دمشق – تشهد حركة النقل الجوي في مناطق سيطرة النظام السوري، منذ 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، اضطرابا وتخبطا بعد خروج مطاري دمشق وحلب الدوليين عن الخدمة مرارا نتيجة القصف الجوي الإسرائيلي المتكرر لهما.
ويعاني مئات المسافرين السوريين في إيجاد خطط بديلة لزيارة بلدهم أو للعودة منها إلى بلدان إقاماتهم، فضلا عن تعطل مصالح العشرات منهم جراء إلغاء رحلاتهم أو تأجيل مواعيدها بعد تحويلها إلى مطار اللاذقية.
وأعلنت وزارة النقل في حكومة النظام يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول الجاري عن تحويل كافة الرحلات الجوية (قدوم ومغادرة) إلى مطار اللاذقية عقب غارات متزامنة شنتها طائرات جيش الاحتلال الإسرائيلي على مطاري دمشق وحلب الدوليين، مما أدى إلى خروجهما عن الخدمة مجددا.
وقالت الوزارة، عبر موقعها على فيسبوك، إن “العدوان الإسرائيلي السافر” أدى إلى تعطل رحلات الركاب وشؤونهم وأعمالهم واحتياجاتهم، ودعت المسافرين إلى “ترتيب أمورهم” مع شركات الطيران.
وبالتزامن أعلنت المؤسسة السورية للطيران عن إلغائها رحلات القاهرة والكويت، وتحويل رحلات الإمارات (دبي/ الشارقة/ أبو ظبي) والدوحة (قدوم ومغادرة) إلى مطار اللاذقية الدولي.
في حين حولت شركة أجنحة الشام للطيران عددا من رحلات الإمارات والعراق وروسيا والكويت إلى مطار اللاذقية عقب القصف الذي تعرض له المطاران بساعات.
تعطل وأعباء مالية
اضطر عدد من المسافرين السوريين إلى اتخاذ إجراءات استثنائية للالتحاق بأعمالهم والعودة إلى بلدان إقاماتهم، في وقت تخلف فيه بعضهم عن مواعيد العودة، مما أدى إلى تعطل أشغالهم ومصالحهم في تلك البلدان بعد تغيير شركات الطيران السورية مواعيد الرحلات وإلغاء عدد منها.
يقول فاضل (37 عاما)، وهو مهندس سوري مقيم في مصر وكان في زيارة لأسرته في دمشق، “كان حجزي على رحلة دمشق-القاهرة يوم الخميس الماضي، ولكن الرحلة ألغيت، ثم تم تأجيلها بضعة أيام، ولم تحدد الخطوط الجوية السورية إذا ما كانت الرحلة الأحد المقبل أم الاثنين”.
ويضيف للجزيرة نت “كنت على موعد لإجراء مقابلة عمل في إحدى شركات الإنشاء في القاهرة بتاريخ 28 أكتوبر/تشرين الأول، والآن لا أعلم إن كانت الوظيفة لا تزال شاغرة بعد اعتذاري عن الموعد وطلبي تأجيله”.
في حين اضطرت منى (25 عاما)، وهي موظفة استقبال في فندق في بغداد، إلى الحجز على متن رحلة إلى بغداد من مطار بيروت (مطار رفيق الحريري الدولي)، بعد الخروج الأخير لمطار دمشق الدولي عن الخدمة وتأجيل موعد رحلة دمشق-بغداد.
تقول منى للجزيرة نت “سافرت إلى بيروت على عجل، وأجبرت على دفع أجرة السيارة التي أقلتني، بالإضافة إلى الإتاوات التي دفعت على الحواجز العسكرية والأمنية في طريقنا، وكل ذلك من أجل الحفاظ على وظيفتي في الفندق، فهناك عشرات العاملين الجاهزين ليحلوا محلي لو تأخرت عن العودة، مما يعني أني سأصبح عاطلة عن العمل”.
وأنفقت منى، إلى جانب تذكرة الرحلة إلى بغداد، نحو 100 دولار للوصول إلى بيروت، ومنها مبلغ 40 دولارا إتاوات يدفعها السائقون للحواجز في مناطق سيطرة النظام.
ويضطر المسافرون السوريون العائدون إلى سوريا من المنافذ البرية والبحرية والجوية -منذ يوليو/تموز 2020- إلى تحويل مبلغ 100 دولار إلى ما يعادلها بالليرة السورية وفق سعر البنك المركزي، كإجراء فرضته حكومة النظام على السوريين بحجة “تأمين جزء بسيط من احتياجات البلاد من العملات الأجنبية”.
حلول بديلة
ويعتمد المسافرون السوريون المقيمون في الدول الأوروبية، منذ سنوات، على مطار بيروت بشكل أساسي لمغادرة سوريا والعودة إليها، نظرا إلى عدم تسيير رحلات من دول إقاماتهم إلى المطارات السورية.
وجراء التصعيد العسكري الذي تشهده الحدود الجنوبية للبنان مؤخرا بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي، أصدرت السلطات اللبنانية أمس السبت تعميما يتضمن إرشادات وتعليمات بإخلاء مطار بيروت الدولي والمرافق المحيطة به.
وقبل هذا التعميم تخوّف مسافرون سوريون من تكرار سيناريو حرب 2006 عندما استهدفت قوات الاحتلال مدرج مطار بيروت الدولي، مما دفع العائدين إلى سوريا من دول أوروبية إلى البحث عن وجهات أخرى.
وقصد عشرات المسافرين السوريين القادمين من أوروبا مطار الملكة علياء الدولي بالعاصمة الأردنية عمان عوضا عن مطار بيروت الدولي بعد أن ألغت بعض شركات الطيران الأوروبية رحلاتها إلى بيروت.
وكانت سندس (38 عاما)، وهي تعمل في متجر ألبسة في أمستردام بهولندا، قد خططت لزيارة والدتها المسنة بعد تدهور حالتها الصحية خلال الشهور القليلة الماضية.
تقول سندس للجزيرة نت “هذه هي زيارتي الأولى للبلاد بعد مضي 7 سنوات على لجوئي في هولندا وحصولي على الجنسية مؤخرا، ونجحت بصعوبة في الحصول على إجازة من العمل لمدة 3 أسابيع، وحجزت تذكرة ذهاب وإياب من مطار بيروت عبر شركة ترانسفيا الهولندية، لكنهم أعلموني لاحقا بإلغاء الرحلة، مما اضطرني إلى نقل حجز الطيران من بيروت إلى عمان”.
وبعكس السوريين الذين لا يتمتعون بجنسيات دول أخرى، فإن سندس لم تضطر لتقديم طلب للحصول على إذن سماح بدخول الأردن من وزارة الداخلية الأردنية، ولن تضطر لاحقا إلى التقديم على موافقة أمنية من الجهات المعنية لدى النظام السوري قبل المغادرة كما هي الحال مع معظم السوريين المسافرين إلى الأردن.
غير أن شكواها كانت من ارتفاع تكاليف رحلتها، إذ تقول “دفعت 40 دينارا (56 دولارا) رسوم دخول إلى الأردن، واضطررت إلى صرف 100 دولار على الحدود الأردنية السورية، واتفقت مع صاحب سيارة الأجرة التي أقلتني من عمان إلى دمشق وستعود بي إلى الأردن، على مبلغ 100 دولار. وستكلفني الرحلة من حيث المواصلات نحو 500 دولار”.
وكان من بين الشروط التي حددها الأردن لاستقبال السوريين المقيمين في الدول الأوروبية ممن لديهم وثيقة سفر أجنبية (غير الحاصلين على جنسية تلك الدول)، في يوليو/حزيران الماضي، التقدم بطلب للسماح بالدخول إلى الأردن عبر موقع الخدمات الإلكترونية التابع لوزارة الداخلية، ويستغرق البت في الطلب من 7 إلى 10 أيام، بحسب موقع الوزارة.
ويحتاج المسافرون السوريون من مناطق سيطرة النظام باتجاه الأردن إلى تحصيل موافقة أمنية تصدر عن الأفرع الأمنية والعسكرية، ويستغرق صدورها من 10 إلى 15 يوما، مما ضاعف من معاناتهم بعد تعطل المطارين.
وكانت طائرات إسرائيلية نفذت غارات جوية بشكل متزامن، مستهدفةً مطاري دمشق وحلب الدوليين يومي 12 و22 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، في حين تعرض مطار حلب لغارات منفردة في 15 و25 من الشهر الجاري، مما أدى إلى خروجه عن الخدمة للمرة الرابعة خلال أسبوعين.