيد ثقة المواطنين في المدرسة العمومية، وسينصف رجال ونساء التعليم، مشيرا إلى أن هذا النظام سيكلف موازنة تصل إلى 9 ملايين درهم على مدى 4 سنوات”.

بيد أن الأساتذة اعتبروه نكسة وتراجعا عن مكتسباتهم، واتحدوا في تجمع موحد أطلق عليه “التنسيق الوطني من أجل التعليم” يضم نحو 17 هيئة.

ونظم هذا التنسيق إضرابات ومسيرات احتجاجية جهوية ووطنية كان أضخمها مسيرة 7 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري بالرباط التي شارك فيها آلاف الأساتذة من مختلف المدن لإعلان رفضهم الجماعي لهذا النظام.

ويرى عبد الله غميمط -عضو التنسيق الوطني من أجل التعليم والكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم- أن “الحركة الاحتجاجية التي يخوضها الأساتذة هي نتيجة إقدام الوزارة على فرض نظام أساسي تراجعي لا يحل المشكلات المتراكمة منذ عقود، ولا يستجيب للمطالب المرفوعة منذ سنوات”.

وأكد غميمط في حديث مع الجزيرة نت أن مطالب التنسيق الوطني من أجل التعليم وكافة رجال ونساء التعليم واضحة، وتتمثل في إلغاء وإسقاط النظام الأساسي الذي تم تمريره وفرضه.

وذكر المتحدث عددا من النقائص التي جاء بها هذا النظام، ومن أبرزها تكريس نظام التعاقد والتمييز بين الأساتذة وتحديد 30 سنة كعمر أقصى للتوظيف، إلى جانب وضع عقوبات جديدة وخطيرة تجاوزت ذلك المنصوص عليها في نظام الوظيفة العمومية.

وأضاف غميمط أن هذا النظام لم يحسن من وضعية المدرس، بل زاد من أعبائه ومهامه وغير مهمته الأساسية في التدريس مقابل عدم تطوير المنظومة الأجرية مشيرا إلى أن موظفي التعليم يتلقون أجورا هي الأدنى في مراتب الأجور في سلم الوظيفة العمومية.

وألقى المتحدث باللائمة في التوتر القائم في قطاع التعليم على الحكومة والوزارة اللتين لم تتحملا مسؤولية الاستجابة للمطالب الأساسية للأساتذة، واعتبر أنه دون زوال الأسباب، فإن الاحتقان والتوتر سيبقى.

المغرب/ الرباط/ سناء القويطي/ مسيرة الأساتذة بالرباط احتجاجا على النظام الأساسي / مصدر الصورة: خاص بالموقع
احتجاج المدرسين على النظام الأساسي بالرباط-المغرب (الجزيرة)

الحوار مع الحكومة

بعد انسداد قنوات الحوار بين المحتجين ووزارة التربية الوطنية، قرر رئيس الحكومة الاجتماع بالنقابات نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأبدى موافقته على مراجعة هذا النظام وإجراء بعض التعديلات على مواده، وكلف وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة بالاستماع لمطالب النقابات وملاحظاتها ورفع تقرير بشأنها لرئاسة الحكومة.

يرى عبد الله غميمط أن الحوار الذي أعلنت رئاسة الحكومة إطلاقه مع النقابات، محاولات غير جادة في التفاعل مع الملف لافتا إلى أن رئيس الحكومة أشرف بنفسه على الحوار لمدة سنتين ليفاجأ رجال ونساء التعليم بإخراج نظام أساسي يعتبر “أخطر قانون اجتماعي في قطاع التربية الوطنية منذ الستينيات” وفق تعبيره.

ولا تزال مساعي الحكومة لنزع فتيل التوتر متواصلة، إذ أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة الخميس عقب اجتماع المجلس الحكومي أنه آن الأوان للعمل على نحو مشترك وسريع لمواجهة تخوفات رجال ونساء التعليم في حوار هادئ وشفاف ومعقول، مضيفا أن الحكومة مستعدة للتفاعل والنقاش بشأن هذه التخوفات.

ونبه المسؤول الحكومي إلى أنه لا يمكن بقاء التلاميذ دون حصص دراسية واستمرار التسرب الدراسي.

وبينما ترى جمعيات الآباء والأمهات أن التلاميذ هم ضحية هذا الاحتقان في قطاع التعليم، يرى غميمط أن الأساتذة والتلاميذ هما معا ضحايا سياسات الحكومة وتدبيرها لهذا القطاع الحيوي.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *