غزة- حينما سمع سعيد أبو وردة من أقاربه عن بدء جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية في محافظة وسط قطاع غزة، قال لهم: “بُكرة بتهربوا وتتركوني أموت مكاني”.
ورغم أن أسرة سعيد تحاول طمأنته بأنها لن تتركه وستنقله معها إلى مكان آمن، إذا اضطرت للنزوح مجددا، لكنها تشعر بالقلق الشديد حيال ما ينتظرها من متاعب تلوح في الأفق.
ويقبع أبو وردة (25 عاما)، أسيرا لشلل نال من معظم جسده، عقب إصابته قبل نحو 5 شهور، بشظايا قذيفة إسرائيلية في عموده الفقري، جعلته غير قادر على تحريك أطرافه، عدا ذراعه الأيمن.
كيف نحمل سعيد؟
وتقول أسرة سعيد أبو وردة التي تعيش في خيمة بمدينة دير البلح، إنه بحاجة إلى السفر للعلاج في الخارج، كي يتمكن من القدرة على المشي مجددا.
وتوضح شقيقته هبة للجزيرة نت “حينما سمعنا أن اليهود سيدخلون الوسطى فكرنا: كيف سنحمِل حالنا، أو أولادنا أو نحمِل سعيدا؟ الوقت صعب جدا، اليهود لا يعطون وقتا طويلا للإخلاء، يقولون أخلوا المكان فورا”.
ويحتاج سعيد إلى غيار يومي لقرحة أصابته في ظهره بسبب عدم قدرته على الحركة، بالإضافة إلى حفاظات وقسطرة بولية، ورعاية متواصلة.
وتضيف شقيقته “طبعا لن نتركه، لكنها مشكلة كبيرة لو قررنا النزوح، أين أذهب به؟”.
ويُعبّر النقاش الدائر داخل خيمة أسرة أبو وردة، عن حالة القلق الشديد التي تسود منطقة وسط قطاع غزة، عقب بدء جيش الاحتلال الخميس الماضي، “حملة عسكرية مباغتة في وسط قطاع غزة”، بدأها في محيط مخيم النصيرات.
لا نعرف أين نذهب؟
ويشعر النازح عبد المنعم القانوع بالقلق والحيرة الشديدة تجاه المنطقة التي سينزح إليها في حال وصلت قوات الجيش إلى المكان الذي يقيم فيه.
ويقول للجزيرة نت “أين سنذهب؟ نحن في الوسط، وممنوع أن نرجع للشمال، ورفح في الجنوب مهددة أيضا، أين نذهب؟ لا نعرف”.
ويضيف “الله فقط من يقدر أن يجد لنا حلا لهذه الورطة”.
ويقول القانوع الذي نزح من شمالي القطاع في بداية الحرب، إن إسرائيل تهدف من هذا الهجوم إلى “الضغط على حركة حماس من خلالنا”، مضيفا “ونحن لا ذنب لنا، نحن لا علاقة لنا بالسياسة”.
وقال جيش الاحتلال في بيان “مجموعة القتال التابعة للواء 401، ومجموعة القتال التابعة للواء الناحال، والوحدات الأخرى تحت قيادة الفرقة 162 بدأت الليلة الماضية حملة مباغتة لتدمير البنى التحتية في وسط قطاع غزة”.
وفي السياق ذاته، قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الخميس، إن اسرائيل “ملزمة بمواصلة القتال ضد الإرهاب وتعميق عملياتنا في رفح ودير البلح والنصيرات وقد بدأنا بذلك اليوم”.
رسالة إلى نتنياهو
واختار النازح سعيد الزين، الذي يقطن في مركز إيواء بدير البلح، أن يوجّه خطابه إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، “أقول لنتنياهو: قلت لنا اخرجوا من شمال غزة، واذهبوا إلى جنوب الوادي، وذهبنا فعلا إلى النصيرات، ثم هاجمتها (نهاية ديسمبر)، ثم قلت اذهبوا إلى المواصي (الجنوب) وذهبنا، وتعرضتْ أيضا إلى القصف، وأخيرا جئنا إلى الوسط، والآن تهاجمه، ماذا تريد منا؟ وأين نذهب؟ لم يبق إلا رفح وهي أيضا مهددة”.
ويتابع الزين “يا نتنياهو، إذا مش قادر عليهم (المقاومة) فما ذنب الأطفال؟ أين حقوق الإنسان وأين الأمم المتحدة ورؤساء العرب والعالم مما يجري؟”.
وأكمل “نفسيتنا محبطة جدا، لا يوجد راحة بال، أنا في الوسطى وأبي ما زال في الشمال، وإخوتي في رفح، استشهد زوج أختي وبنت عمي وابن عمي، ومنازلنا دمروها، ولم يكتفوا بذلك ويلاحقوننا هنا”.
ضغط على المقاومة
ويفسر المحلل السياسي محمد أبو قمر، الهجوم الإسرائيلي على وسط القطاع بأنه محاولة جديدة للضغط على حركة حماس بهدف دفعها لتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات الجارية، من خلال تشديد الضغط على السكان وإيذائهم.
كما يرى أن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى إرضاء اليمين المتطرف، والرد على الانتقادات العنيفة التي طالتها عقب سحب قوات الجيش من خان يونس قبل نحو أسبوع.
ويقول أبو قمر للجزيرة نت “خيارات الاحتلال تضيق في التعامل مع المقاومة بعد أن عجز عن تحقيق أهدافه المعلنة، لذلك يذهب مجددا، باتجاه الضغط على السكان، لعل وعسى أن يترجم ذلك إلى تنازلات على طاولة المفاوضات”.
ويضيف المحلل السياسي نفسه “ماذا يفعل الاحتلال الآن؟ إنه يضغط على السكان ويؤذيهم، سواء في حرب التجويع في الشمال وفصل الشمال وغزة عن الجنوب، والآن يشن هجوما على وسط القطاع، وهو يعتقد أن المقاومة قد تليّن من موقفها (في المفاوضات) من خلال هذا الضغط”.
وتُجرى مفاوضات غير مباشرة في القاهرة بين حركة حماس وإسرائيل بهدف الوصول إلى هدنة إنسانية، لكنها تصطدم برفض إسرائيل وقف الحرب وعودة النازحين إلى شمالي القطاع، وهو ما لا تقبله حركة حماس.
صور للجزيرة تظهر لحظة استهداف شاب فلسطيني بقذيفة مدفعية إسرائيلية في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة#حرب_غزة #الأخبار pic.twitter.com/COLyPTaGtT
— قناة الجزيرة (@AJArabic) April 13, 2024
وأشار المتحدث ذاته إلى هدف ثان من وراء الهجوم وهو “إبقاء حالة الحرب قائمة لأسباب حزبية وسياسية”. وأضاف موضحا “بعد انسحاب الجيش من خان يونس، بدأ صحفيون ووزراء وجنرالات سابقون، ينتقدون الحكومة ويقولون إن الحرب انتهت فعليا، وإن الجيش عالق في غزة، وإن إسرائيل تلقت هزيمة إستراتيجية، وبالتالي قد يكون هذا دافعا لنتنياهو لمشاغلة بعض المناطق، قبل الذهاب إلى رفح”.
بدوره، يتفق المحلل السياسي أحمد الكومي، مع أبو قمر في أن إسرائيل تواصل استخدام “نزوح السكان” كورقة ضغط على قيادة المقاومة.
وأضاف الكومي للجزيرة نت “هذا بالضرورة يعبر عن فشل سياسي وأخلاقي، ثم استنفاد إسرائيل لكل خياراتها العسكرية في غزة”.
كما رأى أن استمرار إسرائيل في حربها ضد المدنيين، يشير إلى أنها “لا تزال تعيش الصدمة من هجوم السابع من أكتوبر، ومن فشلها في حسم المعركة مع المقاومة”.
وبالإضافة إلى محاولتها الضغط على قيادة المقاومة، يرى الكومي جانبا آخر من الهجوم على وسط القطاع، وهو “طبيعة هذا الاحتلال وسلوكه الوحشي والتصرف دومًا بدافع الانتقام ومعاقبة الحاضنة الشعبية للمقاومة، وتدفيعها الثمن على ذلك”.